السلام

img

 نتابع معكم أحبتي هذه الحلقات والتي خصصناها للصلاة وأركانها، ومعنى كل ركن من الناحية المعنوية، لتوصلنا في النهاية إلى حقيقة العبادة التي نأمل تأديتها على أكمل وجه، وها قد وصلنا معكم إلى السلام..

السلام: هو واجب في كل صلاة، وهو آخر أجزائها، ويعتبر أداؤه صحيحاً حال الجلوس مع الطمأنينة، وله صيغتان هما: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) و (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، ويستحب الجمع بين الصيغتين، وأن يقول المصلي قبلهما: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).

وقد جاء في مصباح الشريعة عن الإمام الصادق عليه السلام: (معنى السلام في دبر كل صلاة الأمان؛ أي من أدى أمر الله وسنّة نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم خاشعاً منه قلبه، فله الأمان من بلاء الدنيا وبراءة من عذاب الآخرة، والسلام اسم من اسماء الله تعالى أودعه خلقه، ليستعملوا معناه في المعاملات والأمانات والإضافات، وتصديق مصاحبتهم فيما بينهم وصحة معاشرتهم، وإذا أردت أن تضع السلام موضعه وتؤدي معناه فلتتق الله وليسلم حفظتك من ألا تبرمهم ولا تملّهم وتوحشهم منك بسوء معاملتك معهم ثم صديقك ثم عدوك، فإن من لم يسلم منه من هو الأقرب إليه فالأبعد أولى، ومن لا يضع السلام مواضعه هذه فلا سلام ولا تسليم وكان كاذباً في سلامه، وإن أفشاه في الخلق).

يقول عليه السلام: معنى السلام عقيب الصلاة هو الأمان؛ بمعنى أن من أدّى الأوامر الإلهية والسنن النبوية بالخشوع القلبي يأمن من بلاء الدنيا وعذاب الآخرة، أي يأمن من التصرفات الشيطانية في الدنيا، لأن أداء الأوامر بالخشوع القلبي موجب لقطع تصرف الشيطان:

﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾، ثم يشير عليه السلام: (إلى سرّ من أسرار السلام، فيقول عليه السلام: (السلام اسم من أسماء الله تعالى أودعه خلقه)، وهذه إشارة إلى مظهرية الموجودات للأسماء الإلهية، ولابد للعبد السالك أن يظهر هذه اللطيفة الإلهية التي أودعت واختفت في باطن ذاته وخميرته ويستعملها في جميع المعاملات والمعاشرات والأمانات والارتباطات، ويشير بها إلى مملكة باطنه وظاهره، ويستعملها في المعاملات مع الحق ودين الحق تعالى؛ لئلا يخون الوديعة الإلهية، فتسري حقيقة السلام إلى جميع قواه الملكية والملكوتية وفي جميع عاداته وعقائده وأخلاقه وأعماله، لتسلم نفسه من جميع التصرفات، وعرّف عليه السلام التقوى طريقاً لتحصيل هذه السلامة.

وقد جاء في العلل أن الإمام علي عليه السلام قال: (فلما جعل التسليم تحليل الصلاة، ولم يجعل بدلها تكبيراً أو تسبيحاً، قيل: لأنه لما كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق، كان تحليلها كلام المخلوقين، والانتقال عنها، وابتداء المخلوقين في الكلام بالتسليم).

وعن عبدالله بن الفضل، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن معنى التسليم في الصلاة، فقال: (التسليم علامة الأمن وتحليل الصلاة)، قلت: وكيف ذلك جُعلت فداك؟ قال: (كان الناس فيما مضى إذا سلم عليهم وارد أمنوا شره، وكانوا إذا ردّوا عليه أمن شرهم، فإن لم يُسَلِّم لم يأمنوه، وذلك خلق في العرب، فجعل التسليم علامة الخروج من الصلاة وتحليل للكلام، وأمناً من أن يدخل في الصلاة ما يفسدها، والسلام اسم من أسماء الله، وهو واقع من المصلى على مَلَكي الله الموكَلَين به).

والذي ينبغي مراعاته هو أن السلام الجدّي إنما يتمشى في اللقاء الجديد، بحيث أن هذا المصلي أُسري وعُرج به، وكان مناجياً ربه، غائباً عن الأرض وأهلها، بل عما سوى الله سبحانه، فإذا أتم النجوى وأُذن له بالهبوط إلى الأرض والحشر مع أهلها، فهو حينذاك جديد الورود، حديث اللقاء، فيتمشى منه التسليم، بعكس المصلي الذي كان ساهياً في صلاته، مشغول السريرة بالأرض وما حولها، ولم يكن غائب الفكر عن الدنيا وأهلها، فلا يحدث له اللقاء بالطبع، ولكن يصح منه التسليم.

فسلام العارف في الصلاة، يدلّ على انتقاله من حال إلى حال، فهو يسلم تسليمين: تسليماً على من ينتقل عنه، وتسليمه على من قدم عليه إلا أن يكون عند الله في صلاته، فلا يسلم على من انتقل عنه؛ لأن الله هو السلام، فلا يسلّم عليه.

إذن فالعبد السالك إذا رجع عن مقام السجود الذي سرّه الفناء، ورجع من حالة الغيبة عن الخلق، أي حال الحضور، فيسلم على الموجودات سلام من رجع من السفر والغيبة، ففي ابتداء الرجوع من السفر يسلّم على النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لأنه بعد الرجوع من الوحدة إلى الكثرة، فالحقيقة الأولية هي تجلّي حقيقة الولاية.

إن السلام على النبي صلى الله عليه وآله سلام حقيقي؛ وهو في الصلاة علامة أدب ودليل احترام وتقدير، وفي قولنا: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) تثمين لما عانى وواجهه صلى الله عليه وآله من جميع أنواع التعب والمشقة والمشاكل في مسيرته الرسالية، وما بلّغ وادي من أمانة في هذه الرسالة المحمدية؛ ليوصلها للناس بصورتها الحقيقية وليبلغها لهم؛ ليكونوا مسلمين مؤمنين بالله العلي القدير.

وبعد ذلك ينتقل المصلي إلى هاتين العبارتين: (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين)، وفي هذه الحالة يراود المصلي إحساس بالاطمئنان والارتياح، وهو يرى نفسه ضمن هذه الجموع المؤمنة الصالحة، وفي إطار هذه القافلة المباركة، مع العباد الصالحين المتقين المقربين الى الله عز وجلّ. (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)، وهو سلامٌ على الملائكة والمؤمنين عامة.

والحمد لله رب العالمين

الكاتب زينب آل مرهون

زينب آل مرهون

مواضيع متعلقة