أبو لهب وامرأته

أبو لهب وامرأته

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ﴾.

أبو لهب بن عبدالمطلب عم النبي‘ واشتد الناس عداوة له وتائباً عليه، قال طارق المحاربي: بينما أنا بسوق ذي المجاز إذ أنا بشاب يقول: أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وإذا برجل خلفه يرميه بالحجارة قد أدمى ساقيه وعرقوبيه ويقول يا أيها الناس إنه كذب فلا تصدقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي وهذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب، ولما أنذره النبي‘ بالنار قال أفتدى بولدي ومالي فأنزل الله تعالى: ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾.

وحدث أبو رافع مولى رسول الله‘ قال: كنت غلاماً للعباس ابن عبدالمطلب وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت أسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره أن يخالفهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه وكان أبو لهب عدو الله قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة وكذلك صنعوا لم يتخلف رجل إلا بعث مكانه رجلاً فلما جاء الخبر عن مصاب أصحاب بدر من قريش كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزاً قال: وكنت ضعيفاً وكنت أعمل القداح أنحتها في حجرة زمزم فوالله إني لجالس فيها أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة وقد سرنا ما جاءنا من الخبر إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينما هو جالس إذ قال الناس هذا ابو سفيان بن الحرث بن عبدالمطلب قد قدم فقال أبو لهب: هلم إلي يا ابن أختي فعندك الخبر فجلس إليه والناس قيام عليه فقال: يا ابن أختي أخبرني كيف كان أمر الناس قال لا شيء والله إن كان إلا أن لقيناهم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاءوا وأيم الله مع ذلك ما لمت الناس لقينا رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض ما تليق شيئاً ولا يقوم لها شيء قال أبو رافع: فرفعت طرف الحجرة بيدي وقلت تلك الملائكة قال فرفع أبو لهب يده وضرب وجهي ضربة شديدة فثاورته فاحتملني وضرب بي الأرض ثم برك علي يضربني وكنت رجلاً ضعيفاً فقامت أم الفضل إلى عمود من عمد الحجرة فأخذته فضربته ضربة فلقت رأسه شجة منكرة وقالت تستضعفه إن غاب عنه سيده فقام مولياً ذليلاً فوالله ما عاش إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فقتله ولقد تركه ابناه ليلتين أو ثلاثاً ما يدفنانه حتى انتن في بيته وكانت قريش تتقي العدسة كما تتقي الطاعون حتى قال لهما رجل من قريش ويحكما ألا تستحيان إن أباكما قد انتن في بيته لا تغيبانه فقالا إنا نخشى هذه القرحة قال فانطلقا فأنا معكما فما غسلوه إلا قذفاً بالماء عليه من بعيد ما يمسونه ثم احتملوه فدفنوه بأعلى مكة إلى جدار وقذفوا عليه بالحجارة حتى واروه.

وأما امرأته فهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان تلقب بالعوارء كانت كزوجها في العداوة لرسول الله‘ حمالة الحطب كانت تحمل الشوك والغضا فتطرحه في طريق رسول الله ليعقره فيطأه كما يطأ أحدكم الحرير على رغم أنفها وتمشي بالنميمة بين الناس فتلقي بينهم العداوة وتوقد نارها بالتهييج كما توقد النار الحطب فسمى النميمة حطباً وهي حمالة الخطايا نظير قوله تعالى: ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ والكل محتمل من أمثالها، فقد كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت لأنفقتها في عداوة محمد.

وروي عن أسماء بنت أبي بكر قالت لما نزلت هذه السورة أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول:

مذممنا أبينا                                 ودينه قلينا                   وأمره عصينا

والنبي جالس في المسجد ومعه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف أن تراك قال رسول الله إنها لن تراني وقرأ قرآناً فاعتصم به كما قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾ فوقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله‘ فقالت: يا أبا بكر أخبرت أن صاحبك هجاني في كتابه فقال: لا ورب البيت ما هجاك قال فولت وهي تقول:

قريش تعلم أني بنت سيدها.

وفي الأخير ماتت ميتة قبيحة وحشرت مع الظالمين الكافرين في جيدها حبل من مسد وما ربك بغافل عما يعمل الظالمون.

أقول ومن يشابه ابه فما ظلم هذه ابنة حرب الذي لا زال حرباً لرسول الله‘ وأخوها أبو سفيان بن حرب الذي نصب العدى لرسول الله‘ في الجاهلية والإسلام أما في الجاهلية فهو القائد الأعظم لقريش في أكثر غزوة مؤلباً على رسول الله القبائل وأما في الإسلام فإنه قد أسلم كرهاً وخوفاً ولا زال يكيد الإسلام أولاً وآخراً فقد روى عنه المؤرخون أنه جاء إلى مجلس لبني أمية بعدما كف بصره فوقف على الباب وقال يا بني أمية هل فيكم من يحتشم قالوا لا وكان علي× حاضراً ولم يجسروا أن يقولوا نعم لمكانه فقال أبو سفيان: يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة فو الذي يحلف به ابو سفيان ما من جنة ولا نار فوالله لقد ملك أخو عدى حتى هلك وملك أخو تيم حتى هلك وهلك ذكره ولم يرض ابن أبي كبشة حتى قرن اسمه باسم ربه فلا يقول قائل أشهد أن لا إله إلا الله حتى يقول أشهد أن محمداً رسول الله فقام إليه علي × وقال اسخن الله عينك يا أبا سفيان لم يكن هو الذي وضع اسمه بل الله تعالى فعل ذلك فقال ابو سفيان با أبا الحسن أسخن الله عين من قال لم يكن هنا أحد فانظر إليه وأمثاله كيف كان إسلامهم.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top