حدث في مثل هذا اليوم (10 محرم الحرام)
الليلة العاشرة من المحرم من ليالي الإحياء بالعبادة، فقد بات الحسين وأصحابه في هذه الليلة ولهم دويّ كدويّ النحل، ما بين قائم وقاعد، وراكع وساجد، وقارئ للقرآن. وقد ذكروا أنّ العبادة في هذه الليلة تعدل عبادة سبعين سنة.
وبالجملة، فإنّ هذه الليلة عند شيعة أهل البيت من ليالي العبادة، ومن ليالي الحزن على ما حلّ بآل رسول الله (صلى الله عليه وآله). وقد قام الحسين (عليه السلام) في هذه الليلة مع ما أدّاه من العبادة بعدة أعمال، من أشهرها:
1ـ أنّه اجتمع بعمر بن سعد ودعاه إلى ما فيه صلاحه وسعادته في الدنيا والآخرة، ولكنّه غلبت عليه شِقوته.
2ـ خطبته في أصحابه، وإذنه لهم بالانصراف، فأبوا ذلك.
3ـ زيارته لولده زين العابدين وإخباره له بما عزم عليه القوم.
4ـ أنّه دخل في خيمة خاصة ومعه جون مولى أبي ذر (رحمه الله)، وجعل يصلح سيفه، ويقول:
يا دهر اُفٍّ لك من خليلِ *** كم لك بالإشراق والأصيلِ
من طالب بحقه قتيل *** والدهر لا يقنع بالبديلِ
وإنّما الأمر إلى الجليلِ *** وكل حي سالك سبيلِ
يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): «وجعل أبي يكررها حتى فهمتها وعلمت ما أراد، فخنقتني العبرة فرددتها، ولزمت السكوت. وأما عمتي زينب فإنّها لما سمعت ذلك لم تملك نفسها، ووثبت تجر ذيلها حتى انتهت إليه وصرخت: وا ثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة. فعزّاها وصبّرها، وقال لها فيما قال: اُخيَّه، تعزّي بعزاء الله، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون، وأهل السماء لا يبقون، وكلّ شيء هالك إلّا وجهه، ولي ولكل مسلم برسول الله‘ اُسوة حسنة، قالت: أفتغتصب نفسك اغتصاباً، فذاك أقرح لقلبي، وأشد على نفسي؟ وخرت مغشياً عليها».
يقول زين العابدين (عليه السلام): «فلمّا أفاقت عزّاها وجاء بها حتى أجلسها عندي»([1]).
***
قيل: وفي اليوم العاشر من المحرم ـ أو الخامس عشر ـ منه ـ توفي أبونا آدم (عليه السلام) وقيل: في الخامس عشر منه، وقيل: في آخر يوم من صفر، والله سبحانه وتعالى أعلم.
***
وفيه من سنة 227 هجرية، وقيل: في العشرين من ربيع الأول من السنة المذكورة، كما في كتاب (صفة الصفوة) توفّي العابد الزاهد بشر بن الحارث بن عبد الرحمن، المعروف بالحافي البغدادي. كان من كبار الصالحين ومن أعيان الأتقياء المتورعين، أصله من قرية من قرى مصر، ويقال لها: «ماترسام»، ثم سكن بغداد ومات بها، وقيل: بمرو، وكان من أولاد الرؤساء والكتاب.
وقد كان في أول أمره من أهل المجون والخلاعة، وفي ذات يوم رأى ورقة ملقاة في الطريق، وفيها بعض أسماء الله، فأخذها وطيّبها ووضعها في شقّ حائط، فرأى في النوم كأنّ قائلاً يقول له: طيّبت اسمي؛ لأطيّبن اسمك في الدنيا والآخرة. فكان ذلك سبب توبته([2]).
وقيل: إن سبب توبته أنّ الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) اجتاز يوماً على بيته ببغداد، فسمع فيه أصوات الغناء وآلات اللهو، فسأل الجارية التي خرجت في ذلك الوقت لتلقي القمامة، قائلاً لها: «يا جارية، صاحب هذه الدار عبد أم حر؟». قالت: بل حرّ. فقال: «صدقت، لو كان عبداً لخاف من مولاه». فدخلت إلى سيدها وأخبرته بما قال ذلك الرجل، ووصفته له فعرفه، فخرج يعدو خلفه حافياً حتى أدركه وتاب على يده، ثم بالغ في العبادة والنسك، والزهد والورع، حتى ضُرب به المثل([3]).
وبما أن الإمام الكاظم (عليه السلام) لم يُعرف عنه أنّه جاء بغداد إلّا تحت يد السلطة العباسية فهذه القصة فيها إشكال عند بعضهم. وقيل في سبب تسميته (بالحافي): إنه بعد توبته لم يزل حافياً بدون حذاء، فقيل له: لم لا تلبس الحذاء؟ فقال: لأنني صالحت مولاي وأنا حافٍ، فلا أزال على ذلك حتى الممات. وبقي كذلك حتى مات وهو ابن 75 سنة([4]).
قيل: وكان له ثلاث أخوات زاهدات عابدات. رحم الله الجميع برحمته وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفيه من سنة 32 هجرية توفي أبو الدرداء عامر بن زيد الأنصاري. حكى ابن قتيبة في كتابه المشهور (الإمامة والسياسة) أنّ أبا الدرداء وأبا هريرة كانا مع معاوية، وأنّه أرسلهما إلى علي (عليه السلام)، فقالا له: إنّ لك فضلاً لا يدفع، وإنّ معاوية يسألك أن تدفع إليه قتلة عثمان، فإن فعلت ثم قاتلك كنا معك. فقال (عليه السلام): «أتعرفانهم؟». قالا: نعم. قال: «فخذاهم». فأتيا إلى عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر ومالك الأشتر، فقالا: أنتم من قتلة عثمان، وقد اُمرنا بأخذكم. فخرج إليهم أكثر من عشرة آلاف رجل كلّهم يقولون: ونحن من قتلة عثمان، فقالا: نرى أمراً شديداً، ثم انصرفا إلى منزلهما بحمص([5]).
وذكر نصر بن مزاحم أنّ أبا الدرداء وأبا اُمامة الباهلي رجعا من صفين ولم يشهدا شيئاً من القتال، رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي نهار تلك الليلة وهو يوم العاشر من المحرم سنة 61 هجرية يوم الجمعة حلّت المصيبة العظمى، والرزية الكبرى على آل رسول الله (عليهم السلام)، وعلى عامة المؤمنين بقتل سيد شباب أهل الجنة، فـ ﴿إنَّا لِله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾، قُتل أبو عبد الله واُسرته، وسبيت نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان، فهذه الرزية ما مثلها رزية، عظّم الله لك الأجر يا رسول الله، صلى الله عليك وعلى آلك.
***
وفي كتاب (تقويم الشيعة) نقلاً عن كتاب (مستدرك سفينة البحار)([6]) أنّ في هذا اليوم من سنة 62 هجرية توفيت بالمدينة اُم المؤمنين أم سلمة واسمها هند بنت اُمية المخزومي، وهي إحدى الزوجات التسع اللاتي توفّي عنهن رسول الله(صلى الله عليه وآله). قال الشاعر:
توفّيْ رسول الله عن تسع نسوةٍ *** إليهن تعزى المكرمات وتنسبُ
فعائشة ميمونة وصفية *** وحفصة تتلوهن هند وزينبُ
جويرية مع رملة ثم سودةٌ *** ثلاث وسمت ذكرهن مهذبُ([7])
وقد تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد وفاة زوجها الأول أبو سلمة عبدالله بن عبدالأسد بن المغيرة، الذي جرح بمعركة اُحد وتوفي بعد ذلك. وكانت من أفضل نساء الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقد رُوي عنها أنّ آية التطهير نزلت في بيتها، وأنّها لما سمعت دعاء النبي (صلى الله عليه وآله) لأهل بيته الذين جللهم بالكساء، أرادت أن تدخل معهم تحت الكساء فجذب النبي (صلى الله عليه وآله) الكساء من يدها، وقال لها: «أنت على خير، ولكن لست منهم»([8]).
ورُوي أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أعطاها تربة جاء بها جبرئيل من تراب كربلاء، وقال: «ضعيها في قارورة، فإذا رأيتيها صارت دماً عبيطاً فاعلمي أن ولدي حسيناً قد قُتل»([9]). وسيأتي إن شاء الله أن رسول الله تزوج بها بتاريخ 30 /10/ 4 هجرية.
***
وفيه من سنة 67 هجرية قتل قاتله عبيد الله بن زياد، وأشراف قومه كالحصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وابن حوشب ذي ظلم، وعبد الله ابن أياس السلمي، وغالب الباهلي، وغيرهم من أشراف الشام الذين جاؤوا تحت قيادة عبيد الله بن زياد لقتال جيش المختار بالعراق، فالتقى الجيشان عند نهر الخازي من بلاد الموصل، فاقتتلا، فكان النصر لجيش المختار بقيادة البطل المظفر إبراهيم الأشتر، فقتل منه من قتل، ثم انهزم جيش ابن زياد، فغرق منهم في الهزيمة بنهر الخزر أكثر ممن قتل منهم بالمعركة. وأرسل إبراهيم بن مالك الأشتر البشارة وبعض الرؤوس إلى المختار، وهو يومئذ بالمدائن، وفي ذلك يقول سراق البارقي:
أتاكم غلام من عرانين مذحجٍ *** جريء على الأعداء غير نكولِ
فيابن زياد بؤ بأعظم مالك *** وذق حدّ ماضي الشفرتين صقيلِ
جزى الله خيراً شرطة الله إنّهم *** شفوا من عبيد الله أمسِ غليلي([10])
***
وفي اليوم العاشر من المحرم من سنة 352 هجرية أمر معز الدولة بن بويه الديلمي، المتوفّى سنة 356 هجرية بإغلاق الأسواق، وإقامة مجالس البكاء، ومواكب العزاء على الحسين (عليه السلام) في السكك والأسواق، كما أمر بإظهار الفرح والسرور، ولبس الزينة في يوم عيد الغدير 18/ 12.
***
قال الشيخ عبد الوهاب النجّار في تعليقه على كامل ابن الأثير: وفي هذا اليوم من سنة 382 هجرية منع الوزير أبوالحسين علي بن محمد بن المعلم الكوكبي المتوفّى في أواخر هذه السنة أهل الكرخ وأهل باب الطاق من الرافضة من النوح في يوم عاشوراء على الحسين، ومن تعليق المسرح وتغليق الأسواق وغير ذلك من البدع الشنيعة التي كانوا يتعاطونها في هذا اليوم على زعمهم، وكان ذلك يعمل نحو ثلاثين سنة. رحم الله المؤمنين برحمته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 418 هجرية توفّي بنيسابور أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الإسفراييني الملقّب بركن الدين الشافعي، الفقيه المتكلم الأصولي، الذي أخذ عنه الكلام عامة شيوخ نيسابور([11])، وهو صاحب كتاب (اُصول الدين والردّ على الملحدين). وكان يقول: أشتهي أن أموت بنيسابور حتى يصلي عليّ جميع أهلها، فتوفّي بها يوم عاشوراء سنة 418 هجرية، فصلّى عليه أهلها، ثم نقلوه إلى بلده إسفرايين، فدفن بها في مشهده. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم 10/ 1/من سنة 485 هجرية ولد أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن تومرت المهدي المصمودي البربري، صاحب دعوة السلطان عبد المؤمن ابن علي الحسني ملك المغرب، وواضع اُسس الدولة المؤمنية الحسنية. ولد ونشأ في قبيلته التي هي من قبائل جبل السوس بالمغرب الأقصى، ورحل إلى المشرق طالباً للعلم سنة 500 هجرية، فانتهى إلى العراق. وحجّ وأقام بمكة المكرمة زمناً. واشتهر بالورع والشدّة في النهي عما يخالف الشرع الشريف، فتعصّب عليه جماعة بمكة، فخرج منها إلى مصر، فطردته حكومتها، فعاد إلى المغرب فنزل بالمهدية، فكسر ما رآه فيها من آلات اللهو وأواني الخمر، وانتقل إلى بجانة فرأى بها عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي الحسني، وكان شاباً نبيلاً فطناً، فاتفق معه إلى الدعوة إليه، واتخذ أنصاراً رحل بهم إلى مراكش، وعبد المؤمن معه، فحضر مجلس ملكها علي بن يوسف بن تاشفين، فأنكر عليه ابن تومرت بدعاً ومنكرات، فأشار عليه بعض جلسائه أن يعتقله ومَنْ معه، فامتنع وكان ملكاً حكيماً.
ثم خرج من مراكش ونزل في موضع حصين من جبال «تينملّل» ـ بكسر التاء، وفتح الميم، وتشديد اللام وفتحها ـ وجعل يَعِظُ سكّان ذلك المكان حتى أقبلوا عليه لما اشتهر عنه من الصلاح، فخرج بهم على ابن تاشفين وقتلوا جنوداً له، وتلقّب بالمهدي القائم بأمر الله، وأراد القضاء على ابن تاشفين وانتزاع مملكته من يده ولكن عاجلته المنية فمات في جبل «تينملّل» سنة 524 هجرية، ودفن في الجبل، وقبره هناك مشهور يزار. ولكنّ دعوته له تمت، فتوالت الفتوح بعده على يد صاحبه عبد المؤمن المتوفى في العشرة الأخيرة من جمادى الآخرة سنة 558 هجرية، بعد أن تملّك المغرب 33 سنة وأشهر. وسيأتي الكلام عليه بتاريخ 30 /6.
وكان لإبن تومرت أشعاراً منها:
تجرد من الدنيا فإنّك إنّما *** خرجت إلى الدنيا وأنت مجرّد
ومنها قوله:
فكم أنت تنهى ولا تنتهي*** وتسمع وعظاً ولا تسمع
فيا حجر الشحذ حتّى متى*** تسنّ الحديد ولا تقطع
***
وفيه أو في الذي بعده من سنة 567 هجرية توفي بالقاهرة الملك الرابع عشر من ملوك الدولة الفاطمية، الملك العاضد عبد الله بن يوسف العبيدي الفاطمي، آخر ملوك الدولة الفاطمية، والذي ولي المملكة بعد ابن عمّه الفائز بالله، واستقر الملك له اسماً، وللصالح طلائع بن رزيك جسماً. ولما توفّي طلائع بن رزيك بتاريخ 19/9 /556 تولّى الوزارة بعده ولده، ثم انتقلت الوزارة إلى غيره، وما زالت حتى وصلت إلى شيركوه الأيوبي، ثم من بعده إلى ابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، فلمّا قوي أمره عزم على القبض على الملك العاضد وأشياعه من شيعة أهل البيت، والفتك بهم، واستفتى الفقهاء فأفتوه في جواز قتله هو وأتباعه؛ لـمَا هم عليه من عقيدة التشيع لأهل البيت (عليهم السلام).
ولكنّه قبل أن ينفذ ذلك مرض العاضد مرض الموت، وفي أيام مرض العاضد قطع صلاح الدين الخطبة باسم العاضد، وخطب باسم الخليفة العباسي الذي ببغداد، وهو الخليفة الثالث والثلاثون من خلفاء بني العباس، المستضيء بأمر الله المتوفى سنة 575 هجرية. ووكّل صلاح الدين بقصر الخليفة الفاطمي عبداً من الخصيان اسمه قراقوش، يحفظه ويقطع عنه الصادر والوارد، فحفظ قراقوش ما فيه حتى مات العاضد بالتاريخ المذكور 10 /1/ 567 هجرية، فاستلم القصر صلاح الدين، وصادر كل ما فيه، ونقل منه عائلة العاضد إلى مكان آخر، ووكّل بهم من يحفظهم، وأخلى القصر من أهله وسكانه، وانتهت بذلك دولة الفاطميين التي عاشت 268 سنة، فسبحان من لا يزول ملكه.
***
وفي العاشر، أو السابع عشر، أو الخامس عشر، أو العشرين من المحرم 656 هجرية دخل هولاكو مدينة بغداد. وفي الثامن والعشرين منه، أو في الرابع عشر من صفر من السنة المذكورة قتل آخر خلفاء بني العباس في بغداد المستعصم العباسي، وهو الخليفة الـ(37) من خلفاء بني العباس، وبقتله انقرضت الدولة العباسية بالعراق، وقد قيل في تاريخ انقراضها:
بنو العباس دولتهم *** دعتهم بالتقى خونوا
فخانوا عترة يبكي *** لهم بالدم ياسينُ
ولـمّا أنّها انقرضت *** أتى تاريخها (خونُ)([12])
وكلمة (خون) تساوي بالحساب الأبجدي سنة 656 هجرية كما تقدم.
وقبل أن يقتل الخليفة العباسي كتب أهل الحلّة إلى هولاكو يستأمنونه، فأرسل إليهم هولاكو رجلين يقولان لهم: إذا كانت قلوبكم كما وردت به كتبكم فعليكم أن تحضروا عندنا. فمضى إليه السيد مجد الدين بن طاووس، والفقيه ابن أبي العز، ووالد العلامة الحلي (رحمهم الله)، فلما حضروا بين يديه قال لهم: كيف قدمتم على مكاتبتي، والحضور عندي، قبل أن تعلموا بما ينتهي إليه أمري مع صاحبكم؟ وما يؤمنكم أن يصالحني فأرحل عنه، وأدعه معكم يفعل بكم ما يشاء؟ فقال له والد العلامة الحلي (رحمه الله): أقدمنا على ذلك ما روي عن أميرالمؤمنين (عليه السلام) أنّه قال في خطبة له: «الزوراء، وما أدراك ما الزوراء! أرض ذات أثل، يشيد فيها البنيان، ويكثر فيها السكان، يتّخذها بنوالعباس موطناً، ولزخرفهم مسكناً، تكون لهم دار لهو ولعب، يكون بها الجور الجائر، والخوف المخيف، والأئمة الفجرة، والاُمراء الفسقة، والوزراء الخونة، تخدمهم أبناء فارس والروم، لا يأتمرون بمعروف إذا عرفوه، ولا يتناهون عن منكر إذا أنكروه، تكتفي الرجال منهم بالرجال، والنساء بالنساء، فعند ذلك الغم العميم، والبكاء الطويل، والويل والعويل لأهل الزوراء من سطوات الترك، وهم قوم صغار الحدق، لباسهم الحديد، جرد مرد يقدمهم ملك يأتي من حيث بدأ، جهوري الصوت، قوي الصولة، عالي الهمة، لا يمرّ بمدينة إلّا فتحها، ولا ترفع عليه راية إلّا نكّسها، الويل الويل لمن ناواه، فلا يزال كذلك حتى يظفر»([13]).
فلمّا وجدنا الصفات فيك أيها الملك، رجوناك فقصدناك. فقبل منهم هولاكو، وكتب لهم ما يطيب به قلوبهم.
فسلام الله عليك يا أميرالمؤمنين ورحمة الله وبركاته.
***
وفي هذا اليوم 10/ 1 من سنة 1272 هجرية توفي بالفلاحية ـ المسماة بالدورق ـ من بلاد خوزستان العلامة الجليل الشيخ حسن ابن الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد المحسني، الأحسائي مولداً، والخوزستاني مسكناً، والنجفي مدفناً. وقد رثاه ولده الشيخ موسى بقصيدة غرّاء، وأرخ عام وفاته في آخرها بقوله:
قضى يوم عاشورا الزكيُّ فأرخوا *** (بجنّة عدن سرُّ عالمنا الحبر)
كما إنّه أرخ عام حجّه في قصيدة مدحه بها عند عودته من الحجّ، سنة 1269 هجرية، فقال:
سعى إلى الحجّ وهو الحجّ ذو حرم *** من حلّه آمناً في أمنع الجننِ
كم طاف للعلم طواف بكعبته *** وكم سعى بصفاه طالب المننِ
نال المنى في منى ثم انثنى ظفراً *** بصفقة ربحت من دون مما غبنِ
وكرّ ركن الهدى والدين متجهاً *** من بعدما استلمت كفّاه للركنِ
بدا من الحجّ لألاءً فأرّخْه *** (سما الندى مشرق بالخير الحسنِ)
وقد ترجم له العلامة الفاضل السيد هاشم الشخص في كتابه (أعلام هجر)([14])، وذكر شيئاً من قصائده. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه من سنة 1288 هجرية توفي شهيداً الشيخ محمد حسين الأعسم النجفي الزبيدي، جاء عنه في (الأعيان) أنّه الأفقه والأورع والأعلم، نابغة الدهر ومجتهد العصر، والهمام السامي بفخره على كل ذي فخر، الوحيد في المنثور والمنظوم وفي جميع العلوم، الذي له في الفقه المؤلفات العديدة، وأدركت سهام آرائه الأماني البعيدة، وأحاط بمشكلات الفقه صبياً، ونال في الناس قدراً علياً، وقد مات شهيداً بسهم خطأ أصابه في التاريخ المذكور 10 /1/ 1288 هجرية([15]).
وقد ذكر صاحب (الكنى والألقاب) من بيت الأعسم العالم الفاضل، والشاعر الأديب الكامل، الشيخ محمد علي بن الحسين بن محمد الأعسم النجفي الذي حضر على جماعة من الفقهاء، منهم العلامة بحر العلوم المتوفى 1212 هجرية، وكان من ندمائه وجلسائه، وله منظومة في المطاعم والمشارب، ومنظومة في المواريث، ومنظومة في الرضاع، وغير ذلك، وقد توفّي سنة 1230 هجرية. وقد خلفه في كل مزاياه الفاضلة ولده الشارح لمنظوماته علم الأعلام مروّج الأحكام الشيخ عبد الحسين الأعسم، المتوفّى سنة 1247 هجرية، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 1330 هجرية استشهد ببلدة آذربيجان الشيخ التبريزي، الذي قاوم المحتلّين لأذربيجان من عساكر الروس الذين انتشروا بها من تاريخ 1/ 1 إلى تاريخ 4/ 1 من السنة المذكورة 1330 هجرية، فأعلن العلامة التبريزي وجوب مقاومتهم، ولكن شراسة العساكر الروسية المحتلة لمحافظة آذربيجان قهرت المقاومة حتى وصلوا إلى بيت الشيخ التبريزي، مروراً على أجساد الشهداء الذين سقطوا في حماية البيت، فأخذ الغزاة الروس سماحة الشيخ التبريزي إلى السجن، وطلبوا منه أن يصدر بياناً في شرعية الاحتلال الروسي، وأنّ التواجد العسكري الروسي في آذربيجان أمر ضروري للأمن، وهدّدوه بالإعدام إن لم يستجب لهم في ذلك، فما كان منه& إلّا أن قال لهم: أنا مسلم ولا أتكلم ضدَّ وطني بشيء، فإذا أردتم الأمن في آذربيجان فاطردوا كل من فيها حتى تحصلوا على الأمن. وكان هذا القول كناية عن أنّ الناس ليسوا معكم.
ولما يئسوا من حصول موافقته على ما أرادوه منه اقتادوه إلى منصّة الإعدام، ومعه ثمانية من قيادة المقاومة من علماء الدين، وأعدموهم في ساحة المدينة بتاريخ 10 /1/ 1330 هجرية، ثم برّر الروس جريمة إعدامهم لهؤلاء العلماء الأعلام بأنّ دولة إيران ضربت بحصانة العلماء عرض الحائط عندما أعدمت الشيخ فضل الله النوري بتاريخ 13 /7/ 1327 هجرية، كما سيأتي إن شاء الله، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾، و﴿إنَّا لِله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾.
***
وفي هذا اليوم 1/ 10 من سنة 1353 هجرية حدثت قضية عجيبة في البحرين، حيث هلك جماعة من ناصبي العداوة لأهل البيت، المجتمعين على عادتهم في كلّ سنة في بيت محمد طيب العوضي بالمنامة؛ للفرح بقتل الحسين (عليه السلام) وللشماتة بما حلّ بآل الرسول (صلى الله عليه وآله)، وفي ذلك يقول الشاعر الكبير أحمد سلمان الكوفي القطيفي المتوفى بتاريخ 4 /8/ 1420 هجرية، في قصيدة له:
يا قلب دع عنك الهوى *** وخل عشق الهزلِ
واترك سبيل الغي وا سـ *** ـلك مسلك الرشد الجلي
واذكر لنا ما كان في *** البحرين من فعل علي
غداة فضّ جاحدٌ *** ولا الولي الأفضلِ
مجتمعاً أتباعهُ *** ضحىً لأخزى العملِ
وقد غدا في فرح *** ينفق يوم المقتلِ
والكلّ منهم أظهر الـ *** ـشرَّ بذاك المحفلِ
تزيّنوا شماتةً *** بقتل سبط المرسلِ
ويسخرون بالمعزّ *** ينَ على خير ولي
هناك جاء حيدراً *** إذنٌ من الله الولي
فأردم الباب عليـ *** ـهمْ بالبلاء المنزلِ
تزاحموا ليفتحوا الـ *** ـباب بكلّ الحيلِ
فما استطاعوا فتحهُ *** والباب غير مقفلِ
وانتزعت أرواحهمْ *** بسيف ذاك البطلِ
معجزة عظيمةٌ *** من قالع الباب علي
صلّى عليه الله إذ *** يذكر وسط المحفلِ
***
وفيه من سنة 1398 هجرية توفّي بالكويت العلامة الشيخ حسين العبدلي، الكويتي مسكناً، والأحسائي أصلاً، والنجفي مدفناً. وقد أرخ وفاته العلامة الخطيب السيد جواد شبر (رحمه الله)، فقال:
في يوم عاشوراء قد فارقتنا *** وقد بكتك السحب دمعاً صيباً
شيخ حسين واحد الفضل الذي *** تاريخه (نورحسين غيّبا)
رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
______________________
([1]) الإرشاد (المفيد) 2: 92ـ93.
([2]) تاريخ مدينة دمشق: 10: 181، 182، الوافي بالوفيات 10: 91.
([3]) روضات الجنات 2: 130، الكنى والألقاب 2: 168.
([6]) مستدرك سفينة البحار 5: 215.
([8]) انظر كمال الدين: 278/ 25، المعجم الكبير 23: 249.
([9]) تاريخ اليعقوبي 2: 245. الفتوح 4: 324. الأمالي (الطوسي): 314 / 640.
([10]) بحار الأنوار 45: 383، باختلاف في البيت الثاني، أصدق الأخبار: 88.
([12]) خون: الدم في اللغة الفارسية.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.