حدث في مثل هذا اليوم (8 ذي القعدة)
في اليوم الثامن من شهر ذي القعدة سنة 5 من الهجرة قتل علي (عليه السلام) عمرو بن عبد ود العامري فارس يليل في واقعة الخندق. وهذا لا يتنافى مع ما قاله كثير من المؤرخين بأن غزوة الاحزاب كانت في شهر شوال؛ وذلك لأن الأحزاب نازلت المدينة بضعاً وعشرين ليلة، فقدومها الى المدينة في شوال، ولكن قتل عمرو بن عبد ود وانصراف الأحزاب كان في ذي القعدة. يقول أهل السير ـ ومنهم صاحب (السيرة الحلبية)([1]) وصاحب (السيرة النبوية)([2]) وغيرهما:([3]) إن جماعة من قريش اقتحموا الخندق منهم عمرو بن عبد ود العامري، وعكرمة بن أبي جهل، وابن عمه هبيرة بن وهب المخزومي، ونوفل بن عبد العزّى، وضرار بن الخطاب ـ أخو الخليفة عمر رض ـ فلما صاروا بالسبخة بين الخندق وسلع، طلب عمرو بن عبد ود المبارزة، فقام علي (عليه السلام) فقال: «أنا له يا رسول الله» فقال النبي (صلى الله عليه وآله): «اجلس، فإنه عمرو». ثم كرر النداء، فقال علي (عليه السلام): «أنا له يا رسول الله». فقال: «اجلس؛ فإنه عمرو». ثم كرر النداء ثالثة، وجعل عمرو يوبخ المسلمين ويقول:
ولقد بححت من الندا *** ء بجمعكم هل من مبارزْ
إن الشجاعة في الفتى *** والجود من خير الغرائزْ
فقام علي (عليه السلام)، فقال: «أنا له يارسول الله». فقال (صلى الله عليه وآله): «إنه عمرو». فقال: «وإن كان عمراً».
فأذن له رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ورفع عمامته إلى السماء، وقال: «إلهي أخذت مني عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر، وأخذت مني حمزة بن عبد المطلب يوم أحد، وهذا علي أخي وابن عمي، فلا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين». فمشى إليه علي (عليه السلام) وهو يقول:
لا تعجلنْ فلقد أتا *** ك مجيب صوتك غير عاجزْ
ذو نية وبصيرة *** والصدق منجٍ كل فائزْ
اني لأرجو أن أقيـ *** م عليك نائحة الجنائزْ
من ضربة نجلاء يبـ *** قى صيتها عند الهزاهزْ
ولما وصل اليه قال له: «إنك كنت تقول: لا يدعوني أحد الى واحدة من ثلاث إلّا قبلتها؟». قال: أجل. قال: «فإني أدعوك الى واحدة من ثلاث: الأولى أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله)». فقال: أخّر عني هذه. قال: «الثانية أن ترجع؛ فإن يكن محمد (صلى الله عليه وآله) صادقاً كنت أسعد الناس به، وان يكن كاذباً كان الذي تريد». قال: هذا مما لا يتحدث به نساء قريش أبداً. قال: «فالثالثة». قال: وما هي؟ قال: «كيف اُقاتلك، وأنت على فرسك، ولكن انزل». فقال: أما هذه الخصلة، فما كنت أظن أن أحداً من العرب يروعني بها، فمن أنت؟ قال: «أنا علي بن أبي طالب». فقال: غيرك يابن أخي من أعمامك من هو أشد منك، فإني أكره أن اُريق دمك؛ لأن أباك كان صديقاً لي. فقال علي (عليه السلام): «ولكني لا أكره أن أريق دمك».
فحمي عند ذلك عمرو ـ أي غضب ـ ونزل عن فرسه، وعرقبه، وضرب وجهه بالسيف؛ لئلّا يفر، وأقبل على علي (عليه السلام)، ودنا كل واحد منهما من الآخر، وثارت بينهما غبرة، ورفع عمرو سيفه كأنه شعلة نار، فاستقبله علي (عليه السلام) بدرقته، فضربها عمرو بسيفه، فقدها وأصاب رأسه فشجه، وضربه علي (عليه السلام) على حبل عاتقه ـ وهو موضع الرداء من العنق ـ فأرداه صريعاً.
وقيل: طعنه في ترقوته، حتى أخرج الطعنة من مراقه. وقيل: قطع رجله، فسقط، وكبّر علي، فكبر المسلمون. قال بعضهم: فما شبهت قتل علي لعمرو إلّا بقوله تعالى: ﴿فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ﴾.
ولما قتل عمرو رجع من اقتحم الخندق من المشركين بخيلهم هاربين، فتورط نوفل بن عبد العزى في الخندق، فجعل المسلمون يرمونه بالحجارة، فجعل يقول: قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، ينزل الى بعضكم اُقاتله. فنزل إليه علي (عليه السلام) فقتله، وألقى عكرمة بن أبي جهل رمحه وانهزم، فعيّره حسان بن ثابت بأبيات قال فيها:
ففر وألقى لنا رمحه *** لعلك عكرم لم تفعلِ
ووليت تعدو كعدو الظليـ *** م ما إن تجور عن المعدلِ
ولم تلقَ ظهرك مستأنساً *** كأن قفاك قفا الفرعلِ
والظليم: الذكر من النعام([4]). والفرعل: صغير الضباع([5]). وقال علي (عليه السلام) مسجلاً لموقفه وموقف خصمه عمرو بن عبد ود:
نصر الحجارة من سفاهة رأيه *** ونصرت رب محمد بصوابي
فصددت حين تركته متجدلاً *** كالجذع بين دكا دك وروابي
وعففت عن أثوابه ولوَ انني *** كنت المقطر بزني أثوابي
لا تحسبن الله خاذل دينه *** ونبيه يا معشر الاحزابِ
قال صاحب (السيرة الحلبية): وذكر بعضهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال عند ذلك ـ أي عندما قتل علي (عليه السلام) عمرو بن عبد ود: «قتل علي لعمرو بن ود أفضل من عبادة الثقلين»([6]).
***
قال صاحب كتاب (التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنجية): وفي إحدى ليالي العشر الأول من ذي القعدة سنة 282هجرية قتل.
خمارويه ملك مصر على فراشه بعد أن حكم (12) سنة، و(18)يوماً. وفي اليوم 12/ 11 بويع بعده ولده أبو العساكر جيش بن خمارويه، ولكنه لم تطل مدته؛ ففي تاريخ 10 / 6/ 283 من الهجرة خُلع جيش بن خمارويه، وقتل في السجن بعد خلعه بأيام يسيرة، وبايعوا بعده أخاه هارون بن خمارويه في يوم خلعه في 10/ 6/ 283. قيل: وكان سبب ذلك أنه قرب الأوباش منه، و هدّد قواد أبيه، فثاروا عليه ونهبوا داره، وخلعوه وسجنوه. وبايعوا أخاه المذكور. رحم الله الجميع برحمته.
***
وفيه من سنة 349هجرية توفي أبو القاسم أنوجور بن محمد بن طغج الملقب بالأخشيد ملك مصر والشام من قبل العباسيين، وتولى بعده أخوه أبو الحسن علي بن محمد. رحم الله المؤمنين برحمته.
***
وفيه في يوم الجمعة سنة 358 من الهجرة أمر جوهر الصقلي المتوفى سنة 381هـ بأن يقول خطيب الجمعة بعد خطبته بمصر: اللهم صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذِينَ أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وصلِّ على الأيمة الطاهرين آباء أمير المؤمنين ـ يعني بذلك مولاه المعز لدين الله المتوفى سنة 365هجرية (رحمه الله) ـ كما ورد في كتاب (الكنى والألقاب)([7]).
***
وفيه من سنة 385هجرية توفي ببغداد أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي الدارقطني الحافظ المحدث الشافعي مصنف كتاب السنن وغيره من الكتب النافعة. ولد ببغداد بمحلة دار القطن سنة 306هـ، فنسب إليها، ورحل إلى مصر إلى ابن خنزابه وزير كافور الأخشيدي، وصنف له (المسند)، وحصل له من جهته مال كثير. ثم رجع إلى بغداد، وتوفي بها، ودفن بالقرب من معروف الكرخي الذي كان نصرانياً فأسلم على يد الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)، وأسلم والداه وتوفي سنة 200، أو أكثر بقليل. رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي اليوم الثامن من ذي القعدة الحرام من سنة 1354هجرية ولد بالنجف الأشرف العلّامة الجليل، والمرجع الديني الشهير، آية الله العظمى السيد محمد سعيد، نجل آية الله السيد محمد علي الحكيم. ويرقى نسبه الشريف من جهة الأبوين الى الإمام الزكي الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام)؛ لأنه ـ حفظه الله ـ السبط الأكبر لسيد الطائفة ومرجعها الأعلى في زمانه السيد محسن الحكيم المتوفى بتاريخ 27/ 3/ 1390هجرية، كما أنه (رحمه الله) خال أبيه ـ حفظه الله ـ ولما أدرك فيه جده الراحل (رحمه الله) النبوغ عهد إليه بمراجعة مسودات موسوعته الفقهية (مستمسك العروة الوثقى) استعداداً لطباعته، فقام بذلك خير قيام.
قالوا: وكان يراجعه في بعض المطالب، وتجري بينهما المناقشة، الأمر الذي اكتشف منه الإمام الراحل ما عليه سبطه من تفوق علمي؛ لذلك طلب منه مراجعة الأجزاء المطبوعة منها. وقد كان لتلمذته على جده الحكيم واُستاذه الجليل آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي المتوفى بتاريخ 5/ 10/ 1394هجرية أبلغ الأثر في سلوكه وتقواه، وورعه وزهده وصلاحه ـ حفظه الله وأبقاه ـ وقد لقي ما لقي من السجن والاضطهاد في عهد الطاغية صدام، حتى كانت نجاته من مخالبه من أعجب عجائب العناية الإلهية، متع الله المؤمنين بحياته، ونفعهم بمعين فيوضاته؛ إنه سميع مجيب.
***
وفي هذا اليوم 8 من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1361هجرية توفي بالبحرين العلّامة الجليل، الشيخ محمد علي ابن الحاج أحمد المتوفى سنة 1317هـ ابن الشيخ محمد علي بن مسعود الجشي البحراني القطيفي، المولود سنة 1300. تربى في حجر والده المفضال ذي الأخلاق الفاضلة، والسجايا الجميلة، والخصال الحميدة، والذي أوقف وحبس الكثير من أملاكه على إقامته مآتم العزاء على أهل العصمة وأبواب الرحمة، ومن جملتها حسينية آل الجشي المشهورة في القطيف. وقد شيع ولده الشيخ المترجم في البحرين بتشييع رهيب حضره الناس على مختلف طبقاتهم، وصلى عليه العلّامة الحجة الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد صالح آل طعان المتوفى بتاريخ 24 /2/ 1381هجرية، ولقنه في قبره وبكى عليه حتى أبكى جميع الحاضرين، وكان مدفنه في مقبرة الحورة.
ولما ورد نعيه الى القطيف غمر أهلها الأسى والحزن لموته، وأقيمت له الفواتح في البحرين والقطيف، ورثاه الشعراء، وأبّنه العلماء والأدباء. وكان ممن رثاه المقدس الشيخ فرج العمران المتوفى بتاريخ 22 /3/ 1398هجرية، فقال في مرثيته:
أفهكذا تتزلزل الأوتادُ *** وتُهزّ فوق وهادها الأطوادُ
إلى آخر القصيدة. ورثاه المقدس الخطيب الشيخ الميرزا حسين البريكي المتوفى بتاريخ 21/ 10/ 1395هجرية، فقال في قصيدته:
توالت بنا الأرزاء واستفحل الخطبُ *** ودارت رحى اللأواء واستعظم الكربُ
توالت علينا ثغرة بعد ثغرة *** فأنجمنا تهوي وأنوارنا تخبو
أرى الموت فينا قد أجاد انتخابه *** قد ابتزنا الغالي وذا مطلب صعبُ
الى آخر القصيدة المذكور في (الأزهار الارجية). رحم الله الجيمع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
______________
([1]) السيرة الحلبية 2: 641 ـ 642.
([2]) السيرة النبوية (ابن هشام) 3: 708 ـ 709.
([3]) رسائل المرتضى 4: 118 ـ 119، الطبقات الكبرى 2: 68 ـ 69، شرح نهج البلاغة 13: 291 ـ 292، 19: 63 ـ 64.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.