حدث في مثل هذا اليوم (9 صفر)

حدث في مثل هذا اليوم (9 صفر)

في اليوم التاسع من هذا الشهر يوم الخميس 37 هجرية استشهد الصحابي الجليل عمار بن ياسر (رحمه الله) بصفين، وكان قد حمل بكتيبته على القوم وجعل يرتجز ويقول:

نحن ضربناكم على تنزيلهْ *** واليوم نضربكم على تأويلهْ
ضرباً يزيل الهام عن مقيلهْ *** ويذهل الخليل عن خليلهْ

أو يرجع الحق إلى سبيله

ثم عطش فاستسقى فجيء له بضياح من لبن فشرب منه، وقال: هكذا عهد إلي رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يكون آخر زادي من الدنيا شربة من لبن، ثم حمل بكتيبة على القوم، وهو يقول: الجنة الجنة، تحت ظلال الأسنة، اليوم ألقى الأحبة، محمداً وصحبه، والله لوضربونا حتى يبلغوا بنا سعيفات هجر لعلمنا أننا على الحق، وأنّهم على الباطل. وحمل عليه ابن جون السكسكي وأبو العادية الفزاري، فأما أبو العادية فطعنه، وأما ابن جون فاحتز رأسه([1]). فـ ﴿إنَّا لِله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. اللهم لا تحرمنا  أجرهم، ولا تضلنا بعدهم.

ولما اُخبر أميرالمؤمنين بقتله جاء حتى وقف عليه، وقال: «إنّ امرأً لم يعظم عليه قتل ابن ياسر، ولم تدخل به عليه المصيبة الموجعة لَغيرُ رشيد. رحم الله عماراً يوم ولد، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً، لقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) أربعة إلاّ كان رابعاً ولا خمسة إلاّ كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يشكّ أنّ عماراً قد وجبت له الجنة في موطن ولا موطنين؛ فهنيئاً لعمار الجنّة([2]).

***

وقتل في هذا اليوم اُويس القرني وغيره من خيرة أصحاب أميرالمؤمنين الذين قال فيهم وفي أمثالهم:

ألا أيها الموت الذي ليس تاركي *** أرحني فقد أفنيت كل خليلِ
أراك بصيراً بالذين أحبّهم
*** كأنّك تسعى نحوهم بدليلِ([3])

رحمهم الله برحمته.

***

وفي هذا اليوم أيضاً استشهد هاشم المرقال حامل الراية العظمى يوم صفين، والذي كان عمار (رحمه الله) يتناوله بالرمح، ويقول له: أقدم يا أعور، لاخير في أعور لا يأتي الفزع. فيتقدّم هاشم بالراية، فإذا تتامت إليه الصفوف ناداه ثانية: أقدم يا أعور لاخير في أعور لا يأتي الفزع، فيتقدّم بالراية، ولم يزل عمار بهاشم يحثه، حتى اشتدّ القتال، وتصادمت الأبطال، وجعل هاشم يقول:

أعور يبغي أهله محلاّ *** قد عالج الحياة حتى ملاّ
لا بدّ أن يفلَّ أو يُفلاّ *** أشلهم بذي الكعوب شلاّ
مع ابن عمّ أحمد المعلّى *** فيه الرسول بالهدى استهلاّ
أول من صدّقه وصلّى *** فجاهد الكفار حتى أبلى([4])

ونظر عمرو بن العاص إلى هاشم المرقال وهو يلفّ بين جماجم القوم، فقال: إني لأرى لصاحب هذه الراية السوداء عملاً لئن دام عليه لتفنين العرب اليوم([5]). ومازال يقاتل حتى حمل عليه الحارث بن المنذر التنوخي فطعنه في بطنه فسقط، واُصيب معه عصابة من أسلم من القراء، فلما رآهم علي (عليه السلام) أنشد:

جزى الله خيراً عصبة أسلمية *** صباح الوجوه صرّعوا حول هاشمِ
زياد وعبد الله بشر ومعبد *** وسفيان وابنا هاشم ذي المكارمِ
وعروة لا يبعد ثناه وذكره *** إذا اخترطت يوماً خفاف الصوارمِ([6])

قالوا: وأمر علي (عليه السلام) أن يصفّ عمار والمرقال، وصلّى عليهما([7]).

***

وفيه من سنة 38 هجرية حدثت واقعة النهروان، وقيل: إنها كانت في شعبان، وقيل: إنها في شهر رمضان، والنهروان كورة واسعة بين بغداد وواسط من الجانب الشرقي على أربعة فراسخ من بغداد، وقد قتل فيها الخوارج، ولم ينجُ منهم إلاّ تسعة، كما لم يقتل من أصحاب الإمام (عليه السلام) إلاّ تسعة، ولكنّه (عليه السلام) أخبر عنهم أنّهم في أصلاب الرجال، وأرحام النساء([8]). وصدق مولانا أميرالمؤمنين (عليه السلام).

***

وفي هذا اليوم من سنة 421هجرية توفي بأصبهان أبو علي أحمد بن محمد بن يعقوب الرازي المعروف بمسكويه أو ابن مسكويه، من علماء القرن الرابع هجري وبالتحديد من المخضرمين الذين عاشوا في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس. وكان من أعيان العلماء، وأركان الحكماء، معاصراً للرئيس ابن سينا. صحب الوزير المهلبي في أيام شبابه، وكان خصيصاً به إلى أن اتصل بخدمة عضد الدولة، فصار من كبار ندمائه ومن رسله إلى نظرائه. ثم اختص بالوزير ابن العميد وابنه أبي الفتح.

وله مؤلفات في الحكمة والأخلاق والتاريخ، منها كتاب (الفوز الأكبر)، و(الفوز الأصغر)، و(تجارب الأمم في التاريخ)، وكتاب (الطهارة في الأخلاق)، وغيرها من الكتب النافعة. ولم تتعيّن حقيقة مذهبه، ولكن الأظهر عند العلماء أنه شيعي، قال صاحب كتاب (الكنى والألقاب): «ومن الدائر على ألسنة أهل العصر أن السيد الداماد& كان يعتقد تشيّعه، وكان إذا مرَّ بقبره على باب درب جناب باصبهان يقف عنده ويقرأ له الفاتحة»([9]).

وقد أحصى له السيد الأمين في كتاب (الأعيان) عدة مواقف يستدل منها على تشيعه، ومنها ما جاء في كتابه (تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراف) من نعته للإمام علي بكلمة «الإمام» تارةً وبكلمة «أمير المؤمنين» اُخرى، وصلاته عليه كما يصلي على رسول الله (صلى الله عليه وآله)([10]).

وإذا كانت ولادته بتاريخ 325، ووفاته بتاريخ 9/ 2/ 421 هجرية؛ فعمره على أقل تقدير 96 سنة. رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم 9/ 2 من سنة 520 هجرية ولد بقرطبة بالأندلس الفيلسوف الكبير والعلّامة الشهير أحد فلاسفة الإسلام المشهورين أبو الوليد محمد بن أحمد ابن محمد بن رشد، وتوفي بمراكش سنة 595 عن عمر ناهز خمساً وسبعين سنة. قال عنه صاحب كتاب (الكنى والألقاب): إنه أوحد زمانه في العلم والفضل والطب والفلسفة والأخلاق وغيرها من العلوم([11]).

وكان& قد نشأ في بيت فقهاء وقضاة، وكانت أسرته من أكبر الأسر وأشهرها في الأندلس، وآباؤه من أيمة المذهب المالكي. وكان هو وأبوه وجده قضاة قرطبة، وانفرد هو حينها بقضاء أشبيلية.

وكان جده محمد بن رشد من أهل العلم والفقه، وكانت له مباحث فلسفية وشرعية، وله مجموعة فتاوى رتبها ونقحها أحد مريديه بعد موته إلا إنه لم يبلغ من العلم والشهرة مبلغ حفيده ابن رشد المذكور فإنه يعد آخر فلاسفة الإسلام المشهورين.

1ـ الذي ذكرناه قبله وهو ابن مسكويه المتوفى في هذا اليوم 9/ 2/ 421.

2ـ يعقوب بن إسحاق الكندي المتوفى بتاريخ0/ 0/ 258.

3ـ الفارابي محمد بن أوزلغ بن طرخان المتوفى 0/ 7/ 339.

4ـ ابن سينا الحسين بن عبد الله المتوفى بتاريخ 1/9/428.

5ـ الغزالي أبو حامد محمد بن محمد المتوفى 0/ 0/ 505.

6ـ ابن باجة أو ابن الصايغ محمد بن يحيى المتوفى 0/ 0/ 533.

7ـ ابن الطفيل محمد بن عبد الملك القيسي المتوفى 581.

8ـ ابن خلدون عبد الرحمن بن محمد المتوفى 808.

9ـ ابن الهيثم علي بن محمد بن الحسن المتوفى 0/ 0/ 430.

10ـ ابن العربي محيي الدين محمد بن علي الطائي م 20/ 4/ 638.

11ـ نصير الدين الطوسي المتوفى بتاريخ 18/ 12/ 672 هجرية.

12ـ صدر المتألهين محمد بن إبراهيم الشيرازي المتوفى بالبصرة 1050.

13ـ إخوان الصفا، وأشهرهم خمسة، وهم كما ذكرهم محمد لطفي في كتابه (فلاسفة الإسلام في الشرق والغرب):

1ـ أبوسليمان محمد بن معشر البستي ويعرف بالمقدسي.

2ـ أبوالحسن علي بن هاني الزنجاني.

3ـ أبوأحمد المهرجاني.

4ـ العوفي.

5ـ زيد بن رفاعة.

وهم الذين اضطرتهم الظروف إلى التستر بما عندهم من الفلسفة؛ لأن أهلها يتهمون في ذلك العصر بالكفر والإلحاد، فاضطروا إلى التستر، ولكنهم ألّفوا الجمعيات السرية لهذا الغرض. وكان اشهر تلك الجمعيات جمعية (إخوان الصفا) التي تألفت في بغداد في أواسط القرن الرابع الهجري، فكان أهلها يجتمعون سراً ويتباحثون في الفلسفة على أنواعها، حتى صار لهم فيها مذهب خاص هو خلاصة أبحاثهم، وذلك بعد اطّلاعهم على آراء الفلاسفة الآخرين من اليونان والفرس والهند وغيرهم. رحمهم الله برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي ليلة هذا اليوم أو يومها 9/ 2/ 1088 هجرية ولد العلامة الشيخ عبد الله ابن الشيخ صالح السماهيجي مؤلف الصحيفة العلوية، وقد توفي بتاريخ 9/ 6/ 1135 هجرية، فيكون عمره& نحو 46 سنة وخمسة أشهر. وسيأتي ذكره بتاريخ وفاته 9/ 6. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفيه من سنة 1367 هجرية توفّي الشاب الكريم أحمد ابن العلامة الشيخ منصور البيات، فافتجع به الوطن، وتأثّر الجمهور لموته؛ لكونه مات في ريعان شبابه؛ لأنّه ابن عشرين سنة، وعلى وشك الدخول بزوجته، بها له ولصلاحه، وحاجة أبيه إليه، لكونه مكفوف البصر وليس له ولد غيره. وقد رثاه الشاعر الشهير خالد الفرج، فقال:

اقرؤوا خاشعين اُم الكتابِ *** ثم ضجّوا بالنوح والانتحابِ
فلقد مات أحمد بن بياتٍ ***  مات جم الشباب غض الإهابِ
حملوه كأنّ للكل منهم ***  ولداً فوق هاتك الأخشابِ
أنعشوه مكفّناً بدلاً من ***  زفة العرس في ثمين الثيابِ
ليس من مات مرضعاً أو مسناً ***  مثل من مات في ربيع الشبابِ
يا وحيداً لاُمه وأبيه ***  ووحيد الجيران والأصحابِ
عشت ما عشت من قصير حياة ***  طاهر الذيل طيّب الأثوابِ
ولقد متّ تاركاً لوعة الدهـ ***  ـر لمن يرتجيك دون إيابِ
رحمة الله تحتويك وإن لمْ ***  تجنِ أمراً مستوجباً للعقابِ
وعزاءً لوالديك وإن عـ *** ـزَّ خضوع المغلوب للغلّابِ

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنّته.

***

وفيه من سنة 1368 هجرية تمّ إعلان مبادئ حقوق الإنسان في الاُمم المتحدة.

***

وفي هذا اليوم الموافق يوم السبت 9/ 2/ 1389 هجرية توفّي الخطيب الكبير الشيخ الملا مكي المولود في شهر ذي الحجة سنة 1314هجرية ابن المرحوم الحاج قاسم المولود سنة1290 والمتوفّى 7/ 9/ 1348هجرية ابن أحمد المتوفى سنة 1290هجرية ابن الشيخ مدن ابن الشيخ حسن الجارودي القطيفي، أحد رجال الدين المرموقين بالتقوى والورع والصلاح.

وقد ترجم له صاحب كتاب (شعراء القطيف)([12]) وقال عنه: إنه ولد سنة 1313هجرية، وإنّه نشأ محباً للعلم وذويه منذ نعومة أظفاره، وإنّه مع كونه مكفوفاً فقد اشتغل في طلب العلوم الدينية على يد والد صاحب هذا الكتاب الشيخ منصور المرهون، المتوفّى 30/ 6/ 1362 هجرية، حتى نال فضيلة علمية جيدة، مضافاً إلى ما كان عليه من الدرجة العالية في الخطابة المنبرية الرفيعة. وكان يقول الشعر بالمناسبة الملحة، وله قصيدة يستنهض فيها الحجة المنتظر (عجل الله فرجه)، وله مقطوعة في رثاء الحسين (عليه السلام)، وقد ذكرهما صاحب الكتاب المذكور.

ومن شعره قصيدة قالها في مرثية أستاذه الشيخ منصور المذكور، وقد ألقاها بنفسه ضمن مجلسه الذي قرأه في الفاتحة في حسينية الفقيد باُم الحمام، فأحزن القلوب، وأجرى الدموع، وعلت أصوات الحاضرين، فكان (رحمه الله) يسكت بين البيت والبيتين حتى تهدأ صرخة المستمعين. وكان في تلك القصيدة قوله:

حر قلبي وهل يفيد الزفيرُ *** أو يبل الغليل دمع غزيرُ
كيف يطفي الغليل سيل دموعي *** وعماد الهدى حوته القبورُ
يا له فادح وخطب جليل *** من شجاه كادت تذوب الصخورُ
هد ركن الهدى وعين المعالي *** قد بكته وقلبها مفطورُ
وبكاه الدين الحنيف مع الأمـ *** ـلاك طراً وبيتها المعمورُ
وكذا العلم والتقى وعليه *** ناح رضوى ويذبل وثبيرُ
هو للعلم والتقى والمعالي *** والتعازي مفصل وبصيرُ
مرشد واعظ خطيب بليغ *** كوكب مزهر وبدر منيرُ
قد رماه المنون منه بسهم *** فذكا في القلوب منه سعيرُ
فخلا منه منبر فيه يعلو *** ومصلّى ومجلس معمورُ
عاد ذاك المحراب منه خلياً *** واغتدى العلم بابه مهجورُ
أفتديه بالنفس والأهل والولـ *** ـد فيا ليت يُفتدى منصورُ
إنه لم يمت بلى نحن متنا *** إذ فقدناه ذاك رزء كبيرُ
فهلموا عليه نبكي جميعاً *** بعده لا يرى علينا سرورُ
وعليه من الإله صلاة
*** وسلام فسعيه مشكورُ

رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

_______________

([1]) الاختصاص: 14.

([2]) كنز العمّال 13: 539/ 37411.

([3]) سراج الملوك 1: 9.

([4]) أعيان الشيعة 1: 497.

([5]) بحار الأنوار 79: 1.

([6]) شرح نهج البلاغة.

([7]) بحار الأنوار 79: 1.

([8]) نهج البلاغة /الكلام: 60 حول الخوارج.

([9]) الكنى والألقاب 1: 409.

([10]) أعيان الشيعة 3: 159.

([11]) الكنى والألقاب 1: 290.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top