شرح دعاء الصباح 6

img

(6) ﴿وَشَعْشَعَ ضِياءَ الشَّمسِ بِنُورِ تَأجُّجِهِ﴾

«الشعشع» و«الشعشاع» و«الشعشعان»: الطويل. فمعنى شعشع هنا: أطال ومدّ الضّياء، وهو الخطوط الشعاعيّة. و«التّأجّج». تلهّب النّار، كالأجيج. وفيه إيماء إلى تشبيه الشّمس بسراج لمحفل العالم على سبيل «الاستعارة بالكناية» و«التخييليّة»، قال تعالى: ﴿وَجَعَلنا الشّمسَ سِراجاً([1]). وفي اصطلاح مأخوذ من الآية الشّريفة، وهي قوله تعالى: ﴿جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالقَمَرَ نُوراً([2])، «الضياءُ» هو الضّوء الذّاتي، و«النّور» هو العارضي. فالمعنى: «شعشع» الضّياء الشمسي بنور مُودع([3]) في باطن ذلك الضياء من الله نورِ الأنوار، فإنّ النّور الحسّي رقيقة النّور الحقيقي المعنوي وآيته؛ أو «شعشع» من «شعْشَعْتُ الشّراب»، أي مزجتُه، كقوله:

يا ساقِ لا تُشعشعِ الرّاحَ بِما

  فَهو يَكُفُّ عامِلاً مِن عَمَل([4])

أي مزج ضياء الشّمس القائم بجرمها بنور يحصل من تلهّب ذلك الضياء([5])، أو بنور الله الّذي كروح لتأجّج الشّمس وضيائها، وهو نور كلّ نور. ويمكن أن يرجع ضمير «تأجّجه» إلى «مَنْ» على سبيل الإضافة لأدنى ملابسة، كما أشرنا إليه. ومزجهُ حينئذٍ استهلاكُه تحت نور الله الواحد القهّار.

وقد يقال([6]) :«الضوء» فرع النّور. والنّور يطلق على ما للشيء في نفسه كالنّور القائم بنفس الشّمس، ويؤيّده إطلاق الإشراقييّن النّورَ على النّور الغنيّ، والعقول، والنّفوس.

ثمّ إنّه عليه السلام بعد ذكر الفلك أفرد ذكر الشمس لمزيد العناية به، فإنّه النيّر الأعظم وقلب العالم، سيّد الكواكب، آية نور الله القاهر؛ لقهره أنوار الكواكب الموجودة عند طلوعه، وهو فاعل النّهار، وجاعل الصّباح بإذن فالق الإصباح، وقدرة جاعل الظلمات والنور الفتّاح النفّاح.

وَميضٌ قدُسِيٌّ لِتأويل شَمسيّ

التأويل: أن يراد بالشّمس عقلُ الكلّ الّذي هو ضياءٌ لعالَم الجبروت، سراجٌ لِقُطّان ذلك النّادي وسُكّان ذلك المحفل، بل هو مصباحٌ أيضاً لعالم الملكوت ونبراسٌ لنشأة النّاسُوت؛ لأنّ النّفس الكليّة التي هي سراج عالم الملكوت خليفةُ عقل الكلّ، والخليفة بصفة المستخلف بل هو هو بوجه، وهو الشمس، وهي القمر. وهذا الشمس الّذي في عالم المُلك أيضاً ظلّ لذلك الشمس، والظلّ لا يباين([7]) ذا الظلّ من جميع الوجوه؛ فجميع العوالم والمجالي مُستضيئة بضيائه من الصدّر إلى السّاقة كما هو نور الله، وعلم اللّـه، وقدرة الله.

وفي الجمع بين الصّباح والليل والفلك والشمس «مراعاة النظير»، وبين التبلّج والظّلمة والغيهب «طباق»، وكذا بين النّطق والتلجلج «طباق» آخر.

وَلما بدَّلَ عليه السلام السّياق، وغيّر التّوصيف من نوع إلى نوع آخر، والتّعبير عن سجع إلى سجع آخر، أعاد× ذكر الموصوف جلّ شأنه، وأبرز حرف النّداء ثانياً فقال عليه السلام:

 

 ________________________________________

([1]) في المصحف الشريف: ﴿وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ نوح: 16.

([2]) يونس: 5.

([3]) فالعارضيّة المعتبرة في مفهوم النّور كونه عارية ووديعة من الله تعالى شأنه «ولابدّ يوماً أن يردّ الودائع». فإضافة نور الوجود إلى الشّمس عارضيّة والعارض يزول وإن كان هو في نفسه أصلاً، وهي في نفسها عارضة «من وتو عارض ذات وجوديم». منه.

([4]) شرح الأسماء الحسنى 2: 11.

([5]) وذلك النّور شعاعها العارض للمستنيرات من سطوح الأجسام المقابلة لها، أو في حكم المقابل. والمراد من «نور الله» في المعطوف، نور الوجود أو نور ربّ طلسمه على طريقة الإشراقيين. منه.

([6]) تأييد بنور الله لنور الله في الموضعين. منه.

([7]) أي لا يباينه بينونة عزلة، وإن باينه بينونة صفة، فالقمر الصّوري لا يباين الشّمس الصّوريّة وهي لا تباين المعنويين، أعني النفس الكليّة والعقل الكليّين، كما أنّ الكلّ لا يباين الحق بينونة عزلة. ونِعْمَ ما قيل:

گر چراغى نور شمعى را كشيد
همچنين تا صد چراغ أز نقل شد
­
  هر كه ديد او را يقين آن شمع ديد
ديدن آخر لقاى اصل شد

وفي طريقة الإشراق هذا أظهر؛ فإنّ النّور كلّه حقيقة واحدة بسيطة لا اختلاف فيه إلّا بالكمال والنّقص، ولا اختلاف نوعيّ بينها، عرضيّاً كان النور أو جوهريّاً، مدبّراً كان أو قاهراً. منه.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة