خطبة الجمعه 23/5/1434هـ – طريق الوصول إلى الله

خطبة الجمعه 23/5/1434هـ – طريق الوصول إلى الله

الحمد لله رب العالمين، ديان يوم الدين، خالق الخلائق أجمعين، به نتوكل ونستعين، فهو خير ناصر ومعين، ونصلي ونسلم على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد واله الطاهرين.

يارب ها أنا ذا خلصت من الهوى   واستقبل القلب الخلي هواك

وتركت أنسي بالحياة ولهوها   ولقيت كل الأنس في نجواك

ونسيت حبي واعتزلت أحبتي   ونسيت نفسي خوف أن أنساك

   عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإن خير الزاد التقوى.

   قال تعالى: ‭{‬وجاهدوا الله حق جهاده‭}‬.

   لكي نصل إلى الله تعالى، علينا أن نسير وفق المنهج العلمي الصحيح والواضح الذي رسمه لنا القرآن الكريم، وأهل البيت الطاهرين (ع)، ولكي يتضح لنا البحث جليا من غير شوائب، فإن محور البحث يدور حول عنوان: جهاد النفس. قال الراغب الاصفهاني: الجهاد والمجاهدة: استفراغ الوسع في مراقبة العدو.

   ومن هنا ذكروا أن أنواع الجهاد ثلاثة

   النوع الأول: مجاهدة النفس

   النوع الثاني: مجاهدة الشيطان

   النوع الثالث: مجاهدة العدو

وتدخل هذه الأنواع الثلاثة في قوله تعالى: ‭{‬وجاهدوا الله حق جهاده‭}‬ وقال تعالى: ‭{‬وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله‭}‬ وقال (ص): (جاهدوا أهوائكم كما تجاهدون أعدائكم).

ومن هذا المنطلق يتبين لنا أن مجاهدة النفس تحتاج إلى عمل متواصل  لتصل إلى الله تعالى. هذا وقد حثت الآيات القرآنية على مجاهدة النفس وإصلاحها. قال سبحانه: ‭{‬ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه‭}‬ العنكبوت: 6. وقال سبحانه: ‭{‬واللذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا‭}‬ وقال سبحانه: ‭{‬إن النفس لأمارة بالسؤ‭}‬ وقال سبحانه: ‭{‬إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم‭}‬.

   أما بالنسبة للأحاديث الشريفة والروايات عن أهل البيت (ع) فإن هناك الكثير الذي نستفيد منه الحث على مجاهدة النفس وكبح جماحها وترويضها على الخير واجتناب الشهوات المحرمة والأهواء المضلة. قال رسول الله (ص) لقوم قدموا من القتال: (مرحبا بكم قدمتم من الجهاد الأصغر وبقي عليكم الجهاد الأكبر) قالوا: يارسول الله وما الجهاد الأكبر؟ فقال: (جهاد النفس).

   وربما يقول البعض كيف لنا أن نتصور ذاك؟

   نقول: إن الإنسان يعجز عن النهوض إلى ميدان القتال إلا بعد أن يصلح نفسه، وحصل على درجة الخشية من الله تعالى وحب لقائه، فإذا ما ستطاع الإنسان التغلب على عدوه الداخلي، استطاع التغلب على عدوه الخارجي. قال (ص): (أفضل الجهاد أن تجاهد نفسك وهواك في ذات الله). وعن أبي ذر (رض) : قلت يارسول الله أي الجهاد أفضل؟ قال: (أن يجاهد الرجل نفسه وهواه).

   وقال (ص): (المجاهد من جاهد نفسه لله) وقال (ص): (بالمجاهدة يغلب سؤ العادة) وقال (ص): (أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه) وقال (ص): (جاهدوا أهوائكم تملكوا أنفسكم) وقال علي (ع): (جهاد النفس مهر الجنة) قال الشاعر:

عود النفس ما ستطعت جهادا   وحذرنها فإنها شر طاغي

   ونقول:

أولا: إن الأحاديث أكدت على مجاهدة النفس، بل إن هذا الجهاد سمي بالجهاد الأكبر؛ لأنه خفي بعكس جهاد العدو في الميدان فإنه ظاهر وجلي.

   ثانيا: إن العدو الخارجي يقضي على وجودنا المادي، ولكن العدو الداخلي يقضي على وجودنا المعنوي.

   ثالثا: العدو الخارجي يقضي علينا مرة واحدة، ولكن العدو الداخلي يقضي علينا مرات عديدة.

رابعا: العدو الخارجي مجاهدته تكون واجبة على البعض وغير واجبة على الكثيرين، ولكن العدو الداخلي يجب على كل إنسان أن يجاهده بإصلاح نفسه. ولذالك قالوا: إن حكم مجاهدة النفس أمر واجب، بل من أشد الواجبات وأثقلها على الإنسان، وذالك لعنف الهوى وكثرة الشهوات التي إن استطعنا أن نجعلها في طريقها الصحيح، فإننا نستطيع التغلب على أعداءنا. قال أمير المؤمنين (ع): (ميدانكم الأول أنفسكم، فإن قدرتم عليها كنتم على غيرها أقدر، وإن عجزتم عنها كنتم على غيرها أعجز). قال الشاعر:

النفس كالطفل إن تهمله شب على   حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم

   تغيير النفس

   إن النفس الإنسانية قابلة لتغيير الصفات الناقصة والعادات السيئة، ولو لم يكن ذالك مقدورا لما بعث الله سبحانه الأنبياء والرسل، ولما كان هناك ضرورة إلى خلفائهم (ع)، ولا إلى العلماء والدعاة الذين حملوا على عاتقهم الدعوة إلى الله وتربية الناس والدفاع عن حقوق المظلومين والمضطهدين، كمن نعيش في ذكراهم هذه الأيام أمثال آية الله العارف الشيخ بهجت، والداعية الكبير والأديب الراحل الشيخ أحمد الوائلي.

   أيه المؤمنون إذا كان كثير من الحيوانات والوحوش يمكن أن تبدل صفاتها، فالإنسان الذي هو أكرم الخلق أولى أن تربى نفسه الأمارة بالسؤ، بحملها على طاعة الله تعالى واجتناب نواهيه، وترويضها على حب لقائه راضية مرضية.

اللهم اغفر ذنوبنا، وتقبل أعمالنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار، والحمد لله رب العالمين.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top