حدث في مثل هذا اليوم ( 1 ربيع الأوّل)

حدث في مثل هذا اليوم ( 1 ربيع الأوّل)

قال الأمين في (الأعيان): إن النبي (صلى الله عليه وآله) عسكر في غرة ربيع الأول سنة 6 هـ في مئتي رجل، ومعهم عشرون فرساً، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مكتوم، وخرج يجدّ السير إلى بني لحيان ـ وكانوا بناحية عسفان ـ خرج إليهم يطالب بأصحاب الرجيع الذين استشهدوا في شهر صفر سنة 4 من الهجرة، كما تقدم بتاريخ 6/ 2، وواصل السير حتى أتى بطن غران ـ وهي منازل بني لحيان، وبينها وبين عسفان خمسة أميال، وهو المكان الذي قتل به أصحاب الرجيع من المسلمين ـ فترحم النبي (صلى الله عليه وآله) عليهم، ودعا لهم. ولما سمعت بنو لحيان بقدومه (صلى الله عليه وآله) هربوا إلى رؤوس الجبال، فأقام يوماً أو يومين، وبعث السرايا من أصحابه الذين كانوا معه من كل ناحية، فلم يقدروا على أحد منهم، فخرج حتى أتى عسفان ليُري أهل مكة أنهم قد جاؤوها، وبعث رجلين من أصحابه حتى بلغا كراع الغميم، ثم رجع إلى المدينة بعد أن غاب عنها أربع عشرة ليلة، رجع (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: «آيبون تائبون، إلى ربنا حامدون»([1]).

***

قالوا: وفي ليلته وكانت ليلة الأربعاء من سنة 11 من الهجرة وارى المسلمون جثمان نبيهم المقدس في البقعة الطاهرة. وروي أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) لما سمعت صوت المساحي نادت: «يا معشر المسلمين، كيف طابت نفوسكم أن تهيلوا التراب على وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟([2]). اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تضلّنا بعده؛ إنك رحيم كريم.

***

قال الشيخ محمد الخضري في كتابه (المحاضرات): إنه لما بايع الناس علياً (عليه السلام) بالخلافة، أرسل إلى معاوية يطلب منه البيعة، فلما قدم عليه رسوله لم يكتب له معاوية بشيء، ولم يجبه إلى شيء، حتى إذا كان الشهر الثالث من مقتل الخليفة عثمان أراد معاوية أن يعلن خلافته بالشام، فدعا رجلاً من بني عبس ودفع إليه طوماراً مختوماً عنوانه (من معاوية إلى علي).

وقال له: إذا دخلت المدينة فاقبض على أسفل الطومار وارفعه؛ حتى يراه الناس. فلما قدم العبسي المدينة ـ وكان ذلك في غرة ربيع الأول أي في هذا اليوم 1/ 3/ 35 هجرية ـ رفع الطومار كما أمره معاوية، وخرج الناس ينظرون، ثم تفرقوا إلى منازلهم وقد علموا أن معاوية معترض.

ومضى الرسول حتى دخل على علي (عليه السلام) فسلم إليه الطومار، ففتحه فلم يجد فيه شيئاً، فسأل الرسول: «ما وراءك». قال: إني تركت قوماً لا يرضون إلّا بالقود. قال: «ممن؟». قال: من خيط نفسك، وتركت ستين ألف شيخ يبكي تحت قميص عثمان، وهو منصوب لهم قد ألبسوه منبر دمشق. فقال علي (عليه السلام): «مني يطلبون دم عثمان، اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان»([3]).

***

في ليلة هلال ربيع الأول ـ وكانت ليلة خميس ـ سنة 13 من البعثة النبوية المباركة خرج النبي (صلى الله عليه وآله) وصاحبه إلى الغار، وبات علي (عليه السلام) على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) يفديه بنفسه، ويقيه بروحه. وقد روى الحموي في كتابه (ثمرات الأوراق)([4]) نقلاً عن التنوخي في (المستجاد)([5]) أنه لما بات (عليه السلام) على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله)، أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل: «إني آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة؟». فاختار كل منهما الحياة، فأوحى الله إليهما: «ألا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه وبين نبيي محمد (صلى الله عليه وآله)، فبات على فراشه يفديه بنفسه، ويؤثره بالحياة؟ اهبطا إلى الأرض واحفظاه من عدوه». فكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: «بخ بخ من مثلك يابن أبي طالب، وقد باهى الله بك الملائكة؟». فانزل الله تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاةِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ([6]).

ومما ينسب إليه (عليه السلام) من الشعر في تلك المناسبة أنه قال:

وقيت بنفسي خير من وطئ الحصى *** ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجرِ

محمد لما خاف أن يمكروا به *** فوقَّاه ربي ذو الجلال من المكرِ

وبات رسول الله في الغار آمناً *** هناك وفي حفظ الإله وفي سترِ

وبت أراعيهم متى يقصدونني *** وقد وُطِّنت نفسي على القتل والأسرِ(([8])

***

وفيه من سنة 64 هجرية توفي المسور بن مخزمة الزهري الصحابي الذي كان مولده بمكة بعد الهجرة بسنتين. وكان فقيهاً من أهل العلم والدين، روي أنه كان مع خاله عبد الرحمن بن عوف في أمر الشورى([9]).

ولم يزل مقيماً بالمدينة إلى أن قتل الخليفة عثمان، ثم سار إلى مكة، ولم يزل بها حتى توفي معاوية، فكره بيعة يزيد، فأقام بمكة مع عبد الله بن الزبير، وما زال حتى قدم الحصين بن نمير في جيش من الشام لقتال ابن الزبير بعد واقعة الحرة. وفي اليوم الأول من ربيع الأول سنة 64 كان يصلّي بحِجْر إسماعيل إذ جاءه حَجَر من قوم الحصين بن نمير فقتله (رحمه الله).

***

قال صاحب كتاب (وقائع الشهور والأيام): وفيه بعد موت النبي (صلى الله عليه وآله) بثلاثة أيام جاء رجل من اليهود من الشام وأسلم، ثم تمنى أن يموت لحينه، فمات ودفن بالبقيع (رحمه الله).

***

وفي غرة هذا الشهر من سنة 143 هجرية مات أميرالمدينة من قبل المنصور الدوانيقي داود بن علي بن عبد الله بن العباس؛ لأنه قتل المعلّى بن خنيس مولى الإمام الصادق (عليه السلام)، فقال له الإمام الصادق (عليه السلام): «قتلت مولاي وأخذت مالي، أما علمت أن الرجل ينام على الثكل ولا ينام على الحَرَب؟ أما والله لأدعون الله عليك». فقال داود كالمستهزئ: أتهددنا بدعائك؟ فرجع الصادق (عليه السلام) إلى داره ولم يزل يدعو عليه حتى صار وقت السحر، وإذا بالنائحة في دار داود؛
لأنه هلك([10]).

قالوا: وكان سبب قتل داود للمعلى بن خنيس أنه أراد منه أن يعرّفه بأصحاب الإمام الصادق (عليه السلام)، ويدله عليهم، فأبى خوفاً عليهم منه، فقتله.

***

في هذا اليوم 1 /3/ 172 دخل إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن السبط (عليه السلام) المغرب. وكان في أول الأمر مع ابن عمّه الحسين بن علي بن الحسن ابن الحسن السبط (عليه السلام) شهيد فخ، فلما قتل ابن عمه بفخ، فر إلى مصر، ثم تمكن من الفرار إلى مراكش بمساعدة عامل البريد في مصر واضح مولى صالح بن منصور، فنزل بمدينة «أوليلى» بالتاريخ المذكور 1 /3/ 172، فأعظم مقدمه وشأنه الأمير إسحاق بن محمد أمير «أوربه» من البربر؛ لأنه من أبناء علي وفاطمة (عليهما السلام)، وحشد له المغاربة، ودعاهم إلى بيعته، فأطاعه الناس لمحبتهم لأهل بيت نبيهم (صلى الله عليه وآله)، فبايعوه يوم الجمعة 4/ 9/ وبلغ الرشيد ذلك فأمر بقتل عامل البريد واضح الذي ساعد إدريس على الوصولإلى المغرب فقتل، ولكن الأمر قد تمَّ لإدريس المذكور في مراكش، واتخذ له جيشاً عرمرماً من قبايل زناته وأوربه وصهناجة وهوارة وغيرهم، وأخذ في فتح الحصون المجاورة التي كانت بأيدي النصارى واليهود، وأجبرهم على الإسلام، ثم شرع في فتح تلمسان، وهي باب أفريقيا، فصالحه أميرها محمد بن خرز، وبايعه بالخلافة.

كل هذا والرشيد يفكر في أمر الإيقاع به، وكان يرى أن إرسال الجيوش إليه أمر عسير؛ لبعد المسافة بين البلادين، فأرسل إليه رجلاً اسمه سليمان بن جرير الشماخ، وأعطاه أموالاً كثيرة، وأمره باغتياله. وكان الشماخ هذا أديباً فاضلاً حسن المحاضرة، فلما قدم على إدريس أظهر له ولاء العلويين وكراهة العباسيين، فأكرم إدريس وفادته، وتبين له ما فيه من الأدب والفضل، فقربه. وكان الشماخ قد أعد له طيباً مسموماً، فلما آنس من إدريس المودة أهدى إليه ذلك الطيب بعد أن بالغ في وصفه بالجودة والمنفعة، فما شمه إدريس حتى غشي عليه، فخرج الشماخ وركب فرسه وهرب. فلما أدرك خاصّة إدريس ما حل به، وعلموا بهرب الشماخ، أدركوا أن الأمر منه، فجدوا في طلبه، فأدركه راشد مولى إدريس، فضربه بسيفه فقطع يده وشج رأسه، ولكنه لم يتمكن من قتله؛ لأن فرسه قد فرّ به حتى أوصله إلى بغداد.

ومات إدريس، ولكن دولته لم تمت؛ فقد قام بالأمر مولاه راشد، وأقنع الناس بأن زوجة إدريس حامل؛ فإن وضعت ولداً فبايعوه، والا فاختاروا لأنفسكم. فرضوا بذلك. واستمر راشد يدبر الأمور إلى أن وضعت زوجة إدريس، فجاءت بولد فسموه باسم أبيه، وبايعوه خليفة بعده.

وكان وضعه يوم الاثنين بتاريخ 3 /8/ 177 هجرية، وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله بالتاريخ المذكور.

***

وفي هذا اليوم 1 /3/ 562 هجرية توفي بمرو المؤرخ أنسابه أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني المروزي صاحب كتاب (الأنساب) وكتاب (فضائل الصحابة) وغيرهما من الكتب النافعة. وكان مولده بتاريخ 21 /8/ 506؛ وعليه فيكون عمره 56 فقط. وكان أبوه وجده من العلماء والمحدثين، بل كان جده أبو المظفر وحيد عصره وكان حنفياً، فانتقلإلى مذهب الشافعي، وصار إماماً للشافعية يفتي ويدرس على مذهبهم بعد أن كان إماماً للحنفية أكثر من ثلاثين سنة. وقد أوجب انتقاله من الحنفية إلى الشافعية اضطراباً في الفريقين، وكادت أن تقع بينهم فتنة وتوفي بمرو سنة 489 وتوفي ولده محمد بمرو أيضاً سنة 510، وتوفي حفيده عبد الكريم صاحب الترجمة بمرو أيضاً بتاريخ 1/ 3/ 562 هجرية. رحم الله الجميع برحمته. وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم من الشهر المذكور سنة 1306 توفي الزعيم القطيفي الكبير، والشاعر الشهير، الحاج أحمد بن مهدي بن نصر الله أبو السعود القطيفي. ذكره صاحب (الأعيان)([11]) فأثنى عليه بأجمل الثناء؛ فهو أحد مفاخر القطيف. وقد أكثر (رحمه الله) من الشعر حتى ترك ديواناً ضخماً يقع في أربعة مجلدات. وقد جارى في شعره المعلقات السبع، وجارى ابن أبي الحديد في العلويات السبع. وقد ترجم له الاُستاذ صاحب كتاب (شعراء القطيف)([12] وأثنى عليه. رحمهم الله برحمته.

______________

([1]) أعيان الشيعة 1: 267.

([2]) سنن الدارمي 1: 41. عمدة القاري 18: 75.

([3]) انظر أعيان الشيعة 1: 447.

([4]) ثمرات الأوراق: 97.

([5]) المستجاد من فعلات الأجواد: 1، 97.

([6]) البقرة: 207.

([7]) ديوان أمير المؤمنين 1: 94. ثمرات الأوراق: 97.

([8]) وبناء على صحة هذا الحدث الجليل يكون هذا الشهر هو أول شهور السنة الهجرية. وإذا صح ما يحتمله البعض من أن الشمس كانت في ذلك الشهر الذي هاجر فيه الرسول| في برج الحمل الذي هو أول بروج السنة الشمسية عند الفلكيين، فقد وافق ابتداء السنة الهجرية مع ابتداء السنة الشمسية. وإذا كانت كل مائة سنة شمسية تعادل مائة وثلاث سنين قمرية كما أشارت الآية الكريمة في قوله تعالى عن أهل الكهف: ﴿وَلَبِثُوا في كَهْفِهِمْ ثلاثمئة سنين وازدَادُوا تِسعاً﴾؛ لأن السنة الشمسية تزيد على السنة القمرية ما يقارب أحد عشر يوماً، نكون الآن ونحن في سنة 1435هجرية قمرية في سنة 1392 هجرية شمسية.

المؤلف.

([9]) الطبقات الكبرى 3: 133، تهذيب الأسماء 2: 114 /573.

([10]) اختيار معرفة الرجال 2: 675.

([11]) أعيان الشيعة 3: 184.

([12]) شعراء القطيف 1: 187 / 25.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top