خطبة الجمعة 18/ 11/ 1432هـ- فضيلةالحج

خطبة الجمعة 18/ 11/ 1432هـ- فضيلةالحج

أحمده على نعمه خاضعا لجلال عزته، مستعصما به عن معصيته، وطامعا في عفوه ورحمته، ومقرا لعظيم قدرته، خلق الإنسان علمه البيان، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

خذني لدنيا بلا كد ولا كبدي  *  رباه يا منتهى الآمال هاك يدي

بالحق يا مالئ الأيام بالسعد * أرجوك يا واهب الأرواح شقوتها

واسكب على جانحي من حبك الأبدي * طهر فؤادي من حانات نشوتها

      آلآؤه الزاكيات الكون بالمدد * مولاي إن ضاق عن شكواي من وسعت

بالعطف غير يد للواحد الأحد * من ذا سيوسعني حلما ويشملني

قال تعالى: ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا )) آل عمران:97.

لقد أجمع علماء الإسلام على وجوب الحج وإنه من أركان الدين الإسلامي، وأن وجوبه من الضروريات، وإنكاره كفر، وتركه عمدا من المعاصي الكبيرة، وعن الرسول (ص): (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام شهر رمضان). وروي عنه (ص) إنه قال: (بني الإسلام على خمسة: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج).

   وقد أمر الرسول (ص) بأداء هذه الفريضة، فقد روي عنه إنه قال: (يا أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا). وروي عنه (ص) إنه قال: (من وجد زادا وراحلة يبلغانه بيت الله تعالى ولم يحج حتى مات، فليمت إن شاء يهوديا، وإن شاء نصرانيا). وعن الإمام الصادق (ع) إنه قال: (من مات ولم يحج حجة الإسلام ولم تمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهوديا أو نصرانيا).

   وقد ذكر الفقهاء الشروط التي ينبغي أن تتوفر في وجوب الحج، ومنها: الاستطاعة والعقل والحرية وغيرها، وهي واجبة في العمر مرة واحدة، ويستحب تكرارها في كل عام.

    وقد تحدثت الروايات عن فضله وثوابه، وأن الحاج ضيف الله سبحانه وتعالى ومن الوافدين عليه، وقد ورد في الرواية عن رسول الله (ص) إنه قال: (وفد الله ثلاثة: الحاج والمعتمر والغازي، دعاهم الله فأجابوه وسألوه فأعطاهم) وقال (ص): (يا أبا ذر إجلس بين يدي، إعقد بيدك، من ختم له بشهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة ـ إلى أن قال ـ من ختم له بحجة دخل الجنة، ومن ختم له بعمرة دخل الجنة).

   وعن الإمام الصادق (ع) عن آبائه قال: الحاج والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن شفعوا شفعهم، وإن سكتوا بدأهم، ويعوضون بالدرهم ألف ألف درهم).

وروي عن الصادق عن أبيه عن آبائه (ع) أن رسول الله (ص) لقيه إعرابي فقال له: يا رسول الله إني خرجت أريد الحج ففاتني، وإني رجل ميل ـ يعني كثير المال ـ فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج؟ قال فالتفت إليه رسول الله (ص) فقال له: انظر إلى أبي قبيس فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت به ما يبلغ الحاج، ثم قال: إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلا كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب له مثل ذالك، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه.

قال: فعدد رسول الله (ص) كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاج خرج من ذنوبه، ثم قال: أنى لك أن تبلغ ما يبلغ الحاج).

وروي عن الإمام الصادق (ع) قال: (الحاج يصدرون على ثلاثة أصناف: فصنف يعتقون من النار، وصنف يخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصنف يحفظ في أهله وماله، فذاك أدنى ما يرجع به الحاج). وروي عنه (ع) أنه قال: قال رسول الله (ص): (الحج والعمرة تنفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد). وقال (ع): (سوقان من أسواق الآخرة، الآزم لهما في ضمان الله، إن أبقاه أداه إلى عياله، وإن أماته أدخله الجنة).

   أيها الحاج الكريم، إن من خير الوصايا عدة أمور:

أولاً: التوبة بشروطها، والابتعاد عن معاصي الله.

ثانياً: مراقبة الذات ومحاسبة النفس، ومداواة القلب بالاستغفار والإقبال على الله تعالى بحب وإخلاص.

ثالثاً: مصاحبة أهل العلم والدين والورع، والابتعاد عن هتك الحرمات والغيبة والنميمة.

رابعاً: أداء الفرائض في أوقاتها، وأداء النوافل خاصة صلاة الليل.

خامساً: قراءة القرآن الكريم، والأدعية الواردة، وإتيان المساجد وقراءة دعاء الفرج، وزيارة المعصومين (ع) والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، وطلب العودة فإنه يطيل العمر.

سادساً: التعاون فيما بين الحجاج وخدمتهم والتعامل معهم بالإحسان قال تعالى: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)).

تيقظ لكي تزداد في الزاد واغتنم * تنبه فقد وافتكم الأشهر الحرم

   لشكر إله تم في لطفه وعم * فقم في لياليها وصم في نهارها

تهجد وكم صب من الليل لم ينم * ولا تهجعن في الليل إلا أقله

بأحسن صوت نوره يشرق الظلم * ورتل كتاب الله واقرأه ما كثا

وأخطأ من غير الذي قلته زعم *  فلم تحظ بل لم يحظ قط بمثله

  بقية آل الله كن عبده السلم  *  وسلم على أصل الكتاب وفضله

فقد ضل في إنكاره أعظم النعم * فمن دان للرحمن في غير حبهم

هم العروة الوثقى فبالعروة اعتصم * فحبهم حب الإله استعد به

معانيه كي ترقى إلى أرفع القمم * ولا تك بالآهي عن القول واعتبر

ولا تأن فيه لا تقل كيف ذا وكم * عليك بذكر الله في كل حالة

لحرماته فيها وعظمه والتزم * فهذا حمى الرحمن فدخل مراعيا

فإن قلت ربي الله يا صاح فاستقم * فمن يعتصم بالله يهدى صراطه

   اللهم اجعلني ممن استجاب لك، وآمن بوعدك، واتبع أمرك، فإني عبدك وفي قبضتك، لا أوقى إلا ما وقيت، ولا آخذ إلا ما أعطيت، والحمد لله رب العالمين.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top