العلامة الشيخ المحمدي البامياني في ذمة الله
انتقل الى رحمة الله تعالى العلامة الشيخ المحمدي البامياني تغمده الله برحمته مؤلف كتاب دروس في الرسائل وكتاب دروس في الكفاية
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، والصلاة والسلام على رسوله (ص) وآله (عليهم السلام)، ومن والاهم ووالاه، وبعد:
قال الله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾. وقال عزّ من قائل: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾.
إلى الله المشتكى من حدث فت في العضد، وإليه الملتجا من خطب أوهى من قوى الجسد لفقد من ألقى عصا طلب العلم بدار الهجرة والاغتراب، بعد أن هاجر وسعى مجاهداً من أجل نشر علوم ترجمان الكتاب (عليهم أفضل الصلاة والسلام ما طلعت شمس أو توارت خلف حجاب)، فجعل من نشره لها شعاراً، ومن تبسيطها لطالبيها ومريديها دثاراً؛ فرحمه الله كما علا لها قتباً، وزاد في برّه إذ أجاد منها سبباً دون أن يطلب من فانيها شيئاً، ولا من زائلها فيئاً، مستغنياً عنها بمصاحبة اليراع والكتاب، ومذاكرة صحائف علوم أولي الألباب، ورضي من الغنيمة فيها بالإياب، مكتفياً منها بطلب الأجر منه تعالى والثواب، والقرب من ربّ الأرباب، وساحة قدس أوليائه الأطياب، قريني القرآن وعدل الكتاب.
فبقلوب مؤمنة رضيت بقدر الله وقضاه، ونفوس يملؤها الحزن والأسى لفقد من غيبه صعيدها وثراه تنعى مؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر متمثلة بكادرها الإداري والعلمي للامة الإسلامية نبأ وفاة حجة الإسلام والمسلمين الشيخ المحمدي البامياني. وبهذه المناسبة الأليمة والفاجعة الجسيمة تتقدم بتعازيها الخالصة لساحة قدس إمام العصر والزمان(ع)، ولعلمائنا الأعلام فعند الله نحتسبه، ونسأل الله سبحانه أن يتغمد روحه بواسع برّه ورحمته، وان يسكنه الفسيح لعامر من جنته مع النبي الأكرم (ص)، والصادقين والأبرار من عترته، ولا تملك إلّا أن تقول: ﴿إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
مؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر
ترجمة العلامة الشيخ المحمدي البامياني
بسم الله الرحمن الرحيم
بطلب من بعض الأحبّة أن أكتب نبذة موجزة من حياتي ومسيرتي العلمية كتبت هذا المختصر إجابة له، فأقول:
ولدت عام 1354 هـ/ 1934 م، وحينما بلغت سنّ العاشرة شرعت في حفظ القرآن الكريم ودراسة الكتب المتعارف تعليمها للأطفال آنذاك، ومنها ديوان حافظ. وقد استغرقني ذلك عاماً واحداً، ثم انقطعت عن الدرس حتى سنّ التكليف الشرعي، حيث عدت لما انقطعت عنه من الدرس وطلب العلم. وفي هذه المرحلة درست كتاب جامع المقدّمات، فازداد تعلّقي ورغبتي بطلب العلم، وازددت شغفاً في تحصيل العلوم الدينية والمسائل الشرعية.
وبعد أن عزمت على مواصلة التعلّم بدافع من تلك الرغبة وذلك الشغف قصدت «المشهد المقدّس»؛ لتحقيق ذلك الشوق إلى العلم، وكان ذلك عام 1379 هـ / 1959 م.
وكان غرضي من ذلك دراسة الأدبيات فيه، ثم شدّ الرحال إلى مركز العلم مدينة النجف الأشرف؛ فكان أن درست هناك:
1ـ السيوطي، وقد حضرته عند حجة الإسلام والمسلمين الشيخ رجب علي النجفي، مدرس الأدبيات فيها آنذاك، وهو من الطائفة الخاورية.
2ـ حاشية المعالم، وقد حضرتها عند حجة الإسلام والمسلمين السيد الميرزا حسن الصالحي، أحد العلماء المبرَّزين في تدريس موادّ السطوح العالية، وهو من سادات الطائفة الخاورية أيضاً.
3ـ مقداراً من القوانين، وقد حضرته عند الحجة السيد حسن الصالحي المذكور.
4ـ المطوّل، وقد حضرته عند الأديب الهروي المعروف بالنيسابوري.
5ـ شرح النظام، وقد حضرته عند الأديب النيسابوري أيضاً.
وقد سمعته غير مرّة وأنا في درسه يقول: سافرت مع أبي من هراة إلى «المشهد المقدّس» وأنا ابن عشر سنين. وانتسابه إلى هراة مثبت عندي بقلمه في أول كتابه گوهر دانش، وهو باللغة الفارسية.
وقد كلّفني دراسة ذلك أربع سنوا ت من عمري شددت الرحال بعدها إلى حاضرة العلم مدينة النجف الأشرف، وقد وطئتها قدماي عام 1383 هـ / 1963 م. فوجدتها غاصّة بأهل العلم وطلّابه الذين لم يكن لهم من هّم إلّا تحصيل علوم أهل البيت (عليهم السلام) بجدّ ونشاط بالغين، ورأيتها مزدانة بعلمائها الذين تتزاحم على دروسهم جموع الطلبة. وكانت كثيرة المدراس، وأشهرها جامعة النجف الدينية التي أسّسها حجّة الإسلام السيّد محمد كلانتر (رحمه الله) على نفقة الخيّر الحاج محمد تقي الاتّفاق الطهراني (نسألة الله أن يجزل له العطاء، وأن يبقيها عامرة بالعلم وطلّابه، وأن يحفظها من البلايا والآفات).
وبعد بضعة أشهر من مقامي في النجف انتميت إلى هذه الجامعة المباركة، فدرست فيها:
1ـ شرح اللمعة الدمشقية، وقد حضرته عند حجة الإسلام الشيخ غلام رضا الباقري الأصفهاني.
2ـ المكاسب، وقد حضرته عند الحجة الأصفهاني نفسه أيضاً.
3ـ الرسائل، وقد حضرته عند الحجة الإسلام والمسلمين الشيخ رضا السرابي، المشهور بالملكوتي أحد أئمة الجمعة في مدينة تبريز.
4ـ الكفاية، وقد حضرتها عند الحجة السرابي أيضاً.
وقد أكملت هذه الدروس خلال فترة خمس سنوات، حضرت بعدها دروس البحث الخارج عند آية الله العظمى زعيم الحوزة العلمية السيد الخوئي (رحمه الله) في علمي الفقه في كتاب العروة الوثقى، والأصول، وبعد أن ترك بحث خارج الأصول حضرته عند آية الله العظمى البجنوردي صاحب كتاب منتهى الأصول، ثم حضرت بحث الخارج في الفقه عند الإمام الخميني (رحمه الله) في كتاب المكاسب.
وكنت خلال ذلك مشغولاً بتدريس جميع كتب السطوح للطلبة هناك.
وكنت عازماً على ألّا أفارق العراق لشّدة تعلّقي بالعلم ورغبتي في طلبه، وكان هدفي أن أنال رتبة الاجتهاد، لا ليقلّدني الآخرون، بل رغبة في تعرف أحكام الدين، ونيل أجر المجتهدين. لكن الظروف القاهرة قد ألجأتني إلى ترك العراق، فقصدت سورية عازماً على التوجّه منها إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج المقدسة، وكان ذلك عام 1395 هـ / 1975م. فبقيت فيها أياماً ثم شددت الرحال إلى مكة المكرمة. وبعد أداء فريضة الحج عدت إلى سورية. وكنت حينها عازماً على الرجوع إلى بلدي لحاجتها إليّ، وكنت قد وطّنت النفس على ذلك لولا أن اعترضتني دعوة وصلتني من الشهيد السيد حسن الشيرازي، فقصدته إلى الفندق الذي ينزله، فوجدته في صالة الفندق مع مجموعة من الفضلاء، فلما رآني استقبلني بحرارة، ثم طلب أن نتفرد في إحدى غرف الفندق حيث طرح علي موضوع إقامتي في سروية ومباشرة التدريس في حوزته التي أقامها في منطقة السيدة زينب (عليها السلام). وكان جبلاً من الوقار، لكني اعتذرت إليه متعلّلاً بحاجة بلدي إليّ. فكرّر الطلب وكرّرت الاعتذار حتى فاجأني بقوله: «يا محمدي، ليست هناك من بقعة من بقاع المسملين بحاجة إلى تبليغ مذهب أهل البيت (عليهم السلام) مثل هذه البقعة».
فأثّرت هذه العبارة فيّ كثيراً، وكانت السبب في أن أتراجع عن موقفي الرافض للبقاء في سورية، دون أن أصرّح له بذلك، حيث انتظمت بعد ذلك في سلك التدريس في هذه الحوزة مع جملة من زملائي من العلماء الأفاضل. ومنهم:
1ـ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد علي الفاضل.
2ـ حجة الإسلام والمسلمين السيد قاسم الرضوي.
3ـ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ جمعة المقدّس.
4ـ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد حسن النوري.
5ـ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ نصر الله الناصري.
6ـ حجة الإسلام والمسلمين الشيخ محمد حسين المعروف بالآخوند التركستاني.
وقد تحمّلت جرّاء بقائي في سورية جميع المشقات المادية والمعنوية، وكل ذلك من أجل حفظ هذه الحوزة.
وقد كنت أدرّس فيها سبعة دروس يومياً: ابتداءً من السيوطي، وانتهاءً بالكفاية.
أما مؤلّفاتي، فمنها ما هو مطبوع ومنها ما هو غير ذلك، ومن المؤلفات المطبوعة:
1ـ دروس في الكفاية([1]).
2ـ دروس في الرسائل.
3ـ الخلافة والتغطية الإعلامية.
4ـ دروس في البلاغة.
وقد كتبت هذا المختصر عن حياتي ليبقى ذكراً لي بعد مماتي، اللهم اجعل حياتي مقرونة بما ترضاه، واجعلني بعد وفاتي قرين من رضيت عنه، بحق محمد وآله الطاهرين.
محمد البامياني
الهامش:
________
([1]) منشورات (شركة دار المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) لإحياء التراث) طبع في سبعة مجلدات سنة 1431 هــ.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.