حدث في مثل هذا اليوم (1 شعبان)
قال السبحاني في كتابه (سيد المرسلين): وفي مطلع شعبان من سنة 9 من الهجرة حلّ جيش الإسلام بتبوك ولم ير أثراً من جيش الروم؛ لأنّهم انسحبوا إلى داخل بلادهم خوفاً من جيش المسلمين، وقد تقدّم الكلام على تحرّك النبي (صلى الله عليه وآله) إلى تبوك بتأريخ 1 / 7.
***
في هذا اليوم من سنة 317 هجرية تُوفّي أبو القاسم عبد الله بن أحمد الكعبي البلخي العالم المشهور، كان رأس طائفة من المعتزلة يُقال لهم الكعبية، وكان من كبار المتكلّمين، وله اختيارات في علم الكلام. رحمه الله برحمته.
***
وفي هذا اليوم ـ 1 / 8 ـ من سنة 492 هجرية الموافق يوم الخميس، توفّي أبو الغنائم محمد بن الفرج الفارقي الفقيه الشافعي. قالوا عنه في كتاب (موسوعة الفقه): إنّه كان فقيهاً زاهداً، موصوفاً بالعلم والدين. رحمه الله برحمته.
***
وفيه من سنة 570 هـ تُوفّي القاضي أبو الحسن علي بن عبد الله بن إبراهيم الأنصاري المعروف بالقبيطي، ألّف كتاباً كبير اسمه (النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام). رحمه الله برحمته.
***
وفي هذا اليوم 1 / 8 من سنة 611 هجرية تُوفّي بالقاهرة أبو الحسن علي بن الأنجب اللخمي المقدّس الإسكندري المالكي. كان فقيهاً فاضلاً، ومن أكابر الحفّاظ المشاهير في الحديث وعلومه، وله مقاطيع شعرية جيّدة، ومنها قوله:
أَيَا نفس بالمأثور عن خيرِ مُرْسَلِ *** وأصحابه والتابعين تَمَسَّكِي
عَسَاكِ إذا بالغتِ في نَشْرِ دينِهِ *** بما طَابَ مِن نَشْرٍ لَهُ أن تُمسكي
وخافي غداً يومَ الحسابِ جهنَّما *** إذا لفحت نيرانها أن تمسكِ([1])
وكان عمره يوم وفاته نحو من 67 سنة؛ لأنّ مولده 24 / 11 / 544. رحمه الله برحمته.
***
وفي هذا اليوم ـ 1 / 8 ـ من سنة 649 هجرية تُوفّي بمصر الشاعرٌ المصري يحيى بن عيسى بن مطروح المصري، الذي خدم الملك الصالح أيوب المتوفّى 15 / 8 / 647، وتنقل معه في البلاد. وفي بعض أسفاره نزل في طريقه بمسجد وهو مريض فقال:
يا ربّ إن عَجَزَ الطبيبُ فَدَاوِنِي *** بلطيفِ صُنْعِكَ واشْفِنِي يَا شَافِي
أنا مِن ضيوفِكَ قد حسبت وإنّ مِن *** شِيَمِ الكرامِ البرَّ بالأَضيافِ([2])
ووجد في رقعة مكتوبة تحت رأسه بعد موته:
أتجزعُ م الموت هذا الجزعْ *** ورحمةُ ربِّك فيها الطَمَعْ
ولو بذنوبِ الورى جِئْتَهُ *** فرحمتُهُ كلَّ شيء تَسَعْ([3])
وقوله: «م الموت» أصلها: من الموت، وقد حذف نون (من) الجارّة للتخفيف. وهذا شيء تستعمله العرب في كلامها. وأوصى أيضاً أن يكتب عند رأسه (رحمه الله):
أصبحتُ بقعرِ حفرةٍ مُرْتَهَنَا *** لا أَملِكُ مِن دُنْيايَ إلاّ كَفَنَا
يا مَنْ وَسِعَتْ عبادَه رحمتُهُ *** مِن بعضِ عبادِكَ المسيئينَ أَنَا([4])
رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته.
***
وفيه من سنة 1266 هجرية تُوفّي شيخ الفقهاء والأصوليين ومربّي العلماء والمجتهدين الشيخ محمد حسن الجواهري صاحب كتاب (جواهر الكلام)، الذي تميّز بالقدسية ونكران الذات وسعة الأفق والإخلاص في العمل أكثر ممّن سواه. وتشهد بذلك قصّة تنصيبه للشيخ الأنصاري خَلَفاً له، وفي تلامذته وأولاده مَن هو أهل لهذا المنصب الرفيع ولكنّه عهد إليه من دونهم، وكان الأنصاري حينئذٍ مغموراً لا يعرفه كل أحد، ولم يكن من تلاميذه الذين يعتزّ بمرجعيّتهم وإنّما كان يحضر درسه في أواخر أيامه تيمّناً، ولكنّه لمّا رأى فيه الأهلية أكثر، قدّمه على أولاده وجميع تلامذته، وستأتي القصة بتأريخ 18 / 12 إن شاء الله.
وقصّته مع أهل بغداد من أجل الشيخ محمد حسن آل يس أحد تلامذته الأعلام، فإنّه (رحمه الله) وجّهه إلى بغداد ليكون مرجعاً للناس هناك، وبعد مدّة قَدِمَ عليه أحد تجّار بغداد يحمل له من الحقوق نحو ثلاثين ألف (بيشلك) وهو مبلغ كثير في ذلك الوقت، فأنكر عليه الشيخ ذلك مع وجود الشيخ محمد حسن عندهم وردّ المبلغ، ولمّا قدم أهل بغداد بعد ذلك لزيارة يوم الغدير حجبهم عن الدخول عليه، وأعلن غضبه عليهم وهم يجهلون السبب، وفي عصر يوم الغدير قام خطيباً في الناس في الصحن العلوي الشريف وذكر فضل العلماء وما يجب لهم على الناس، وندّد بالبغداديين إذ قصّروا في حقّ الشيخ محمد حسن، وبيّن لهم أنّ هذا سبب غضبه عليهم وحَجْبه لهم، فقام البغداديون إلى الشيخ محمد حسن وكان ممّن جاء للزيارة فاعتذروا إليه وحملوه معهم إلى بغداد مخدوماً محشوماً، وبذلك رضي عنهم الشيخ الجواهري (رحمه الله برحمته).
وقد رثاه وأرّخ عام وفاته تلميذٍه السيد حسين السيد رضا بحر العلوم، فقال في قصيدته:
عينُ البريّةِ باديها وحاضرها *** تذري الدموع لناهيها وآمرها
زان الشرايع مذ حلّى فرائدها *** جواهراً ما الدراري من نظائِرِهَا
فاليوم تسكب مِن وَجْدٍ ومِن أسَفٍ *** عليه تلك اللآلي من نواضرها
تبكيه شجواً وتنعاه مؤرِّخَةً *** (أبكى الجواهر همّاً فقد ناثرها) ([5])
1266 هجرية
***
وفي ليلة شعبان، على حدّ تعبير الأمين في الأعيان([6]) من سنة 1350 هجرية تُوفّي السيد الجليل السيد محمد جعفر ابن السيد عبد الصمد بن أحمد بن محمد بن طيب بن محمد بن نور الدين ابن السيد نعمة الله الجزائري (رحمه الله)، وكان مولده سنة 1278 هجرية فعمره 72 سنة، قال: وكان عالماً فاضلاً، أديباً، عابداً، كيِّساً فطناً، حسن البيان، منيع النفس، كريم الأخلاق. أخذ العلوم العربية عن والده، ثمّ سافر إلى النجف الأشرف فأقام فيها مدّة، وتتلمذ على فحول ذلك العصر في الفقه والأصول وغير ذلك من العلوم، ثمّ عاد إلى الأهواز وأقام بها مرجعاً لأهلها إلى أن تُوفّي بها في التأريخ المذكور، وحُملت جنازته إلى النجف الأشرف فدُفن فيها. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنّته.
***
وفي هذا اليوم أيضاً من سنة 1357 هجرية والموافق تقريباً 29 / 6 / 1938م أعلن الكسندر (فيلمنغ) الإنكليزي اكتشافه للبنسلين الذي أحدث فرحةً في عالم الطب؛ لِـمَا لهذا الدواء من منافع خفَّفت الكثير من معانات البشر.
***
وفيه من سنة 1411 هجرية وُلد بقم المقدّسة الطفلُ المعجزة محمد حسين ابن السيد محمد مهدي الطباطبائي علم الهدى، الذي بدأ يحفظ القرآن وهو في السنة الثانية من عمره، حفظه بكامله وهو في الخامسة من عمره، والذي يستفرغ العجب في هذا الطفل أنّه لم يكن يحفظ القرآن فحسب، بل إنّه مع كونه أعجمياً يفهم معاني كلمات القرآن وآياته ويخاطب الناس بها عند الحاجة إلى ذلك، فمثلاً من ذلك أنّه كما تحدّثت عنه مجلّة العالم في عددها (584) الصادر بتأريخ: 11 / 5 / 1418 هـ، عندما رأى مراسلها (محمد حسين البحراني) والسيجارة بيده قال له: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾([7]) مشيراً إلى مضارّ التدخين، قال: فوعدته أنّي سأحاول أن أتركه وسألته الدعاء بأن يعينني الله على ذلك، فقال: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾([8]).
يقول مراسل المجلّة: وحينئذٍ شعرتُ بأنّني أمام إنسان كبير في جسم طفل صغير، فاستسلمتُ له وطلبتُ منه أن نبدأ الحوار، فسألتُه باللغة العربية: كم عمرك الآن؟ فقال: ست سنوات وأشهر. قلتُ: ومتى بدأتَ بحفظ القرآن؟ فقال: عندما بلغتُ السنة الثانية من عمري. فقلتُ: وكيف تمكّنت أن تحفظ القرآن وأنت صغير السن؟ فقال: ﴿هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي﴾([9]) فقلتُ: وماذا تحبّ أن تكون في المستقبل؟ فقال: أحب أن أكون مبلّغاً للإسلام إذا وفقني الله لذلك. فقلتُ: ولماذا اخترتَ التبليغ؟ فقال: ﴿وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾([10]). فقلت له: وكيف كانت زيارتك لبيت الله الحرام؟ فقال: ممتعة جداً، قالوا: وكانت الدولة السعودية قد استضافتْه في ذلك الموسم وهو في موسم سنة 1417 هـ وهو في السادسة من عمره.
قال مراسل المجلّة فقلتُ له: وهل كنتَ قبل ذلك تتوقّع أنّك ستسافر إلى مكّة؟ فقال: ﴿إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ﴾([11])، يعني أنّي ظننتُ ذلك أو اعتقدتُه؛ لأنّ الظنّ في هذه الآية بمعنى الاعتقاد، فسبحان الخلّاق العليم.
وهكذا كان علم الهدى قادراً على الاستشهاد بآية قرآنية لكلّ موضوع يُطرح في الكلام، ويتّصف بمهارة مثيرة في حفظ القرآن الكريم، منها أنّه إذا سُئل عن كلمة أو عن جملة أو آية من القرآن الكريم يستطيع ذكْر السورة والجزء الذي تقع فيه، وإذا سئل عن آية في وسط الصفحة أو في آخرها يستطيع الشروع فوراً في قراءة الصفحة من أوّلها، وإذا سُئل عن المشابهات اللفظية أو المعنوية لآية ما، فإنه يستطيع تعيين الآيات التي فيها الشبه لتلك الآية، وإذا قُرِئتْ عليه ترجمة آيةٍ ما يستطيع استحضار تلك الآية التي قُرئَتْ عليه ترجمتها، وقد حاز على شهادة الدكتوراه في خمسة مواضع من العلوم القرآنية.
1ـ حفظ القرآن الكريم مع ترجمته. 2 ـ البيان الموضعي لآيات القرآن. 3 ـ تفسير وتوضيح معاني الآيات بآيات قرآنية أخرى. 4 ـ الحوار بالآيات القرآنية. 5 ـ أسلوب بيان القرآن بطريقة الإشارة.
وسئل عن شعوره لنجاحه في الحصول على شهادة الدكتوراه، فقرأ هذه الآية: ﴿فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ﴾([12])، وسُئل: ما هي الآية التي تشير إلى سفر الإنسان في الفضاء فتلى هذه الآية:
﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾([13]). وسُئل عن قانون الجاذبية، فقرأ قوله تعالى: ﴿اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾([14]). وسُئل عن رأيه في الثقافة الغربية، فقرأ قوله تعالى: ﴿أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ﴾([15]).
وسئل عن رأيه في الإمام الخميني (رحمه الله)، فقرأ قوله تعالى: ﴿وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ﴾([16]). وسُئل: ما هي أرأف آية في القرآن؟ فقرأ الآية الشريفة: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾([17]). إلى غير ذلك من الأسئلة التي لا يسعنا ذكر جميع ما وصل إلينا منها في هذا المختصر، وقد استطاع في سنة واحدة أن يحصل على ثلاث شهادات هي الإعدادية والبكالوريوس والدكتوراه، فسبحان الخلّاق العليم.
أقول: وسيأتي الكلام على أطفال من هذا النوع بتأريخ 16 / 10. ولا شكّ أنّ وجود مثل هؤلاء الأطفال يحملنا حملاً لا إرادياً على الإيمان بنبوّة الأنبياء وإمامة الأئمة الذين آتاهم الله الحكم وألهمهم العلم في صغر سنّهم كيحيى وعيسى (عليهما السلام) (ولله الحجة البالغة).
__________________
([1]) انظر: تاريخ الإسلام 44: 81، سير أعلام النبلاء 22: 69، وفيات الأعيان 3: 291، الوافي بالوفيات 20: 159.
([4]) تاريخ الإسلام 47: 435، وفيات الأعيان 6: 266.
([7]) البقرة: 195.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.