حدث في مثل هذا اليوم (23 محرم الحرام)

حدث في مثل هذا اليوم (23 محرم الحرام)

وفي اليوم الثالث والعشرين من شهر المحرم الحرام انتبه أصحاب الكهف من نومتهم، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً * إِنَّهُمْ إِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ إِلَى مِلَّتِهِمْ وَلَن تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً([1]).

***

وفيه من سنة 146 هجرية توفي جماعة من بني الحسن في سجن المنصور بالهاشمية. وقد روي أنه منعهم الماء والطعام ثلاثة أيام، فجعلوا يصيحون في السجن، وينادون: يا لله، يا للمسلمين، نحن ذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) عطاشى لا نسقى، وجياع لا نطعم؟ فلما سمع الناس أصواتهم من وراء السجن، جعلوا يبكون وينوحون، فأخبر السجان المنصور بما حصل منهم ومن الناس، وخوفه سوء العاقبة، فأمر أن يمضي لهم بطعام وشراب مسمومين، فلما أكلوا منه وشربوا همدوا مكانهم، وماتوا تحت أقيادهم وأغلالهم، فأخبر السجان المنصور بذلك، واستأذنه في مواراتهم، فأبى وقال: دعهم على ما هم فيه؛ سجونهم قبورهم.

وقد روي أن المنصور أعطى ريطة زوجة ولده المهدي مفتاحاً، وقال لها: إذا متّ فادفعيه لزوجك، فإذا فتح به الخزانة، ونظر ما فيها، فقولي له: يقول لك أبوك: إذا أردت أن يبقى لك ملكك فافعل هكذا. فلما مات أبوه وفتح الخزانة، وجد جماعة من قتلى الطالبيين، من الكهول والشيوخ والشبان، وفي عنق كل واحد منهم رقعة مكتوب فيها اسمه ونسبه، فارتاع المهدي لذلك، وأمر بمواراتهم رحمهم الله.

أهذا جزاء المصطفى عن رسالة *** مودة قرباه لها جعلت أجرا
قضوا آله بالقتل والسم غيلة *** ومنهم بأعماق السجون قضوا صبرا

***

قال صاحب كتاب (مقاتل الطالبيين): ولسبع بقين من المحرم سنة 146 هجرية توفي في سجن المنصور الدوانيقي علي بن الحسن المثلث بن الحسن المثنى ابن الحسن السبط (عليه السلام)، هو وجماعة من أهل بيته. وكان له زهد وصبر وعبادة، ولذلك كان يسمى علي الخير، وعلي العابد، وعلي الأغر. وقد روي عنه أنه لما اُدخل السجن مع من معه من بني عمومته قال: اللهم إنْ كان هذا من سخط منك علينا فاشدد حتى ترضى. فقال له أخوه عبد الله بن الحسن: ما هذا يرحمك الله؟ ثم حدثهم عبد الله هذا، عن فاطمة الصغرى، عن أبيها، عن جدتها فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنها قالت: «قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله): يدفن من ولدي سبعة بشاطئ الفرات، لم يسبقهم الأولون، ولا يدركهم الآخرون». فقيل له: نحن ثمانية؟ فقال: هكذا سمعت.

قال: فلما صار يوم موتهم فتحوا باب السجن. فوجدوهم كلهم موتى إلا أنا، فإنهم أدركوني وبي رمق، فسقوني ماء، وأخرجوني، فعشتُ. وكان ذلك بعد مدة طويلة أقاموها في السجن، منها ستين يوماً لا يعرفون فيها الليل من النهار، ولا يعرفون أوقات الصلاة، إلا بتسبيح علي بن الحسن وتلاوته([2]).

وقد تقدم الكلام عن جماعة من بني الحسن، ولا ندري أهم هؤلاء أم هم غيرهم؛ لأنه يجوز أن يكون هؤلاء في سجن وأولئك في سجن آخر، وقد ماتوا في يوم واحد.

***

وفيه من سنة 169 توفي الخليفة الثالث من خلفاء بني العباس محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، وله من العمر حينئذٍ ثلاث وأربعون سنة، ومدّة خلافته عشر سنين وشهر وخمسة عشر يوماً.

ولما مات لبست جواريه وغيرهن من نساء حشمة المسوح والسواد جزعاً عليه، فقال في ذلك أبوالعتاهية إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني، المولود سنة 130، والمتوفى سنة 211 هجرية:

رحن في الوشي وأصبحـ *** ـن عليهنّ المسوحُ
كل نطاح وإن عا *** ش له يوماً نَطوحُ
لست بالباقي ولو عُمّـ *** ـرت ما عُمّر نوحُ
فعلى نفسك نُحْ إن *** كنت لابدّ تنوحُ([3])

***

وفيه من سنة 240 هجرية توفي ببغداد القاضي أحمد بن أبي داود الأيادي الذي تولى القضاء نحو أربعين سنة، ابتداءً من آخر عهد المأمون، وهو الذي خلق محنة القول بخلق القرآن، وقتل على ذلك وسجن وعذب ونفي. وكان ممن نال منه المحنة والأذى والسجن والضرب الإمام أحمد بن حنبل وما زال يفعل ذلك إلى أن أدخلوا عليه يوماً من الأيام شيخاً مقيّداً مكبلاً، فسأله ابن أبي داود عن رأيه في القرآن: أهو مخلوق أم لا؟ فقال له الرجل: أخبرني عن هذا القول الذي تدعو الناس إلى القول به في القرآن، أهو شيء دعا إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا. قال: أهو شيء دعا إليه الخلفاء الراشدون بعده؟ قال: لا. قال الشيخ: فشيء لم يدعُ إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يدعُ إليه أحد من الخلفاء الراشدين بعده، لا يخلو أن تقول: علموه، أو جهلوه؛ فإنْ قلتَ: علموه، وسكتوا عنه، وسعني وإياك من السكوت ما وسعهم؛ وإنْ قلتَ: جهلوه، وعلمته أنت، فيا لكع ابن لكع، يجهل النبي (صلى الله عليه وآله) والخلفاء الراشدون بعده شيئاً وتعلمه أنت. فضحك الواثق، وأطلق الشيخ، وعدل عن القول بخلق القرآن([4]).

قال صاحب (الكنى والألقاب): وكان ابن أبي داود ممن سعى في قتل مولانا الجواد (عليه السلام)، وممن حمل المعتصم على اغتياله، فابتلي في آخر عمره بنكبة الزمان، والفالج، وتوفي بعد ثكله بولده محمد بنحو عشرين يوماً. ورحم الله من قال:

لدغته أفعاله أي لدغ *** رب نفس أفعالها أفعاها([5])

﴿فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ([6]).

***

وفيه من سنة 438 هجرية توفي المفسر المشهور أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي المحدث النيسابوري، صاحب التفسير الكبير الذي يروي عنه صاحب الكشاف وغيره حديث «من مات على حب آل محمد مات شهيداً»([7])… إلى آخره، وصاحب كتاب (العرائس في قصص الأنبياء). وقد روي فيه في الباب الثاني عشر، في قصة حزقيل مؤمن آل فرعون، عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «سباق الأمم ثلاثة لم يكفروا بالله طرفة عين: حبيب النجار مؤمن آل يس وحزقيل مؤمن آل فرعون وعلي بن أبي طالب مؤمن آل محمد (صلى الله عليه وآله)، وهو أفضلهم»([8]). وذكر فيه في باب وفاة موسى (عليه السلام) أن الله بعث بعده يوشع بن نون نبياً، وأمره بقتال الجبابرة، فقاتلهم، ورد عليه الشمس حتى فرغ من أمرهم. ثم بعد ذلك ذكر حديث أسماء بنت عميس في ردّ الشمس لعلي (عليه السلام). رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم، أو الذي قبله، من سنة 792 هـ توفي بسمرقند سعد الدين بن عمر بن عبد الله الشافعي، ونقل ودفن بسرخس. كان ممن قرأ على قطب الدين محمد بن محمد الرازي الشيعي البويهي المتوفى بتاريخ 12/ 11/ 776 هجرية. وقد شرح (التصريف) وله من العمر 16 سنة، وشرح (تلخيص المفتاح) وله عشرون سنة، ثم اختصره بعد ثمانٍ وعشرين سنة.

قال صاحب (كتاب وقايع الشهور والأيام)، بعدما ذكر عن المترجم ما ذكره: ولاغرو؛ فإني كتبت إيضاح الطريق في المحاكمة بين الأصوليين والأخباريين، ووثيقة الفقهاء في الفقه الاستدلالي، وصرت مجازاً من فقهاء النجف الأشرف ولي اثنتان وعشرون سنة، رحم الله الجميع برحمته.

***

وفيه من سنة 986 هجرية، الموافق 1/ 4/ 1578 م ولد العالم الإنجليزي (وليم هارفي)، مكتشف الدورة الدموية في عام 1657 م.

***

وفيه، أو في الثالث والعشرين من ربيع الثاني، سنة 1209 هجرية توفي بالنجف الأشرف الشيخ محمد مهدي النراقي، صاحب كتاب (جامع السعادات)، وغيره من الكتب النافعة. وكان& من تلامذة الوحيد البهبهاني، المتوفى سنة 1208 هجرية. وسيأتي الكلام على ولده الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد مهدي النراقي بتاريخ 23/ 4/ 1245 هجرية، وأنه من أساتذة الشيخ الأنصاري، المتوفى بتاريخ 18/ 6/ 1281 هجرية، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفيه من سنة 1381 هجرية توفي العلامة الجليل الشيخ محمد حسين المظفر (رحمه الله).

***

وفي يوم الأربعاء 23/ 1/ 1427 هجرية اعتدى الإرهابيون بالعراق على مرقد الإمامين الزكيين الإمام الهادي والإمام العسكري (عليهما السلام) بالمتفجرات، مما أدى إلى تخريب القبة المقدسة، وأجزاء كبيرة من الحرم الشريف. وقد أرادوا بذلك جر الشيعة إلى دوامة العنف الطائفي والصراعات المذهبية التي حرمها الإسلام الحنيف، ولكن مراجع الشيعة العظام، وفي طليعتهم آية الله السيستاني (حفظه الله) أعلنوا حرمة التعدي على مقدسات إخوانهم السنة، وحرمة مؤاخذة الأبرياء بما فعله السفهاء.

وحسبكُمُ هذا التفاوت بيننا *** وكل إناء بالذي فيه ينضح([9])

____________________

([1]) الكهف: 19 ـ 20.

([2]) مقاتل الطالبيين: 131.

([3]) تاريخ الطبري 6: 393. الكامل في التاريخ 6: 82.

([4]) التذكرة الحمدونية 9: 252 ـ 253.

([5]) الكنى والألقاب 1: 194.

([6]) الزلزلة: 7ـ 8.

([7]) تفسير الثعلبي 8: 314.

([8]) مناقب آل أبي طالب 1: 290. تفسير البحر المحيط 7: 314.

([9]) وفيات الأعيان 2: 365.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top