حدث في مثل هذا اليوم (23 صفر)
وفي هذا اليوم من شهر صفر ـ وكان يوم الأربعاء ـ عقرت ناقة صالح (عليه السلام) التي ذكرها الله سبحانه في نحو سبع آيات من كتابه المجيد. وقد اشتهر أنها لم تلدها أم من نوعها، وإنما ولدت من صخرة؛ لأن قوم صالح (عليه السلام) لما ألحّ عليهم بالدعوة إلى الله سبحانه طلبوا منه آية تدلهم على صدقه، واقترحوا أن تكون تلك الآية ناقة سوداء الحدق حمراء الوبر تلدها هذه الصخرة، وأشاروا إلى صخرة هناك. فدعا صالح (عليه السلام) ربه، فولدت لهم الصخرة ناقة على الوصف الذي طلبوه، ثم طلبوا أن تلد فصيلاً، فسأل ربه جل وعلا، فولدت الفصيل. وبذلك كملت البينة، وتمت الحجة؛ وحينئذٍ قال لهم أخوهم صالح (عليه السلام): ﴿يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾([1]) .
وقال لهم أيضاً: ﴿هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ * وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾([2]).
فلما عقروها قال لهم صالح (عليه السلام) عن أمر ربه: ﴿تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾([3]) وقيل: إنها عقرت 16/ 4 كما سيأتي. ولما صار بعد ثلاثة أيام نزل بهم العذاب، وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله.
***
وفيه من سنة 4 هـ توفيت فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف. وأمها على ما جاء في (الدمعة الساكبة) فاطمة بنت هرم بن رواحة، وأمها عاتكة بنت أبي همهمة([4]). وهي أم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام). كانت ممن أسلم قديماً، وروت عن النبي (صلى الله عليه وآله) 46 حديثاً، وكانت ذات صلاح ودين، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يزورها ويقيل في بيتها، ويحترمها احتراماً عظيماً. ولما توفيت بالمدينة حزن عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحفر لحدها بيده، وامتد فيه، وألبسها قميصه في أكفانها.
ولما قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ما رأيناك صنعت بأحد مثل ما صنعت بهذه المرأة؟ قال: «إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبرَّ بي منها، وإنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، واضطجعت في لحدها ليهون عليها ما يحصل في القبر». وقد قال في ذلك بعض الشعراء (رحمه الله):
علي ابو السبطين والمرتضى البدرُ *** له بعد طه المصطفى النهي والأمرُ
له فاطم أم وكانت لأحمد *** ببر وإشفاق هي الأم والظئرُ([5])
به آمنت في مكة ثم هاجرت *** إلى يثرب ما شاب إيمانها نكرُ
فجاءته يوماً تشتكي ما لعلها *** تراه عقيب الموت إذ ينقضي العمرُ
فكفّنها خير الورى بقميصه *** وفي قبرها قد نام إذ حفر القبرُ
ولقّنها القول السديد الذي به *** لدى الحشر تنجو حين يجمعنا الحشرُ([6])
رحمها الله برحمته، وأسكنها فسيح جنته.
***
وفي اليوم الثالث والعشرين أو في الذي بعده من الشهر المذكور سنة 385 هجرية توفي أبو القاسم إسماعيل بن عباد الطالقاني المسمى بالصاحب بن عباد، وسيأتي ذكر مولده بتاريخ 16/ 11/ 326، وبذلك يكون عمره
وكان (رحمه الله) وحيد عصره واُعجوبة دهره علماً وأدباً، وكرماً، وشعراً وشجاعة، وعبادة وورعاً، وكان كثيراً ما ينشد لنفسه:
كم نعمة عندك موفورة *** لله فاشكر يابن عبادِ
قم فالتمس زادك وهو التقى *** لا تسلك الطرق بلا زادِ([7])
وله عدّة مؤلّفات نافعة، ومنها كتاب (الإمامة) ذكر فيه كثيراً من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأشعاره في مدائحه كثيرة، ومنها قوله:
من كمولاي علي *** والوغى تحمي لظاها
من له في كل يوم *** وقعات لا تضاهى
كم وكم حرب عقام *** سدَّ بالصمصام فاها
اذكروا أفعال بدر *** لست أبغي ما سواها
اذكروا غزوة أحد *** إنه شمس ضحاها
اذكروا حرب حنين *** إنه بدر دجاها
واذكروا لي قلل العلـ *** ـم ومن حل ذراها
حاله حالة هارو *** ن لموسى فافهماها
أعلى حب علي *** لامني القوم سفاها
ردت الشمس عليه *** بعدما غاب سناها([8])
وذكر صاحب كتاب (الأعيان) عن كتاب (أزهار الرياض) أنه (رحمه الله) وقف عليه إعرابي يوماً فأنشد:
منائح الله عندي جاوزت أملي *** فليس يبلغها شكري ولا عملي
لكن أفضلها عندي وأكملها *** محبتي لأمير المؤمنين علي
فهش الصاحب لذلك ثم أنشد لنفسه:
يا ذا المعارج إن قصرت في عملي *** وغرني من زماني كثرة الأملِ
وسيلتي أحمد وابناه وابنته *** إليك ثم أمير المؤمنين علي([9])
ولما توفي (رحمه الله) بالري، غلقت الأسواق، واجتمعت الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته، وحضر فخر الدولة بن بويه المتوفى بتاريخ (413)، وحضر معه سائر القواد، فلما خرجت جنازته صاح الناس صيحة واحدة، وشُيّع تشييعاً باهراً، ورثاه الشعراء بمرات كثيرة. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه من سنة 1325 هجرية توفي الشيخ حمادي بن نوح الكعبي الأهوازي المولود سنة 1240 هجرية؛ فعمره يوم وفاته 85 سنة. وقد كان شاعراً مفلقاً مكثراً. ومن شعره قوله في مديح أهل البيت (عليهم السلام):
مدحت بني النبوة في قوافٍ *** ترددهن ألسنة الرواة
فإن يكن ابن نوح قد تولى *** غريقاً في القرون الماضيات
فلا يخش ابن نوح العصر هولاً *** فقد آوى إلى سفن النجاة
رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 1374 توفي بالنجف الأشرف الخطيب الكبير الشيخ حسن ابن الشيخ كاظم سبتي عن عمر يناهز 75، وكان خطيباً قديراً، وشاعراً شهيراً. ومن شعره قصيدة قال فيها:
أهلت دموعي حين هل محرم *** فطيب الكرى فيه علي محرمُ
فلهفي لآل المصطفى كم تجرعوا *** أذى يوم وافوا كربلاء وخيموا
فوافتهُمُ أجناد آل أمية *** وقائدهم شمر الخنا يتقدّمُ
أنهب بنو العلياء أبناء فاطم *** وسيدهم أهدى الأنام وأكرمُ
حسين من الباري اجتباه وخصه *** ظهيراً إلى الدين الحنيف يقوّمُ
إلى آخر القصيدة المذكورة في كتاب (أدب الطف)([10]) للسيد جواد شبر، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم 23 /2/ 1385 هجرية الموافق 23/ 6/ 1965م توفي الأديب والمؤرخ اللبناني أسد رستم في لبنان وله من العمر 68؛ فقد كان مولده سنة 1897 م، وهو دكتور فلسفة علم التاريخ الشرقي في الجامعة الأمريكية، وعالم بالوثائق. وله كتب قيمة في التاريخ. رحمه الله برحمته.
***
وفي ليلة هذا اليوم وكانت ليلة جمعة من سنة 1424 هجرية أقيمت أربعينية شقيقي وأستاذي الشيخ ملّا عبد العظيم المتوفى 13/ 1/ 1424هـ، ابن المقدس الشيخ منصور المتوفى 30/ 6/ 1362 هجرية ابن المقدس الحاج علي بن محمد بن حسين المرهون المتوفى 9/ 2/ 1322 هجرية. وقد رثيته بمناسبة وفاته بمقطوعة شعرية تقدم ذكرها في يوم تاريخ الوفاة 13/ 1. ورثيته بمناسبة أربعينه بمقطوعة ثانية هي:
يابن أبي ذكراك في الأربعينْ *** بالقرب منه أربعين الحسينْ
فدلّ هذا يابن اُمّي على *** قربك من مولاك في العالمينْ
واروك في يوم مواراته *** وأعلنوا ذكرك في الأربعينْ
فنم هنيئاً بموالاة من *** قد سيروا ذكرك في الخافقينْ
خدمتهم نثراً وشعراً فكم *** أحزنت من قلب وأبكيت عينْ
وكم علا صوتك بين الملا *** تصرخ في أسماعهم يا حسينْ
واليوم كافوك فعش ناعماً *** بالقرب وارتع في جنى الجنتينْ
واذكر أخاً بعدك لا ينثني *** عن حزنه فيك وفي الوالدينْ
عامك عام الحزن في قلبه *** عليك يجري الدمع في الوجنتينْ
أربعُ والعشرون تاريخه *** من قبلها ألف وأربعْ مئتينْ
رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.
وقد أرخت وفاته في آخر بيت منها بالتاريخ العربي، فقلت:
أربعُ والعشرون تاريخه *** من قبلها ألف وأربعُ مئتين
كما أرخت وفاته في المقطوعة التي رثيته بها في يوم وفاته بالتاريخ الأبجدي فقلت:
يا خادم المنبر قد جاءكما *** تاريخكم (منبره عبد العظيمْ)
ثم افردت تاريخ وفاته الأبجدي في بيتين فقلت:
طاب أخي محضرهُ ومنظره *** وقوله وفعله ومخبره
أديبنا شاعرنا خطيبنا *** تاريخنا (عبد العظيم منبره)
تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.
___________________
([4]) المصدر غير موجود لدينا، انظر مقاتل الطالبين: 4.
([5]) الظئر: التي تعطف على غير ابنها. الصحاح 2: 729ـ ظأر.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.