شرح دعاء الصباح 10- القسم الثاني

img

(10) ﴿يا مَنْ قَرُبَ مِن خَواطِرِ الظُّنُونِ﴾

ثمّ إنّ قرب الحق تعالى من الخواطر الربّانيّة واضحٌ، فإنّها خطاباته وكلماته مع قلوب أرباب القلوب، وكلام المتكلّم ولا سيّما الكلمات التامّات([1]) المجرّدات مأخوذةً «لا بشرط»، لا يباينه. وأمّا قربه من الخواطر الأخرى ـ سيّما المَلَكيّة([2])ـ فلأنّ وجود تلك الخواطر مضاف إلى الله تعالى بالوجوب؛ فإنّ نسبة الشيء إلى فاعله بالوجوب، وإلى قابله بالإمكان. وأيضاً، نسبة حقيقة الوجود إلى الوجود الصّرف بالحقيقة وإلى الماهيّة بالمجاز. وأيضاً، إليه أوّلاً وبالذّات، وإليها ثانياً وبالعرض؛ ولذا قال أمير المؤمنين عليّ×: «ما رَأيتُ شَيئاً إلّا وَرَأيتُ الله قَبلَهُ»([3]).

وهذا القرب ليس قرب شيء من شيء، وإنّما هو قرب شيء بحقيقة الشيئيّة من فيء من حيث هو فيء.

ثمّ إنّ كون الوجود([4]) بشراً شره، حتّى وجود الشّيطان والشيطاني، ووجود النفس اللّوّامة والأمّارة، والنفساني من الله ـ إذْ إله الكلّ واحد، والقول بالثنويّة، والقول بالأقانيم الثلاثة، والقول بالتخميس من بعض الأقدمين، كلُّها باطلٌ ﴿أأربابٌ مُتَفرِّقُونَ خيرٌ أمِ الله الواحِدُ القَهّار([5]) ـ لا ينافي كون بعض الخواطر من الشّيطان ومن النفس.

وتسميتها «وساوس» و«هواجس»؛ لأنّ ماهيّتها وحُدودها ونقائصها منهما؛ إذ السّنخيّة بين العلّة والمعلول معتبرة؛ فالوجود معلول الوجود، والعدم معلول العدم، والماهيّة معلول الماهيّة، كلازم الماهيّة من حيث هي؛ فالطِيّباتُ لِلطَّيِبينَ وَالخَبيثاتُ لِلخَبيثينَ([6])، والحكم للعنصر الغالب. فلاجتلاب العدم في النظام الكلّي والنظام الجزئي إلى هذه الآثار، واستهلاك الوجود فيها بحيث إنّها تكاد أن تلتحق بالأعدام([7])، أو بالماهيّات المطلقة الغير المعتبر فيها الوجود لا يليق إلّا بالانتساب إلى المبادئ المحدودة السّرابيّة، ولا يستشعر ذلك الغافل المحجوب أو المُشرِك، بالجهة الوجوديّة النورانيّة الّتي من الله فيها حتّى لا يسمّى وسواساً أو هاجساً. والشّرافة والخسّة والتّفاضل بسبب الاستشعار وعدمه؛ فالخير بيديه ولو كان وجوداً مستهلكاً في النّاقصات والسيئات، والشرٌّ ليس إليه ولو كان الحدود والتّعينات([8]) في الكاملات والحسنات. فله الحمد، ومن يجد خيراً في نفسه فليحمد الله، ومن يجد شرّاً فلا يلومّن إلّا نفسه. وفي الدّعاء: «إليه يَرجعُ عَواقِب الثَّناء». وفي الكتاب الإلهيّ: ﴿ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِنَ اللهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَة فَمِنْ نَفْسِكَ([9]). وفي الحديث القدسي([10]): «يابنَ آدَمَ، أنَا أولى بِحَسَناتَكَ مِنكَ، وَأنتَ أولى بِسيّئاتِكَ مِنّي»([11]).

وليعمَّم الخير والحسنة حتّى يشملا الجهةَ النّورانيّة والوجه الوجُودي في كلّ شيء؛ فإنّهما من الله، كما قال تعالى:

 ﴿قُل كُلٌّ مِن عِندِ الله([12]). وليعمَّم الشّر والسيّئة حتّى يشملا الجهةَ الظلمانيّة والوجهَ العدميّ وشيئيّةَ الماهيّة؛ فإنّها من النّفس والشيطان.

_________________________________________

([1]) المراد بها الكلمات العقليّة مثل الكليّات العقليّة التي هي كلمات العقل البسيط التي بها تصير النّفس ناطقة بالفعل، بل بوجه كلمات العقل الفعّال. والتّوفيق أنّ العقل البسيط يتّحد بالعقل الفعّال. منه.

([2]) لأنّ الملك كالعقل الفعّال، لسانُ الله، وكلامه بوجه كلام الله. منه.

([3]) شرح اُصول الكافي 3: 83، التفسير الكبير 32: 158. تفسير البيضاوي 5: 542.

([4]) أي لا مؤثّر في الوجود إلاّ الله. والوجود في ايّة ماهيّة كانت هو المجعول بالذّات للجاعل الحق؛ فأين ما يقول أهل الدّين من أنّ هذا فعل الشّيطان أو النفس، ممّا يقول المشركون؟ لأنّهما مخلوقان لله، وهم يقولون بقدم هذه الفواعل ـ أي «النور» و«الظلمة»، أو «يزدان» و«أهرمن» ممّا يقول به الثّنوي؛ أو الأب والابن وروح القدس، ممّا يقول به بعض النّصارى ـ لا ما يقال من اُقنوم الوجود واُقنوم الحياة واُقنوم العلم؛ إذ التكثّر في المفاهيم حينئذٍ، والمصداق واحد؛ أو الباري تعالى والنفس والهيولى والدّهر والخلأ، ممّا يقول به «الحرنانيّون» ويقولون بقدهما. وأرادوا بالدّهر والخلأ: الزمان والمكان. وعند الموحّدين الوجود كلّة من صقع الله، وأمّا الماهية فغير مجعولة بالذّات تركيبياً اتّفاقاً، وبسيطاً على التحقيق. منه.

([5]) يوسف: 39.

([6]) مستفاد من قوله تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ﴾. النور: 26.

([7]) فإنّ السرقة تجلب فقد المال والتشويش وعدم الطمأنينة، والزّنى اختلاط الأنساب وعدم تربية الأولاد وعدم المحبّة، واللّواط عدم النّسل، إلى غير ذلك. والكلّ جالب عدم الكمالات العالية والخيرات الحقيقيّة للنّفس الناطقة القدسيّة. فهذه الأعدام والعدميّات لابدّ أن تستند إلى مثلها، والنقائص ترجع إلى ماهيّاتها؛ فإنّ الماهيّة جنّة، والهيولى وقايةٌ لحقيقة الوجود عن استناد النّقص والشرّ إليها. وفي إهمال شيئية الماهيّة إبطال كثير من الأحكام الحقّة والحكمة والشريعة. فكما أنّ في هذه الآثار النّاقصة جهة ظلمانيّة وجهة نوارنيّة، فكذلك في مباديها المحدودة جهات نقص وظلمة، فالنقصُ للنّقص والكمال للكمال، والوجود والنّور أينما تحقّقا ـ من حيث إنّهما وجود ونورٌ ـ من الله نور الأنوار، بَهَرَ برهانُه. منه.

([8]) فإنّ التعيّن الذي هو الإمكان في الكامل الذي هو عقل الكلّ، ليس منسوباً إلى الله بالمعلوليّة وإلاّ لزم الإمكان الغيريّ. ولا ماهيّة مجعولة بالذّات؛ لأنّها حيثية عدم الإباء عن الوجود والعدم بخلاف وجوده الّذي هو حيثيّة الإباء عن العدم.

والصّلاة حسنة، لكن ماهيّتها غير مجعولة بالذات، ولا يليق من حيث إنّها أصوات غير قارّة وحركات متشابكة بالأعدام والقوى أن يستند إلى الله بالمعلوليّة إلاّ بواسطة مبادٍ هي نفوسنا وقوانا؛ وأمّا سنخ الوجود الذي هو خير وفعليّة ونورٌ، فهو بيديه ومنسوب إليه. منه.

([9]) النساء: 79.

([10]) إنّما استعمل فيه صيغة «أولى»: أمّا في الحسنات؛ فلأنّ الوجود وإن كان مجعولاً بالذّات لله، لكن قد يكون بواسطة؛ وأمّا في السّيئات؛ فلأنّ الماهيّة والتعيّن وإن كانتا من الوسائط إلّا أنّهما مجعولتان بالعرض. منه.

([11]) الكافي 1: 157. التوحيد: 338.

([12]) النساء: 78.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة