شرح دعاء كميل (1)

img

رواية كميل بن زياد

روى السيد في الإقبال أن كميل بن زياد قال: كنت جالساً مع مولاي أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في مسجد البصرة ومعه جماعة من أصحابه. فقال بعضهم: ما معنى قول الله عزوجل: ﴿فِيهَا يُفْرَغُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾؟ قال×: «ليلة النصف من شعبان، والذي نفس علي بيده إنه ما من عبد إلا وجميع ما يجري عليه من خير وشرّ مقسوم له في ليلة النصف من شعبان إلى آخر السنة في مثل تلك الليلة المقبلة، وما من عبد يحييها ويدعو بدعاء الخضر× إلا أُجيب له». فلما انصرف طرقته ليلاً. فقال×: «ما جاء بك يا كميل؟» قلت: يا أمير المؤمنين دعاء الخضر×. فقال: «اجلس يا كميل، إذا حفظت هذا الدعاء فادعُ به كل ليلة جمعة أو في الشهر مرة أو في السنة مرة أو في عمرك مرة، تُكفّ وتُنصر وتُرزق، ولن تُعدم المغفرة. يا كميل، أوجب لك طول الصحبة لنا أن نجود لك بما سألت». ثم قال: «اكتب: »

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿اللّهُمَّ

أصله: «يا الله»، فحذفت كلمة «يا» ولعوّض عنها الميم المشدّدة، تفخيماً وتعظيماً له تعالى.

قال الشّيخ أبو علي&: «الميم فيه عوض عن «يا»، ولذلك لا يجتمعان، وهذا من خصائص هذا الإسم، كما اختص «التّاء» في القسم»([1]).

وقال الفرّاء: «أصل «اللّهم» يا الله آمنّا بالخير، أي اقصدنا به، فخفّف بالحذف؛ لكثرة الدّوران على الألسنة»([2]).

والشّيخ الرّضيّ([3]) ردّ هذا الكلام بأنّه يقال أيضاً: اللّهمّ لا تؤمّهم بالخير، و«الله» قيل([4]): هو غير مشتقّ من شيء، بل هو علم لزمته الألف واللّام.

وقال سيبويه: «هو مشتّق، وأصله: إله، دخلت عليه الألف واللّام فبقى([5]) الإله، ثمّ نقلت حركة الهمزة إلى اللّام، وسقطت فبقى «الله»، فاُسكنت اللّام الأُولى واُدغمت، وفُخّم تعظيماً، لكنّه ترقّق مع كسرة ماقبله»([6]).

ويؤيّد كلام سيبويه ما ورد في بعض الأخبار، ومنه قوله×: «يا هشام الله مشتقّ من إله، والإله يقتضي مألوهاً»([7])، «كان إلهاً إذ لا مألوه»([8]).

وذكر صدر المتألّهين السّبزواري +، في ابتداء شرح دعاء الصباح كلاماً يدلّ على عدم اشتقاقه من شيء، فإنه قال: «أصل «الله»، كان الهاء المستديرة؛ لمناسبة أنّ الدائرة أفضل الأشكال وأصلها، وأنّها لا نهاية لها؛ إذ الخطّ ينتهي بالنّقطة وهي طرف الخطّ، ولا طرف للدائرة، وأنّ البدو والختم فيها واحد، وقد تكتب بالدّائرتين إشارة إلى الجمال والجلال، وقد تكتب بدائرة واحدة إشارة إلى أنّ صفاته الحقيقية عين ذاته تعالى، هذه هي المناسبة بحسب الرسم والكَتب.

وأمّا المناسبة بحسَب اللّفظ و النّطق، فلأنّها جارية على أنفاس الحيوانات كُلّها، سواء كانت أهل الذكر والعلم بالعلم التّركيبي أو بالعلم البسيطي.

ثم اُعرب بالضمّة إشارة إلى ترفّع المسمّى، ثم تارةً اُشبع إشارة إلى أنّه تعالى فوق  التّمام، وأنّه فوق ما لا يتناهى بما لا يتناهى عدّة ومدّة وشدّة، فصار بالإشباع (هو) ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ([9]).

وتارةً اُدخل عليه لام الأختصاص والتّمليك، فصار: (له) فـ ﴿لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ([10]). ثمّ اُشبع فتح اللّام، إشارة إلى أنّ من عنده الفتوح التام، فصار (لاه). ثم اُدخل عليه لام التّعريف، إشارة إلى أنّه تعالى معروف ذاته لذاته ولما سواه ﴿أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ([11]) فصار الله»([12]) انتهى كلامه.

ثمّ إنّ العلماء أطبقوا على أنّ هذا الاسم الشّريف هو الاسم الاعظم، وفيه أسرار لا تعدّ ولا تحصى؛ لأنّه ـ على الأصحّ ـ عَلَم للذّات المقدّسة الجامعة لجميع الصّفات العليا والأسماء الحسنى.

وفي الحديث: سئل× عن معنى (الله)، فقال: «استولى على ما دقّ وجلّ»([13]).

وفيه أيضاً: «الله معنىً يُدلّ عليه بهذه الأسماء،  وكلّها غيره»([14]).

أراد× أنّ سائر الأسماء معانيها مشمولة للذّات الواجبة الجامعة لجميع صفات الكمالات، الّتي هي مسمّى الاسم (الله) بخلاف تلك الأسماء، فانّ كلاً منها يدلّ على الذّات ولكن لا مطلقاً، بل ملحوظاً بتعيّن من التعيّنات النوريّة. وسيأتي توضيح ذلك عند قوله: ﴿وَبِاَسْمائِكَ الّتَي مَلَأَتْ اَرْكانَ كُلِّ َشيءٍ﴾، إن شاء الله تعالى.

يتبع…

___________________________

([1]) تفسير جوامع الجامع 1: 274.

([2]) انظر: مجمع البحرين 6: 340، مادة «أله».

([3]) شرح الرضي على الكافية 1: 384.

([4]) انظر: المصباح المنير 1: 20.

([5]) في هامش المخطوط: «فصار ظ».

([6]) انظر: المصباح المنير 1: 20.

([7]) الكافي 1: 87/ 2.

([8]) الكافي 1: 139/ 4، وفيه: «كان ربّاً إذ لا مربوب، وإلهاً إذ لا مألوه».

([9]) الإخلاص: 1.

([10]) الأعراف: 54.

([11]) إبراهيم: 10.

([12]) شرح دعاء الصباح: 4 ـ 5، باختلاف.

([13]) الكافي 1: 115/ 3.

([14]) الكافي 1: 114/ 2.

الكاتب المولى عبد الأعلى السبزواري

المولى عبد الأعلى السبزواري

مواضيع متعلقة