شرح دعاء الصباح 10- القسم الأول

img

(10) ﴿يا مَنْ قَرُبَ مِن خَواطِرِ الظُّنُونِ﴾

عند أهل الطريقة وأرباب السّلوك «الخاطرُ»: ما يرد على القلب من الخطاب، أو الوارد الّذي لا تعمّل للعبد فيه. وما كان خطاباً فهو على أربعة أقسام:

رَبّانيّ، وهو أوّل الخواطر، ويسمّى «نقر الخاطر» ولا يخطئ أبداً. وقد يعرف بالقوّة والتّسلّط وعدم الاندفاع.

ومَلَكيّ، وهو الباعث على مندوب أو مفروض. وبالجملة، كلّ ما فيه صلاح، ويسمّى «إلهاماً».

ونفسانيّ، وهو ما فيه حظّ للنفس، ويسمّى «هاجساً».

وشيطاني، وهو ما يدعو إلى مخالفة الحقّ. قال الله تعالى: ﴿الشَّيطانُ يَعِدُكُمُ الفَقرَ وياْمُرُكُمْ بِالفَحشاءِ([1]). وقال النّبيّ|: «لمَّةُ الشَّيطانِ تكَذيبٌ بالحَقِّ… وَإيعادٌ بِالشَّرِ»([2])

ويُسمّى «وسواساً»، ويعيّر بميزان الشّرع؛ فما فيه قربةٌ فهو من الأوّلين، وما فيه كراهةٌ أو مخالفة شرعاً فهو من الآخرين.

ويشتبه في المباحات: فما هو أقرب إلى مخالفة النّفس فهو من الأوّلين، وما هو أقرب إلى الهوى وموافقة النّفس فهو من الآخرين. والصّادق الصّافي القلب الحاضر مع الحقّ، سهل عليه الفرق بينها بتيسير الله وتوفيقه، كذا قيل.

و«الظنُّ»: يراد به: الاعتقاد الرّاجح، وقد يراد به اليقين كقوله تعالى: ﴿يَظُنُّونَ انَّهُم مُلاقُوا ربِّهِمْ([3]) وقوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أنْ لَنْ نَقدِرَ عَليه([4])، كما ذكر المحقّق العلّامة شيخنا البهائي& في الحديث السّابع عشر من كتابه الأربعين: فقال المأمُون: لله درّك يا أبالحسن، فأخبِرْني عن قول الله تعالى: ﴿وذا النُّونِ إذ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أن لَنَ نقدِرَ عَلَيهِ﴾. فقال الرّضا عليه السلام: «ذلك يُونُسُ بنُ مَتّى× ذَهَبَ مُغاضِباً لِقومِهِ فَظَنَّ، بِمعنى استَيقَنَ، أن لنَ نَقدِرَ عَلَيهِ: أنْ لنْ نُضيقَ عَلَيهِ رِزقَهُ» الحديث([5]).

وقَد يُقال: إنه من الأضداد، فيطلق على الرّاجح والمرجوح. وعلى الثاني حمل قوله تعالى: ﴿إن نَظُنُّ إلّا ظَنّاً([6])، و﴿إنَّ الظَنَّ لا يُغْني مِنَ الحَقِّ شَيئاً([7])، و﴿إنَّ بَعضَ الظَنِّ إثمٌ([8]).

أقولُ: المراد «بالظنّ»، هنا: العلم والإدراك المطلق من باب عموم المجاز، أو عموم الاشتراك، أو تسمية العام باسم الخاص. وإنّما عبّر عنه «بالظنّ» لوجهين:

أحدهما: التّأسّي بالحديث القدسي قال تعالى: «أنَا عِند ظَنِّ عبدي بي»([9])، ولذا قيل: «فليُحسِن العبدُ ظنَّه بربّه»([10]).

وثانيهما: أنّ العلوم من حيث هي مضافة إلينا، ينبغي أن تسمّى «بالظّنون»؛ لشباهتها بها، سيّما ما يتعلّق منها بالمبدأ، فإنّ العقل وإن أمكنه اكتناه الأشياء إلّا إنّه لا يمكنه اكتناه واجب الوجود، وإنّما هي إيقانات، بل حقّ اليقين بما هي مضافة إلى الله الملقى. وفي التعبير «بالظنّ» عن الظّان الّذي هو العقل إشارة إلى «اتّحاد العاقل بالمعقول» على ما هو مذهب بعض المحقّقين. وليست الإضافة من قبيل «جرد قطيفة» و«أخلاق ثياب»، سيّما على نسخة «خطرات الظنون»، ولا بيانيّة، بل لاميّة وفقاً لقوله: «ملاحظة العيون».

واتّحاد العاقل والمعقول معناه الصحيح الحقيق بالتّصديق أمران:

أحدهما: أنّ المعقول بالذّات لا بالعرض ظهور وإشراق من العاقل. بلا تجافٍ لذاته من مقامه، وظهورُه وإشراقه المعنوي لا يباينه ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً([11]).  فكل معقول شأنٌ من شؤون العاقل، وللعاقل في كلّ شأن من شؤونه شأنٌ، ولذاته شأن ليس للشؤون فيه شأن. فالمعقولات مفاهيمها([12]) مجالي إشراق النفس، ووجودها فيض النفس المنبسط على كلٍّ بحسبه، كما أنّ وجود المفاهيم والماهيّات الإمكانيّة في الخارج إشراق الله وفيض الله المنبسط على كلّ بحسبه: ﴿الله نُورُ السَّمواتِ وَالأرضِ([13]).

وثانيهما: أنّ العاقل في مقامه الشّامخ جامعٌ لوجُود كلّ معقول بالّذات بنحو أعلى وأبسط، فهو مقام رتقها وهي مقام فتقه، وهو مقام إجمالها وهي مقام تفصيله، فهو كالمحدود وهي كالحدّ، وهو كالعقل البسيط وهي كالعقول التفصيليّة.

_______________________________________

([1]) البقرة: 268.

([2]) الأصول الستة عشر: 160، وفيه: «من لمة الشيطان…»، مستدرك وسائل الشيعة 11: 360 / 13261.

([3]) البقرة: 46.

([4]) الأنبياء: 87.

([5]) المصدر غير متوفّر لدينا، انظرخصائص الأئمة: 90. الاحتجاج 2: 221.

([6]) الجاثية: 32.

([7]) النجم: 28.

([8]) الحجرات: 12.

([9]) الفقه المنسوب للإمام الرضا×: 361. المجموع 5: 108.

([10]) تيسير الكريم الرحمن: 868. شرح الأسماء الحسنى 2: 21.

([11]) نوح: 14.

([12]) إشارة إلى أنّه كما ليس المراد: المعقول بالعرض، بل المراد هو المعقول بالذّات. كذلك ليس المراد: ماهيّة المعقول بالذّات ومفهومه، بل وجوده؛ فوجوده ظهور العاقل ولا يتّحد بماهيّته، بل لا ماهيّة للنّفس. وتقرّرُ الماهيّات منفكّة عن الوجود محالٌ؛ فلها وجود، ووجودها وجود النفس. منه.

([13]) النور: 35.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة