البشارة لطلّاب الاستخارة (١)

img

تحقيق: مصطفى آل مرهون

مقدّمة المؤلّف

الحمد للَّه الذي ما حار من استخاره، ولا ندم من استشاره، والصلاة والسلام على ‏من اصطفاه واختاره وبعثه بالإنذار والبشارة، فرفع به من الدين مناره، وأعلى ‏رتبته ومقداره، وعلى آله الذين جعلهم شموس الخلق وأقماره، وحماة الحقّ ‏وأنصاره، صلاة وسلاماً يُقيلان قائلهما عثاره، ويرفعان عمله ويحطّان أوزاره.

فيقول العبد الفقير الجاني أحمد بن صالح البحراني وفّقه اللَّه لمراضيه، وجعل‏ مستقبله خيراً من ماضيه: اعلموا يا إخوان الحقيقة، وخلّان الطريقة: أنّ ‏الاستخارة أمر مندوب إليه وحكم معتمد عليه، خيرات خيراتها محلّاة بأسنى من‏الدرّ النظيم ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾(1) لأنّ ‏الاستخارة أمر مبنيّ على أصول ممهّدة، وقواعد موطّدة:

أوّلها: اليقين الثابت الصادق.

وثانيها: التوكّل الناطق.

وثالثها: الرضا بما اختاره الخالق.

ورابعها: الصبر على ما خالف الهوى الزاهق.

وخامسها: الشكر على ما أحبّ وكره ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ ‏كَانَ زَهُوقاً﴾ (2).

والاستخارة سبيل الرضا وعصمة من الخطأ، ونورٌ يستضاء به في ظلمات الحيرة والبلوى، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾(3).

فكم أمر تريده النفس وتهواه من الأمر المباح، تعرض له الخيرة بالمنع الصراح، وكم أمر تنكره النفس وتأباه فتعرض له الخيرة فيه بما يحبّه اللَّه ويرضاه لما فيه من‏الصلاح، هذا كما قال اللَّه سبحانه: ﴿وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ‏وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾(4).

فأثبت سبحانه العلم لذاته ونفاه عن مخلوقاته، فكيف يحسن من عاقل لبيب ‏الدخول في أمر بغير تصويب؟! وكيف يحسن من عبد محصور بالأوامر والنواهي ‏فتح الأبواب قبل إدارك المعاني وتحقيق المباني، بالاستخارات السبحانية والاستشارات الربّانية؟! أم كيف يحسن منه أن يدخل في الأمور بغير عِلم ولا عَلمٍ ولا دليل! بل كيف يغرّر بنفسه في المهامه(5) والمهاوي بغير مرشد ربّاني! بل‏كيف يفرّط في أموره بغير تديّن ويهجم على الأمور بغير تفكّر؟!

حكمة ونصيحة

وقد قال الصادق ‏عليه السلام: «من فرّط تورّط، ومن خاف العاقبة تثبّت عن التوغّل فيما لا يعلم، ومن هجم على أمر بغير علم جدع أنف نفسه، ومن لم يعلم لم يفهم، ومن لم ‏يفهم لم يسلم، ومن لم يسلم لم يكرم، ومن لم يكرم تهضّم، ومن تهضّم كان ‏ألوم، ومن كان كذلك أحرى أن يندم«(6)

وقال رسول اللَّه ‏صلى الله عليه وآله: «مَن عمل على غير علم كان ما يفسد أكثر ممّا يصلح«(7)

وهذان الحديثان أوردهما محمّد بن يعقوب الكليني ثقة الإسلام في(الكافي). فاستخيروا اللَّه في أموركم تصلح أحوالكم، وقد استخرت اللَّه في أمر فعزم لي – جلّ جلاله – على رشدي، فجمعت هذه الإشارة المسماّة بـ(البشارة لطلاّب الاستخارة) متقرّباً بها للَّه سبحانه وتعالى شأنه. نفع اللَّه بها المؤمنين حلفاء الصبر واليقين، إنّه خير موفّق ومعين.

ورتّبت على إشارات وأبواب وخاتمة.

 

الهوامش

______________________

(1) فصّلت: 35.

(2) الإسراء: 81.

(3) ق: 37.

(4) البقرة: 216.

(5) مهامه جمع مهمه: الفلاة بعينها لاماء بها ولا أنيس. لسان العرب 542:13 – مهمه.

(6) الكافي 29/27:1. وسائل الشيعة 155:27، أبواب صفات القاضي،ب12،ح5

(7) الكافي 3/44 :1. وسائل الشيعة 25:27، أبواب صفات القاضي،ب4،ح13

 

يتبع …

الكاتب الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

الشيخ أحمد بن صالح بن حاجي الدرازي ‏البحراني

مواضيع متعلقة