شرح دعاء الصباح…

img

بسم الله الرحمن الرحيم

(1) الحمد لله الّذي مدَّ سير نوره([1]) في المجالي والموادّ من صَباح الآزال إلى مساء الآباد، كلمح بالبصر أو هو أقرب عنده، مع أنّه وراء ما لا يتناهى بما لا يتناهى عدّةً ومدّةً وشدّةً. تجلّى ذاتُه( بذاته لذاته، فتردّى برداء كبرياء صفاته، ثمّ تأزّر بإزار عظمة صُور أسمائه وآياته فسبحانه من عظيم لا يمكن للبشر إحصاء ثنائه، وإن أُحصِيَ وأُثنِيَ فبإحصائه وإثنائه، فهو كما أثنى على نفسه القديم؛ ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العلّي العظيم؛ إن تجلّى بأسمائه التّنزيهيّة على ملائكة السّماوات فأنشؤوا يصدحون: يا سُبّوح يا قدّوُسْ، يا من لا شبيه له ولا نظير! وتجلّى بأسمائه التشبيهيّة على أنفُس العجماوات فجعلت تتذكّر: يا شهيداً على كلّ شيء، يا سميع يا بصير! فقد تجلّى بجميع أسمائه الحسنى على هيكل التّوحيد([3]) ومجمع التفريد، المخلَّعِ بخلعة ﴿إنّا عَرَضْنا﴾، والمكرّم بتشريف ﴿ولَقَد كَرَّمْنا﴾؛ فطفق يذكر بلسان وجوده الأتم الأكرم اسمه الأعظم الأفخم خصوصاً الإنسان الكامل، منبع الفضائل والفواضل، ولا سيّما المنتجب من المنتخب، محمّد| سيّد العجم والعرب، شموس فلك الولاية، ومشاعِلِ أعلام الهداية، ليُوثِ الوَغى وغيُوث النّدى، ووسائط فيض الله تبارك وتعالى في الآخرة والأُولى، سيّما صاحب الولاية الكبرى العلي العالي الأعلى.

(2) وبعدُ: يقول العبد المحتاج إلى رحمة الله الباري، الهادي بن المهديّ السّبزواري (غفر الله تعالى لهما): لمّا كان الدّعاء المشهور الموسوم بمفتاح الفلاح ومصباح النَّجاح، المنسوب إلى البارع الفائق، كلام الله النّاطق( الذي كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، عاليَ الأساليب، شامخَ التراكيب، مُنطوياً في مضامينه مطالب عاليةً، أثمانُها غالية، وما أدراك ماهي، جنّة عالية، ليس لها ثانية، فيها أنهارٌ جاريةٌ، وجوارٍ ساقية، وأزهار ذوات روائح زكيّة ذاكية، أطيب من المسك والعنبر والغالية، فاشية على الحاضرة والبادية، لا يخفى شذاها إلّا على الخياشيم الجاسية، والقلوب القاسية، والصدور الغليلة القالية، أردتُ أن أشرحه شرحاً يذلل صعابه، ويكشف نقابه، ويوضح إغلاق لفظه ومعناه، ويُبيّن أعماق قشره ومَغزاه، وما تقاعدتُ في منازل تفسير ظاهره وتنزيله، بل استشرفت إلى ذِروَة مقام باطنه وتأويله؛ إذ التفسير([5]) بلا تأويل كصباحة بلا ملاحة، بل كَشَبح بلا روح.

وقد دعا له أشرف الخلق لأكرم أحبائه بقوله: «اللهمَّ فَقِّهْهُ في الدِّينِ، وعلِمهُ التّأويل»([6]). وأستمدُّ في ذلك باطناً وظاهراً من جنابهم، وأقتبس معنىً وصورةً من مشكاة أنوار خطابهم؛ إذ عطاياهم لا يحمل إلّا مطاياهم، ومَآربهم لا توقِر إلّا مَراكبهم. كلّ ذلك بعون الله وحسن توفيقه؛ إنَّه خير موفّق ومعين.

_________________________________________________

([1]) إشارةٌ إلى أنّ نوره كالشّعلة الجوّالة الرّاسمة للّدائرة، وكنقطة رأس المخروط السّائرة الرّاسمة للخطّ، وكالحركة التوسطيّة الرّاسمة للقطعيّة، وكالآن السيّال الرّاسم للزّمان؛ فإنّ نوره واحد بسيط؛ فإنّ نوره وجهه، ووجهُ الواحد واحد، وفي كونه بسيطاً مبسوط محيط:

وما الوجه إلاّ واحداً غير أنّه

  إذا أنت عدّدت المرايا تعدّدا

منه.

([2]) هذا في مرتبة الأحديّة التي لا اسم ولا رسم ولا غير ولا سوى، فظهور ذاته لذاته. وأمّا التردّي برداء الصّفات فهو في مرتبة الواحديّة وظهور ذاته بكسوة الأسماء والصفات. وفي هذه المرتبة قال العرفاء: «جاءت الكثرة كم شئت». أي كثرت مفاهيم الأسماء والصّفات مع وحدة المصداق الذي هو الذّات.

والمراد «بإزار صور أسمائه»: الأعيانُ الثّابتة اللّازمة للأسماء كماهيّات الحيوانات الصّامتة للسّميع البصير المدرك الخبير، وماهيّات الملائكة للسّبّوح القدّوس، وماهيّة الإنسان الكامل لاسمه الأعظم، أعني اسم الجلالة. وقس عليه جميع الأعيان الثابتات. ولو كانت مفاهيم أسمائه وصفاته ماهيّة له، فكانت مفاهيم الأعيان له لازم الماهيّة، لكن لا ماهيّة له بمعنى ما يقال في جواب: ما هو، ولا هو إلاّ هو.        منه.

([3]) وهو الإنسان؛ لأنّه النوع الأخير الذي هو كلّ الأنواع، وفصله الأخير كلّ الفصول، وصورته النوعيّة الأخيرة كلّ الصّور؛ كيف، وكلّ القوى والمبادئ المقارنة متراكمة في صيصيّته التي هي أُمّ القرى، وروحه أُمّ الأقلام، ونفسه الكلّية أُمّ الألواح؟ منه.

([4]) لأنّ الكلام هو المعرب عمّا في الضّمير، هو سلام الله عليه بفضائله وفواضله، مظهر وشارح ومُعربّ ومجلٍّ لجمال الله وجلاله كما قيل:

چو آدم را فرستاديم بيرون

  جمال خويش بر صحرا نهاديم

وهو «آدم» الأوّل، ولهذا حقّ حمدك لمعبودك أن يكون وجودك حمداً له بأن يصير متخلّقاً بأخلاقه وشرحاً لفضائله وفواضله. والحمد ليس إلاّ إظهار فضائل المحمود وفواضله. والإظهار الوجودي أبين وأقوى وأصدق من الإظهار القولي. والمعلول حدّ ناقص للعلّة، كما أنّ العلّة حدّ تامّ للمعلول وكلّ منها مرآة للآخر. منه.

([5]) وهل يبقى الرّؤيا التي حاكى المتخيّلة معاني بصور مناسبة على ظاهرها؟ كلاّ وحاشا عن ذلك! والرّائي لا يسكن ما لم يعبر رؤياه، والتأويل بالنسبة إلى التّنزيل كالتّعبير إلى قشر التّصوير. منه.

الكاتب الملا هادي السبزواري

الملا هادي السبزواري

مواضيع متعلقة