شرح دعاء الصباح 14

img

(14) ﴿وَأيقَظَني إلى ما مَنَحَني بِهِ مِنْ مِنَنِهِ وَإحْسانِهِ﴾

أي نبّهني عن سِنة الغفلة حتّى صرتُ شديد التوجّه إلى ما جاد عليّ به منذ أوّل عمري من عطاياه، فحاسبتُ ووازنتُ بين طاعاتي القليلة ومننه الكثيرة، وتفضُّلاته الجمّة الغفيرة. وَحَسّن تربيتي بأن عدّلني وسوّاني بعد تخمير طينتي بيديه([1]) المباركتين ـ الجماليّة والجلالية ـ ونفخ فيها من روحه. وألهمني مصالحي حين كنتُ في الظلمات الثلاث وبعده، وألقى في قلب الأُمّ من رحمته وعطوفته. ولو لا أنّ الرحمة من عنده، لَما سلب منها الرّاحة والدّعة للاشتغال بحضانتي، ولما آثرتني على نفسها. وهكذا وَكَل عَليَّ جمّاً غفيراً وعدداً من الأسباب خطيراً لحفظي وكلاءتي، حتّى بلغتُ أشدّي، فوفّقني لمعرفته والإيمان به؛ علماً وإيقاناً وشهوداً وعياناً، حتّى نوّه باسمي في الملأ الأعلى، كما في دعاء أبي حمزة: «فَيا مَن رَبّاني في نِعمِهِ صَغيراً وَنَوَّهَ باسمي كَبيراً».

وبالجملة، فوجدتُ طاعاتي في جنب نعمه وآلائه كقطرة في بحر لجيّ، بل لا شيئاً في الحقيقة؛ لأنّ الطّاعة أيضاً بتوفيقه وبحوله وقوّته كما قال تبارك وتعالى: ﴿قُل لا تَمُنُّوا عَلَىَّ إسلامَكُم بَل الله يَمُنُّ عَليكُم ان هَداكُم لِلايمانِ([2])؛ فالكلّ من مِنَنِه وإحسانه. و«المِنن» جمع «المنّة» بالكسر أي النّعمة. والمنّ: العطاء، وكثيراً ما يرد بمعنى الإحسان، ومنهما مأخوذ اسمه تعالى «المنّان». وأمّا «المنّان» بمعنى الّذي لا يُعطي شيئاً إلّا منّ به، واعتدّه على من أعطاه، فلا يطلق عليه تعالى؛ لأنّه مذموم في الخلق فضلاً عن الخالق جلّ شأنه. وفي الأدعية السّجّاديّة: «يا مَن لا يُكَدِّرُ عَطاياهُ بالامتِنانِ»([3]).  وأمّا قوله تعالى: ﴿بَل الله يَمُنُّ عَليكُم﴾، فهو من باب صنعة المشاكلة، وأنّه لو جاز عليه الامتنان لكان له المنّة علينا، لا لنا عليه.

ثمّ في قوله: «أرقدني» و«أيقظني» طباق.

___________________________

([1]) اقتباس من الحديث القدسي: «خمرتُ طينة آدم بيدي أربعين صباحاً» [عوالي اللآلي4: 98/138، تفسير ابن العربي2: 180]. وهذا التخمير باليدين جعله مظهراً لصفات الله التّنزيهية والتشبيهيّة أو لصفتَي اللّطف والقهر؛ فإنّ نورك ونارك كليهما منك. ونَعْمَ ما قيل:

طاعت روحانيان از بهر توست   خلد و دوزخ عكس لطف وقهر توست

فإن وفّقك الله تعالى، وأصلحت نفسك بالعلم والعمل لله، والأخلاق الحسنة، جعلتها مظهر صفات اللّطف. وإن خذلك وأفسدتها بمزاولة الجهالات والأعمال الناريّة، والأخلاق الرذيلة التي كلّها نيران كامنة محرقة والنار مظهر القهر، جعلتها مظهر صفات القهر.

دواؤك فيك وما تبصـر   وداؤك منك وما تشعر

[تفسير الآلوسي1: 79]

وفّقنا الله للإصلاح. منه.

([2]) الحجرات: 17.

([3]) الصحيفة السجادية الكاملة: 71.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة