كيف يجب أن يعاقب أطفالنا؟

img
عام 0 ــ ــ

 

أولاً: يجب أن تكون العقوبة وسيلة للتربية والتأديب لا وسيلة للتشفي والانتقام؛ لأنها حينئذ تصبح حراماً شرعاً، كما أن ممارسة الصف مع الطفل يضره وينفعه، يقول الرسول صلى الله عليه وآله (لا تضربن أدباً فوق ثلاث فإنك أن فعلت فهو قصاص يوم القيامة).

وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: (أنه قال لصبيان المكتب ـ أي المدرسة ـ قال لهم أبلغوا معلمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب أقتص منه…).

ثانياً: يجب أن تكون العقوبة بالتدريج.. حيث ينبغي أن تبدأ العقوبة من الإعراض ثم المخاصمة ثم حرمان الطفل بعض الأشياء التي يحبها ثم التهديد الضرب ثم البدء بالضرب الخفيف لا الضرب الموجع حتى لا يتعود الطفل على الضرب؛ لأنه إذا تعود على الضرب وكانت حصته في اليوم عدة وجبات دسمة من الضرب، يصبح شعوره وإحساسه ميتاً.

فقد روي أن أحد الآباء كان يمسك بتلابيب ابنه وقد أشبعه ضرباً ولو لا تدخل الحاضرين وإنقاذ الولد لكاد ينتهي تحت يديه وبعد أن هدأت فورة الأب

سئل: لماذا كل هذا الضرب؟

أجاب: لأن ولدي اعتدى على أحد الرجال.

فسئل: ولماذا؟

قال: لأنه الشيطان.

فسئل: وما هو السبب الذي جعله هكذا؟

صمت الأب حائراً، فقيل له: أليس السبب هو التقصير في التربية؟

قال: لا، لقد كنت أضربه كثيراً منذ صغره ولكنه كان يزداد سوءً يوماً بعد يوم.

فالمشكلة أن الطفل إذا تعود على الضرب بعدها لن ينفع معه شيء ولذلك نجد أن بعض الطلبة لا يؤدي الواجب المدرسي الذي عليه مع علمه التام أن الأستاذ سيضربه إذا لم يؤده، ولما نسأله لماذا لا تؤدي واجبك مع أن الأستاذ سيضربك؟ يرد قائلاً: دعه يضرب كيفما أراد. فمثل هذا الشخص لا فائدة فيه.

ثالثا: يجب أن تكون العقوبة مناسبة للجرم.

أيها الآباء لا تعاقبوا اولادكم على الصغيرة كما تعاقبونه على الكبيرة حتى لا يجترئ على الكبيرة والمشكلة أن هناك آباء يعاقبون أولادهم دون أن يعرفوا جرم أبنائهم وربما تسرع الأب في ضرب ولده  ثم تبين إنه لم يفعل شيئاً، وإنما غيره هو الذي فعل وأجرم وعندها ماذا سيكون موقف الأب تجاه ابنه..

ومما ينقل أن أحد الأطفال كان يلعب بالكرة داخل المنزل وأثناء اللعب كسر زجاج النافذة فجأة أبوه إليه فلم يتمالك نفسه فتناول عصا غليظة وأقبل على ولده وأشبعه ضرباً.. فأخذ الطفل يبكي ويصرخ وبعد أن هدأت ثورة الأب توقف عن الضرب… فأخذ الولد يجرجر نفسه إلى فراشه وهو يشكو الإعياء والتعب وبات ليلته فزعاً يرهقه الشجن. وفي الصباح جاءت الأم لتوقظ ولدها.

فرأت أن يديه مخضرتان فهرعت إلى زوجها الذي أسرع بنقل ولده إلى المستشفى وبعد الفحص قرر الطبيب أن اليدين متسممتان

وتبين أن العصا التي ضُرِبَ بها الطفل كان فيها مسامير قديمة أصابها الصدأ ولم يكن الأب ملتفتاً إليها لأنه كان في بركان من الغضب مما أدى ألى تسرب السم في يدي الولد ثم قرر الطبيب أنه لابد من قطع يدي الولد حتى لا يسري السم إلى باقي جسده. فوقف الأب حائراً لا يدري ماذا يفعل وماذا يقول؟.. وبعد إصرار الطبيب رضخ الأب فليس أمامه إلا أن يوافق على إجراء العملية، فقطعت كفي الطفل وبعد أن أفاق الطفل من غيبوبة التخدير، نظر وإذا يداه مقطوعتان فتطلع إلى أبيه بنظر متوسلة وصار يحلف ويقسم له إنه لن يكسر شيئاً لكن شرط أن يعيد اليه يديه، لم يتحمل الأب الصدمة والموقف وضاقت به السبل فلم يجد وسيلة للخلاص والهروب إلا أن ينتحر، فرمى بنفسه من أعلى سطح المستشفى وكانت نهايته، لذلك يقول الإمام علي عليه السلام:

«اياك والغضب فأوله جنون وآخره ندم».. وقد قرأ القصة الشاعر عدنان عبد القادر أبو المكارم وفرّق لها قلبه فصاغها في قالب شعري حزين:

كسر الغلام زجاج نافذة البنا
فأتاه والده وفي يده عصا
مسك الغلام يدق أعظم كفه
والطفل يرقص كالذبيح ودمعه
نام الغلام وفي الصباح أتت له
واذا بكفيه كغصن أخضر
من غير قصد شأنه شأن البشر
غضبان كالليث الجسور إذا زأر
لم يبق شيئاً في عصاه ولم يذر
يجري كجري السيل أو دفق المطر
الأم الرؤوم فأيقظته على حذر
صرخت فجاء الزوج عاين فانبهر
وبلمحة نحو الطبيب سعى به
قال الطبيب وفي يديه وريقة
كفت غلام تسممت إذ بالعصا
في الحال تقطع كفه من قبل أن
نادى الأب المسكين وا أسفي على
قطع الطبيب يديه ثم أتى به
  والقلب يرجف والفؤاد قد انفطر
عجل ووقع ها هنا وخذ العبر
صدأ قديم في جوانبها انتشر
تسري السموم به ويزداد الخطر
ولدي ووقع باكياً ثم استتر
نحو الأب المنهار في كف القدر
قال الغلام أبي وحق أمي لا
شده الأب الجاني ألقى نفسه
  لن أعود فرد ما مني انبتر
من سطح مستشفى رفيع وانتحر

الكاتب ــ ــ

ــ ــ

مواضيع متعلقة