شرح دعاء الصباح 7- القسم الثاني

img

(7) ﴿يا مَن دَلَّ عَلى ذاتِهِ بِذاتِهِ﴾

[طريقة المتكلمين في إثبات الواجب تعالى]

ثمّ من الطّرق الأُخرى المشهورة الّتي نذكر بعضها إجمالاً حذراً من الملالِ

طريقةُ الحدوث للمتكلّمين: وهي أنّ العالم حادث للدّلائل الدالّة عليه، وكلّ حادث لابدّ له من مُحدِث غير حادث؛ دفعاً للدّور والتّسلسل، وهو الواجب تعالى. فعند المتكلّم، العالَمُ أي الماهيّات الإمكانيّة كأنّها أظهر، وكذا صفته التّي هي الحدوث، فرأى الماهيّات الّتي شأنها الاختفاء، وجَعَلَها مفروغاً عنها، وأخَذَها شيئاً موضوعاً مسلّماً، وأخَذَ الحدوث الّذي من صفات الخلق، ولم يعرف الوجود الحقيقيّ الّذي هو ظاهر بالذّات ومُظهِر لتلك الماهيّات وأحكامِها، ولا نظر إلى مفهوم الوجود الّذي ليس غريباً عن الحقّ تعالى، بل يطلق عليه وهو مصداقه([8])، والموضوعيّة والمفروغيّة والبيّنيّة مائيّة وهليّة حقّ الوجود؛ فلم يَعدِلوا ولم يضعوا الشيء موضعه.

[طريقة الحكماء في إثبات الواجب تعالى]

ومنها، طريقة الإمكان والماهيّة لبعض الحكماء: وهي أنّ الماهيّة الإمكانية الموجودة؛ الوجودُ والعدمُ بالنّسبة إلى ذاتها على السّواء، والمتساويان ما لم يترجّح أحدهما بمرجّح منفصل لم يقع. وذلك المرجّح إن كان ممكناً كان الكلام فيه كالكلام في الأوّل، حتّى ينتهي إلى مرجّح واجب بالّذات؛ دفعاً للدوّر والتسلسل.

[طريقة الطبيعيين في إثبات الواجب تعالى]

ومنها، طريقة الحركة للحكماء الطبيعيّين: وهي أنّ المتحرّك لابدّ له من محرك غيره؛ إذ المتحرّك لا يتحرّك عن نفسه. فذلك المحرّك ـ إن كان متحرّكاً ـ فالكلام فيه كالكلام في الأوّل حتّى ينتهي إلى محرّك غير متحرّك؛ دفعاً للدّور والّتسلسل وهو الواجب بالّذات. وقد يستدلّون عن متحرّك خاصّ كالفلك والنفس الناطقة.

والكلام في تفضيل الطريقة الحقّة على هاتين الطريقَتَيْنِ كالكلام في طريقة أهل الكلام. نعم، كما أشرنا أوّلاً، هذه أيضاً طرق إلى الله تعالى، لكن أين ضياء الشّمس من ضوء السِّراج؟!

وثانيها: أنّ العقل بأيّ دليل يستدل عليه ما لم يستودع من حول الله تعالى، ولم يستَعِرْ من قوّة الله، ولم يكتحلْ بنور الله سبحانه، لم يعرف شيئاً. ولله دَرُّ من قال:

إذا رامَ عاشِقُها نَظرَةً
أعارَتْهُ طَرْفاً رآها بِهِ

  وَلَم يَستَطِعْها فَمِنْ لُطِفها
فَكانَ البصيرُ بِها طَرفُها
([9])

وإلى هذا ينظر قول من قال في «الحمد لله»: يراد «بالحمد»، القدر المشترك بين المبنيّ للمفعول والمبني للفاعل، أي المحموديّة والحامديّة له. ومعلومٌ أنّه «لا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم». وهذا أحد وجوه قوله عليه السلام: «رَبِّ لا أُحصي ثَناءً عَلَيكَ»([10]). أي من حيث أنا أنا وأنت أنت. وظاهرٌ أنّه شرك خفي، وإثبات وجود مقابل([11]) له، فكيف يكون التثنية ثناءً «أنت كَما أثنيتَ عَلى نَفسِكَ»([12]) أي نورٌ وارد منك يُثني عليك بحيث لا أكون في البين. وقيل:

بَيني وَبينَكَ إنّيٌّ يُنازِعُني

  فَارْفَعْ بِلُطفِكَ إنّي من البينِ([13])

وقيل:

وجُودُكِ ذَنبٌ لا يُقاسُ بِهِ ذَنبٌ ([14])

وسُئِل عارفٌ: «بِمَ عرفتَ ربّك؟» قال: «بِوارِداتٍ تَرِدُ على قلبي مِنْ عِنده»([15]). فبقوّة العقل من حيث هو عقل لا يمكن أن يتخطى إلى ما هو فوق عالم العقل والجسم، بل بقدرة مُستعارةٍ من فِنائه وبعين ناظرة مُستدانة من جنابه؛ لأنّ المُدرَك لابدّ أن يكون من سنخ المُدرِك([16]) وفي دُعاء أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحُسين’: «لَولا أنتَ لم أدَرِ ما أنتَ»([17]). وعن العارف الكامل الشيخ عبد الله الأنصاري:

ما وَحَّدَ الواحِدَ مِن واحِد
توحيدُ من ينطِقُ عَن نَعِتهِ
تَوحيدُهُ إيّاهُ
([18]) تَوحيدُهُ

  إذ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جاحِدٌ
عارِيَةٌ أبطَلَهَا الواحدُ
وَنَعتُ مَن يَنعَتُهُ لاحدُ
([19])

وَثالِثُها: أنّ لله تعالى في نوع البشر مظاهر ومرائي هم المثل الأعلى له تعالى وبقيّة الله، وتذكرة الله كما قال|: «من رآني فَقدَ رأىَ الحَقَّ»([20])، وما أنسبَ بالمقام قول مهيار بن مرزويه الديلمي:

هَبي ليَ عَيني وَاحْمِلي كُلفَةَ الأسى
أراك بِوجَهِ الشّمسِ وَالبُعدُ بيننا

  عَلَى القَلبِ إنَّ القَلبَ أحملُ لِلبَلا
فأقنعُ تشبيهاً بِها وَتَمَثُلا
([21])

____________________________________________

([8])  أي مصداقه العرضيّ لا الذّاتيّ؛ فإنّ مفهوم الوجود ليس عيناً لحقيقة الوجود؛ لأن تلك الحقيقة عين أنّها في الأعيان. وهذا المفهوم ليس إلّا في الأذهان؛ ولهذا ليس [في النسخة الحجرية كلمة قريبة منها في الرسم، وليست هي] جزء لها أيضاً؛ وللزوم التّركيب في تلك الحقيقة البسيطة ولا ماهيّة مشتركة ولا هيولى مشتركة بينهما تصحّح الهوهويّة، فهو ليس إلاّ وجهاً من وجوهها وعنواناً عرضياً من عنواناتها؛ ولهذا يقال لهذا المفهوم: إنّه من المعقولات الثانية؛ لأن تلك الحقيقة البسيطة المبسوطة ليست فرداً ذاتيّاً له. منه.

([9]) الحكمة المتعالية 7: 303 و 8: 8.

([10]) الإقبال بالأعمال الحسنة 1: 121. حلية الأبرار 1: 130، وليس فيهما: «ربّ».

([11]) فيلزم المحدوديّة في ناحية الحق، والاستقلال والغنى في التّحقق والظهور في جانب العبد، والحقيقة كشف سبحات الجلال من غير إشارة. وفي الحديث: «اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله». [المحاسن 1: 131/1، بصائر الدرجات: 100/1، بالإفراد، 375/4، 377/10، 11، الكافي1: 218/3]. و«العبودية جوهرة كنهها الرّبوبيّة» [التفسير الأصفي2: 1121، شجرة طوبى1: 33]. ﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ. منه.

([12]) الإقبال بالأعمال الحسنة 1: 121. حلية الأبرار 1: 130.

([13]) البيت للحلّاج. المبدأ والمعاد: 140. الحكمة المتعالية 2: 116.

([14]) تفسير ابن العربي 1: 116. تفسير الآلوسي 17: 213.

([15]) بحر المعارف2: 7، 23، وفيه أن السائل هو ابن سينا، والمجيب هو الشيخ أبو سعيد أبو الخير. ونصّ جوابه: بواردات ترد على القلب واللسان عاجز عن بيانها. تفسير حقي 13: 316، 14: 437، وفيه أنه السائل هو الرازي والمجيب هو الشيخ النجم الدين.

([16]) إن حسّيّاً فحسّ، وإن خياليّاً ـ أي مجرّداً برزخيّاً ـ فمجرّدّ برزخيّ، وإن مجرّداً عقليّاً فمجرّد عقليّ، وإن فوق العقل ففوق العقل، بل العاقل متّحد بالمعقول بالذّات، فالروح للطافته، إلى أي شيء يتوجّه يصير هو هو. منه.

([17]) مصباح المتهجّد: 582/ الدعاء: 691.

([18]) أو توحيده بنور مستعار منه وبعين مستودعة منه. وبعبارة أُخرى: توحيده بالتّحقّق به توحيداً وجودياً بأن يصير وجود الموحّد منسلخاً عن الكثرة والتّشتت، ومعنى الكلّ واحد. منه.

([19])شرح العقيدة الطحاوية: 98، تاج العروس 5: 303.

([20])  مسند أحمد 2: 261. صحيح البخاري 8: 72.

([21]) جميع دواوين الشعر العربي على مر العصور 24: 77/ القصيدة: 60282، وفيه: «أصبر»، بدل: «أحمل» وهو الصحيح، لأن الفعل (حمل) لايشتق تفضيله على زنة أفعل.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة