الاختيار الإلهي ـ 07

img

الشيخ الدكتور أحمد الوائلي

المحور الثالث: القرآن الكريم

وفوق هذا وذاك كله فإننا إذا ما رجعنا إلى القرآن الكريم فإننا نجد أنه ينص على ثلاثة أوقات للصلاة لا على خمسة لها، وذلك في قوله جل شأنه: ﴿أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً([1]).

ومعلوم كما هو مذكور في كتب التفاسير وغيرها من الكتب التي تتناول هذه الآية دليلاً وكذلك ما هو الموجود في كتب اللغة أن دلوك الشمس هو وقت الظهر.

ويعلل البعض تسميتها بهذا الاسم ـ أي الدلوك ـ بأن الإنسان إذا ما نظر إلى الشمس في هذا الوقت، وهو وقت الظهيرة أو الزوال حيث تكون الشمس في شدتها وقوة سطوعها، فإن عينيه تصابان بالانبهار والأذى، فيدلكهما؛ فمن هنا جاءت هذه التسمية، وهي قت الدلوك والتي يستعمل لها اصطلاح آخر وهو وقت الزوال.

وهذا الوقت يذكره القرآن الكريم لصلاتي الظهر والعصر اللتين يستمر وقتهما إلى غسق الليل ـ أي دخول الليل ـ حيث تبدأ معه صلاتا المغرب والعشاء.

كما أن القرآن الكريم كما لاحظنا من خلال قوله تعالى: ﴿وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً﴾ يذكر وقتاً ثالثاً هو وقت صلاة الفجر، أو صلاة الصبح التي سميت قرآناً؛ لاشتمالها على القرآن. وهي مشهودة؛ لأنها تشهدها ملائكة الليل، وملائكة النهار؛ لأهميتها.

رجع

وعليه فالصلاة في واقع الأمر أفضل عمل يؤديه الإنسان على مستوى الأعمال العبادية، أو الأعمال المتكرّرة اليومية التي اعتاد على القيام بها؛ ولذا فقد قرن الإسلام قبول الأعمال بقبولها، فقال: «إن أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها».

التهيؤ الروحي والنفسي للصلاة

وانطلاقاً من هذا الواقع والتقرير فإنه يستحسن للمرء المسلم إذا أراد الإسلام على الصلاة أن يتهيأ لها تهيؤاً تامّاً، وأن يعد العدة لملاقاة الله تبارك وتعالى فلا يشغل نفسه بالأمور الدنيوية ولا بكل ما هو عرض دنيوي زائل، بل عليه أن يكون مستعدّاً لهذا اللقاء استعداداً روحياً ونفسياً عاليين؛ بحيث إنه يكون أهلاً للمثول بين يدي الله تبارك وتعالى في هذا الموقف العظيم الذي يعتبر موقفاً هامّاً جدّاً؛ كونه يمثل عملية التواصل أو الصلة بين الله تبارك وتعالى وبين عباده.

وكما أن على الإنسان أن يتهيأ للصلاة تهيؤاً نفسياً وروحياً، فكذلك عليه أن يتهيأ لها تهيؤاً جسدياً صحيحاً وكاملاً، بمعنى أن يذهب إلى الصلاة وهو متنظف ومتطهر فيلقي ما في بدنه وثيابه من أدران كما يلقي ما في نفسه وروحه من أدران الجاهلية أو من أمراض النفس التي تحول بينه وبين كمال صلاته. إن أي إنسان حينما يريد أن يقف بين يدي شخص له مكانة اجتماعية أو سياسية مرموقة فإنه يعمد إلى أحسن ثيابه فيلبسها، وإلى تنظيف بدنه وتعطير ثيابه وتعطير نفسه قبل أن يذهب للمثول بين يدي ذلك المخلوق، فما بالك به إذن وهو يريد أن يقف بين يدي الخالق العظيم الجبار؟ إن عليه حتماً أن يتنظف ويتطهر ويتطيب قبل حصول هذا المثول حتى يكون ممن قدر الله حق قدره.

إذن فبمقتضى القاعدة أن الإنسان حينما يتوجه إلى صلاته يجب أن يكون على طهارة تامة؛ سواء كانت على مستوى الطهارة الروحية والنفسية، وذلك بتخليص النفس والروح من أدران الأمراض النفسية والروحية، أو على مستوى الطهارة البدنية فيتخلص من الخبائث ومن كل ما من شأنه أن يحول دون تحقق هذا المثول على وجهه الأتم الأكمل، ودون حصول هذا المثول مقبولاً منه.

الصلاة في منظار الرسول الأكرم| وأهل بيته^

إننا نعرف أن الصلاة بمعناها العام الانقطاع إلى الله تبارك وتعالى، والذوبان في بوتقة عبوديته والتوجه إليه والدعاء له. وهذه المرتبة التي نحن بصدد الحديث عنها ليست مرتبة صعبة المنال ولا بعيدة الشأو والغاية، بل إن كل إنسان من الممكن أن يصل إليها إذا ما أخلص إلى الله تبارك وتعالى، ولم تشغله أمور الدنيا عن عبادته وصلاته، أما إذا ما اشتغل بأمور الدنيا واهتم بها، وأولاها عناية أكثر من صلاته التي يؤدّيها بصورة سريعة حتى يرجع بعدها إلى عمله، فإنه حتما سوف لن يصل إلى هذا المستوى من الشعور بالانقطاع إلى الله تبارك وتعالى انقطاعاً تامّاً، وبالذوبان في بوتقة عبوديته. ومن هنا فإن من سبقنا كانوا يصلون إلى هذا المستوى بنسب أكبر وأعلى ممن يصل إليه في أجيالنا الحالية.

يتبع…

________________

([1]) الإسراء: 78.

الكاتب ----

----

مواضيع متعلقة