حدث في مثل هذا اليوم (15 صفر)

حدث في مثل هذا اليوم (15 صفر)

وفي كتاب (تقويم الشيعة) عن (بحار الأنوار) للمجلسي (رحمه الله): وفي هذا اليوم من سنة 11 من الهجرة ابتدأ مرض الرسول (صلى الله عليه وآله).

***

في اليوم الخامس عشر من هذا الشهر سنة 38 هجرية استشهد بمصر العبد الصالح محمد بن أبي بكر الصديق، وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد جعله والياً عليها. وسيأتي إن شاء الله أنه دخلها 15/ 9/ 38، فبعث معاويةُ عمرو بن العاص في ستة آلاف ليفتحها، وكان له بها أتباع ومحبّون يمنونه ذلك، فلما قدموا إلى مصر كتب محمد بن أبي بكر إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) يخبره بذلك ويستنجده، فقام في الناس وندبهم لقتال عدوهم، وأخرج للقائهم كنانة بن بشر في ألفين، وخرج هو بعده في ألفين أيضاً.

وأقبل عمرو نحو كنانة، فلما دنا منه سرّح الكتائب لقتاله كتيبة بعد كتيبة، فجعل كنانة لا تأتيه كتيبة إلا حمل عليها وهزمها فلما رأى عمرو ذلك بعث إلى معاوية بن حديج السكوني المتوفى سنة 52 هجرية، وكان من شيعة معاوية والمطاع فيهم، فأقبل إليه في مثل الدهم (يعني بجيش كثير) من أهل مصر، فأحاطوا بكنانة وأصحابه من كل جانب. فلما رأى كنانة ذلك نزل عن فرسه، ونزل معه بعض أصحابه، فضاربهم بسيفه حتى استشهد، واستشهد معه جماعة من أصحابه.

وبلغ قتله أصحاب محمد بن أبي بكر، فتفرقوا عنه حتى لم يبقَ معه أحد، فاستتر في خربة في ناحية الطريق، وجدّ معاوية بن حديج في طلبه حتى وجدوه في الخربة، فلما رآهم جرّد سيفه وقاتلهم، حتى قتل. وقال بعضهم: إنهم أسروه وجاؤوا به إلى الفسطاط، وهو المكان الذي فيه عمرو بن العاص وأصحابه، وقد كاد أن يموت من شدة العطش، فلما طلب الماء قال له معاوية بن حديج: لا سقاني الله إن سقيتك قطرة واحدة؛ إنكم منعتم عثمان من شرب الماء، والله لاقتلنك حتى يسقيك الله من الحميم والغساق. فقال له محمد: يابن اليهودية النساجة، ليس ذلك إليك، إنما ذلك إلى الله يسقي أولياءه، ويظمئ أعداءه أنت وأمثالك. أما والله لو كان سيفي بيدي ما بلغتم منّي هذا.

فقال له معاوية بن حديج: أتدري ما اُريد أن أصنع بك؟ ساُدخلك في جوف حمار ثم اُحرقه عليك بالنار. فقال محمد: إن فعلت ذلك بي فطالما فعلتم ذلك بأولياء الله، وإني لأرجو أن يجعلها الله عليك وعلى أوليائك وعلى معاوية وعمرو ناراً تلظّى كلّما خبت زادها الله سعيراً.

فغضب منه معاوية وقتله وألقاه في جيفة حمار وأحرقه بالنار([1]).

فلما بلغ ذلك أم المؤمنين عائشة جزعت عليه جزعاً شديداً، وجعلت تقنت في دبر كل صلاة وتدعو على عمرو بن العاص وعلى معاوية بن حديج. ولما بلغ أمير المؤمنين (عليه السلام) قتله حزن عليه وقال: «كان لي ربيباً، وكنت اُعدّه ولداً، ولأولادي أخاً. عند الله نحتسبه. أما والله إن كان كما علمت لمن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء، ويتبغض شكل الفاجر، ويحب هدي المؤمن»([2]).

ولما بلغه فرح أهل الشام بقتله قال: «أما إن حزننا عليه بقدر سرورهم به، لا بل يزيد أضعافاً»([3]).

ولما بلغ أمّه أسماء بنت عميس الخثعمية قتله وما فُعل به من الإحراق، عظم حزنها عليه، ولكنها كظمت غيظها، وأمسكت دمعها حتى شخبت ثدياها دماً. ومازالت حزينة كئيبة حتى توفيت في ذلك العام متأثرة بمصيبته([4]). وكانت حينئذٍ زوجة لأمير المؤمنين (عليه السلام)، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم 15/ 2 أو في الذي قبله وقيل: في اليوم 17/ 271 أو سنة 272 هجرية توفي بسجن الموفق العباسي أبو أيوب سليمان بن وهب واسمه طلحة كاتب المأمون ووزير المهتدي بالله. والمعتمد على الله وكان أخوه الحسن بن وهب يكتب لمحمد بن عبدالملك الزيَّات، وكانا من أعيان عصرهما، وقد مدحهما خلق كثير من أعيان الشعراء مثل أبي تمام الطائي والبحتري، ومن في طبقتهما. ومما قاله فيه أبو تمام حبيب بن أوس الطائي المتوفى بتاريخ 30/ 1/ 232 هـ:

كل شعب كنتم به آل وهب *** فهو شعبي وشعب كل أديبِ
إن قلبي لكم لكالكبد الحـ ***  ـر وقلبي لغيركم كالقلوبِ

قال ابن خلكان: وسمع هذين البيتين بعض الأفاضل فقال: لو كانا في آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان أليق، فما يستحق هذا القول إلّا هم([5]). ومما قاله البحتري الوليد بن عبيد الطائي المتوفى سنة 284 هجرية في مدح المترجم قوله:

كأن آراءه والحزم يتبعها *** تريه كل خفي وهو إعلانُ
ما غاب عن عينه فالقلب يكلؤه
*** وإن تنمْ عينه فالقلب يقظانُ([6])

رحم الله الجميع برحمته.

***

وفيه من سنة 296 هجرية كان ظهور الدولة الفاطمية الإسماعيلية التي سيأتي الكلام عنها بتاريخ 8/ 9. وسبب ظهورها أنه كان في عهد العباسيين رجل يدعى أبو عبد الله الشيعي، وكان قد ولي الحسبة في بعض أعمال بغداد، وكان في أول أمره اثني عشرياً، ثم اتّصل بعبيد الله المهدي بن محمد الحبيب، أو محمد نفسه الحبيب ابن جعفر بن محمد بن إسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)، فأقنعه بالعدول إلى المذهب الإسماعيلي، فاعتنقه وأخلص له، وأصبح من أعظم الدعاة إليه. وذهب إلى المغرب وجعل يدعو إلى الإسماعيلية، فتبعه بعض أهل المغرب، فترأس عليهم رئاسة دينية.

ولما اطمأن إلى طاعتهم ألفّ منهم جيشاً، وثار به على الحاكم ـ وهو ابراهيم ابن الأغلب المتوفى سنة 289 هجرية ـ وانتزع منه الحكم، وسلمه إلى عبيد الله المهدي بن محمد الحبيب لقمة سائغة، وذلك في 15/ 2/ 296. ولم يلبث أن دوّن الدواوين، وجبى الأموال، واستقرت قدمه في البلاد، فأزال دولة الأغالبة، ودخلت القبائل كلها في طاعته. وبعد أن استقر له الملك فتك بأبي عبد الله الشيعي خوفاً منه لما رأي من ثقة الناس به ومكانته ونفوسهم.

وتوفي المهدي سنة 322 هجرية، وتوّلى بعده ولده محمد القائم بأمر الله، ويسمى نزاراً أيضاً، وتوفي بتاريخ 13/ 1/ 333 هجرية كما تقدم، وتولى بعده ولده المنصور إسماعيل بن محمد، وتوفي بتاريخ 30/ 10/ 341 هجرية، فتولى بعده المعز لدين الله وهوالذي نقل دولتهم إلى مصر، كما سيأتي إن شاء الله بتاريخ8/ 9. وتوفي المعز لدين الله بتاريخ11/ 4/ 365 هجرية وعمره 46. رحمهم الله برحمته.

***

وفي هذا اليوم 15/ 2/من سنة 381 هجرية توفي سعد الدولة أبوالفضائل شريف بن علي بن عبد الله بن حمدان التغلبي العدوي، مات مسموماً، سمته زوجته بإغراء أبيها لؤلؤ. وتولّى بعده ابنه أبو الفضائل الملقّب بسعيد الدولة، ومات سنة 392 هجرية. وبموته انتهت إمارة الحمدانيين التي استمرت على الموصل وحلب وما يتبعها من سنة 293 إلى سنة 392 هجرية، فسبحان من لا يزول ملكه.

***

وفي هذا اليوم من الشهر المذكور سنة 411 هجرية توفي الشيخ الجليل أبو عبد الله الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم الغضائري وجه الشيعة، وشيخ مشايخ الشريعة، الذي وصفه غير واحد من علماء العامة بأنه شيخ الرافضة في زمانه. قال القمي في كتاب (الكنى والألقاب): وناهيك به فضلاً ومنقبة([7])، وله كتب عديدة نافعة.

وولده أحمد بن الحسين الفضائري من المشائخ  الأجلّاء والثقات الأصفياء، وهو من المعاصرين للشيخ الطوسي المتوفى 22/ 1/ 460، كما تقدم، وللشيخ النجاشي المولود في صفر 372، والمتوفى سنة 450 هجرية، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفيه من سنة 984 هجرية توفي الشاه طهماسب ابن الشاه إسماعيل الأول الصفوي عن عمر ناهز الـ 65؛ فقد كان مولده سنة 919 هجرية، وتولى الملك بعد أبيه سنة 930 هجرية، وهو ابن إحدى عشرة سنة، وتوفي كما تقدم 15/ 2/ 984 هجرية، فكان عمره 65، ومدة ملكه منها 54 سنة. وقد ترسم خطا أبيه في تأييد مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وبسط العدل وإقامة الحدود، حتى إنه فوض أمر المملكة بيد عالم عصره المحقق الثاني الشيخ علي عبد العالي الكركي الذي سيأتي ذكره إن شاءالله بتاريخ 18/ 12، فأزال الفجور والمنكرات، وأقام الحدود والتعزيرات، وأمر بالمحافظة على الجمعة والجماعات، وأراق الخمور والمسكرات، فأشرقت الأرض بنور ربها.

وقد توفاه الله بالتاريخ المذكور 15/ 2/ 984 هجرية، وتولى بعده ولده الشاه إسماعيل الثاني كما تقدم بتاريخ 12/ 1 عند كلامنا على المقدس الأردبيلي. وقد تقدم أن وفاته بتاريخ 7/ 2 والله تعالى أعلم.

***

وفي هذا اليوم أو الذي قبله من سنة 1213 هجرية والموافق تقريباً 28/ 7/ 1798م توفي الزعيم الألماني بسمارك صانع مجد ألمانيا، وموحدها.

***

وفي هذا اليوم من سنة 1218 هجرية توفي السيد الفاضل، العالم العامل، السيد باقر ابن السيد إبراهيم ابن السيد محمد الحسيني البغدادي، ودفن بالنجف الأشرف. وإذا كان مولده على ما قالوه عنه بتاريخ 4/ 9/ 1177 هجرية؛ فعمره الشريف لا يزيد عن (41) سنة. وله قصائد فائقة، وأشعار لائقة، ومنها قصيدته الميمية في مرثية الإمام الحسين (عليه السلام)، والتي مطلعها:

يا عين لا لادّكارالبان والعلمِ *** ولا على ذكر جيران بذي سلمِ

ومن شعره ما قاله متوسلاً إلى الله جل وعلا بنبيه الكريم وبالأيمة الطاهرين (عليهم السلام):

يا رب بالهادي النبي المصطفى *** ووصيه المولى علي المرتضى
وبفاطم ست النساء ونجلها الـ *** ـحسن الزكي وبالحسين المجتبى
وسليله زين العباد وباقر *** وبجعفر والطهر موسى والرضا
ومحمد وعلي نجل محمد *** والعسكري وبالإمام المرتجى
الطف بعبدك وابن عبدك باقر *** وأنله في يوم الجزا خير الجزا

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم 15 صفر من سنة 1380 هجرية توفي بكربلاء المقدسة العلامة الجليل الشيخ محمد علي ابن الميرزا أبي القاسم الأردوبادي؛ نسبة إلى بلدة اوردوباد: مدينة تقع على الحدود بين أذربيجان والقفقاز. جاء عنه في كتاب (نقباء البشر في أعيان القرن الرابع عشر): إنه عالم ضخم، وشخصية فذةٌ ورجل ديني مثالي عبقري؛ فقد ساعده ذكاؤه المفرط، واستعداده الفطري على النبوغ في كل المراحل الدراسية والعلوم الإسلامية. أضف إلى ذلك كمالاته النفسية، ومزاياه الفاضلة؛ فقد كان طاهر الذيل، نقي الضمير، حسن الأخلاق، جمّ التواضع، يفيض قلبه إيماناً وثقة بالله جل وعلا. وقد قضى عمره الشريف في خدمة الدين والعلم حتى وهت قواه، واُصيب بالشلل فانزوى في داره لا يخرج إلا نادراً وبصعوبة بالغة إلّا إنه لم يفتر عن العمل؛ فقد كان يملي على سبطه كتاب (تفسير القرآن).

وما زال إلى أن وافاه الأجل بالتاريخ المتقدم 15/ 2/ 1380 هجرية، فنقل من كربلاء إلى النجف، وشيع تشييعاً يليق بمكانته وخدماته، ودفن في الحجرة الثالثة على يسار الداخل إلى الصحن الشريف من باب السوق الكبير، واُقيمت له حفلة تأبين في أربعينية أبّنه فيها العلماء، ورثاه فيها الشعراء. وأرخ عام وفاته السيد محسن حسن الطالقاني بقوله (رحمه الله):

يد القضاء سددت سهامها *** فأدركت في سعيها مرامَها
وأردت الحبر الجليل من له *** بنو الحجى قد سلمت زمامَها
الأوردباديُّ قضى فنكست *** مدارس العلم له أعلامَها
قد كان مفرداً بفضله وقد *** فاق بتقوى ونهىً كرامَها
أخلص في أعماله فطأطأت *** له بنو الفضل جميعاً هامَها
قد أثكلت معاهد الشرع به
*** فأرخوا (بل خسرت إمامَها)

رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي اليوم الخامس عشر أيضاً من الشهر المذكور توفي بالنجف الأشرف سنة 1404 هـ شاعر أهل البيت الشيخ عبد المنعم الفرطوسي المولود سنة 1335 هجرية؛ وبموجب ذلك يكون عمره الشريف 69 سنة. وقد أخذ هذا الشيخ الكريم والشاعر العظيم على نفسه أن ينظم كل فضيلة من فضائل أهل البيت (عليهم السلام)، وكل كرامة من كراماتهم، فهو أشبه الناس بالسيد الحميري المتوفى ببغداد سنة 179 هجرية. فمن بعض مدائحه (رحمه الله) قوله بمناسبة وضع الباب الذهبي لحضرة أمير المؤمنين (عليه السلام):

نشيدي وأنت له مطلعُ *** من الشمس يعنو له مطلعُ
وقدرك أرفع إن الثناء *** وان جل قدراً به يرفعُ
ومجدك جاوز أفق الخلود *** سمواً ونفسك لا تقنعُ
وبيتك وهو بسيط بما *** حوته جوانبه الأربعُ
فزاوية منه فيها الحصير *** إلى جنبه جرة توضعُ
وأخرى بها من جريد النخيل *** سرير قوائمه ترفعُ
وتلك رحىً مجلت راحة *** لطحن الشعير به تسرعُ
وبالكوخ شيّد هذا الضريح *** بحيث الضراح له يخضعُ
ومن ظلمة الكوخ هذا الجنان *** مصابيح فردوسها تسطعُ
عروس الضريح به تنجلي *** وقد شُقّ عن وجهها البرقعُ
ومال الهلال لتقبيلها *** من الأفق وهو بها مولعُ
فأصبح قوساً على تاجها *** من النصر وهي له أضلعُ
مقام علي وللمتقين *** مقاعد صدق به ترفعُ
عجبت له كيف قرت به *** على الأرض أركانه الأربعُ
ولم لا يحلق فوق السماء *** وفيه ثوى البطل الأنزعُ
وعدت له عاذراً إنه
*** لثقل الإمامة مستودعُ

ومن بعض مراثيه& قوله في سكينة بنت الحسين (عليه السلام):

ومذعورة باليتم روّع قلبها *** كطير عليه الصقر قد هجم الوكرا
أهابت بها من هجمة الخيل صرخة *** على ثكلها باليتم فاضطربت ذعرا
وفرت إلى الثاوي على جمرة الثرى *** وإن أرسلت من جفنها فوقه نهرا
وأهوت على جسم الحنون فضمها *** إلى صدره ما بين يمناه واليسرى
تلوذ به حسرى القناع مروعة *** وعزَّ عليه أن يشاهدها حسرى
فما تركتها تستجير سياطهم
*** بجسم أبيها حينما انتُزعت قسرا

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم الموافق يوم الجمعة سنة 1429 هجرية توفي أخي وشقيقي أبو جعفر الحاج الملا محمد ابن الشيخ منصور المرهون على أثر مرض ألَّم به، وقد كان مولده بتاريخ 17/ 12/ 1342 هجرية، فعمره يوم وفاته يقارب الـ 87 سنة. وقد ألف كتاب (ذكرى النور) في ذكرى أبيه الشيخ منصور المتوفى بتاريخ 30/ 6/ 1362 هجرية، وألف كتاب (أم الحمام بين الماضي والحاضر). ومن قصائده (رحمه الله) قصيدة قال فيها:

لقد بحَّ صوتي ولما أعِ *** أنادي شبابي فلم يسمع
فهل لشبابيَ من رجعة *** أجاب دعيت فلم أرجعِ
سواء تجلدت لي أو بكيت *** فما النوح مجدٍ ولم ينفعِ
أتاك المشيب فما من مناص *** وقد لاح كالنجم في الأرفعِ
فخذ عبرة لك بدر السماء *** إذا كنت تسمع لي أو تعي
فأنت أتيت كمثل الهلال *** بدا فهو كالطفل في المرضعِ
وبعد ليالٍ بدا مشرقاً *** كأنت صبي فتىً ألمعي

وبدراً يكون كمثل الشبابِ *** إليك فكن حذراً واسمعِ
ولو خسف البدر تأتي الصلاة *** كحالك في الموت يا من يعي
ولكنه بعد خسف يعود *** وأنت إذا مت لم ترجعِ
وبعد ليالٍ أتاه المشيب *** كما قد أتاك فلا تجزعِ
ولا تبكِ أيامك الذاهبات *** فلا النوح مجدٍ ولم ينفعِ
ونح لحسين الهدى إذ قضـى *** وغلة أحشاه لم تنقعِ
قضى نحبه حر قلبي عليه *** ومن بارد الماء لم يجرعِ

إلى آخر القصيدة المذكورة بكتاب (الجذوة)([8]) للمؤلف. وله بعض المقطوعات الشعرية من الشعر الدارج، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

وقد رثيته وأبنته في ليلة ذكرى أربعينيته (رحمه الله) فقلت:

في جعفر وبقية الأبناء *** خلف فنم في راحةٍ وهناءِ

سيظل مجلسك المبجل عامراً *** بتلاوة وتهجد ودعاء

وبذكر آل محمدٍ وهُمُ العزا *** في كل ما يجري من الأرزاءِ

بشـرى أخي فبنوك خير كلهم *** بشـرى فهم من خيرة الأبناءِ

سيعيش ماهر ناعماً ما بينهم *** في عزة وكرامة ورخاءِ

هوّن عليك أخي ففيهم سُلوتي *** وبهم عزائي إذ هُمُ أبنائي

لولاهُمُ لأطلتُ فيك تحسـري *** وأطلت فيك تلهفي وبكائي

لكنهم كانوا ضماد جراحتي *** فلهم بذاك مودتي وولائي

وإليهُمُ عذري إذا غلب الأسى *** قلبي وقلّ تصبّري وعزائي

فلقد فقدتُ أخاً كريماً مخلصاً *** فيه فقدتُ مودتي وإخائي

ويلي عليك ولا أراني ناسيا *** ويلي عليه بضحوتي ومسائي

فلقد فقدتُ حِزام ظهري هكذا *** قال الحسينُ وفي الحسين عزائي

فلقد بكى الإخوان قبل بكائنا *** وبكى ونادى قبل يوم ندائي

يا كاتب الذكرى أتدري أنني *** ذكراك في قلبي وفي أحشائي

في أربعينك أربعين أحبتي *** إذ كنت منهم سلوتي وعزائي

فإذا فقدتك فالجميع فقدتهم *** ويلي لفقدهُمُ وطول عنائي

________________

([1]) الغارات 2: 756 ـ 757.

([2]) الغارات 2: 757.

([3]) الغارات 1: 296.

([4]) الغارات 2: 757.

([5]) وفيات الأعيان 2: 416.

([6]) المصدر نفسه.

([7]) الكنى والألقاب 2: 496.

([8]) الجذوة من شعر أم الحمام: 167.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top