حدث في مثل هذا اليوم (29 ربيع الأول)
جاء في بعض التقاويم أن في هذا اليوم من سنة 1 هـ دخل النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة المنورة بعد أن أقام في قبا نحو 15 يوماً. وهذا القول مناسب لقول بعضهم: إن وصول علي (عليه السلام) بظعينة الفواطم كان بتاريخ 27/ 3، وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم ينزل إلى المدينة إلّا بعد أن وصلت الظعينة. ولما دخل المدينة جعل ساداتها كسعد بن معاذ وسعد بن عبادة وأسعد بن زرارة وغيرهم يتجاذبون زمام ناقته، وكل واحد منهم يريد أن ينزله في بيته، ولكنه نزل في بيت أبي أيوب الأنصاري. رضى الله عنهم وأرضاهم وجعل الجنة منزلهم ومأواهم.
***
قال الشيخ محمد الخضري المصري في كتابه (نور اليقين في سيرة سيد المرسلين): وفي ربيع الأول من سنة 9 هجرية أرسل النبي (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) في مئة راكب وخمسين فارساً لهدم الفلس (صنم لطي)، فسار إليه وهدمه وأحرقه. ولما حاربه قومه، قاتلهم حتى هزمهم، واستاق نعمهم وشاءهم وسبيهم، وكان فيهم سفانة بنت حاتم الطائي، فطلبت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن يمن عليها، ففعل؛ لأنه كان من سنته أن يكرم الكرام، فدعت له. وكان من دعائها: شكرتك يد افتقرت بعد غنى، ولا ملكت يد استغنت بعد فقر، وأصاب الله بمعروفك مواضعه، ولاجعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة كريم إلا جعلك سبباً إلى ردّها إليه([1]).
وكانت هذه المعاملة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى سفانة سبباً في إسلام أخيها عدي ابن حاتم الذي كان فر إلى الشام عندما رأى رايات المسلمين قاصدة إلى بلده، وكان من حديث مجيئه أن اُخته توجهت إليه بالشام، وأخبرته بما عوملت به من الكرم، فقال لها: ما ترين في أمر هذا الرجل؟ فقالت: أرى أن تلحق به سريعاً؛ فإن يكن نبياً فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكاً فأنت أنت. فقال: هذا هو الرأي. وجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، وأسلم وحسن إسلامه، فقد كان محباً لأهل البيت (عليهم السلام).
***
قال سيد (الأعيان): وفي ربيع الأول من سنة 145 هجرية توفي في حبس الهاشمية إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط (عليه السلام)، وهو ابن 67 سنة. وأمه فاطمة بنت الحسين (عليه السلام)، قيل: وكان أشبه الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان المنصور قد قبض على عبد الله بن الحسن وعلى أولاده وإخوته بسبب اختفاء ولديه محمد وإبراهيم، فماتوا في السجن، ومنهم إبراهيم المذكور.
والهاشمية مدينة بقرب الكوفة كان المنصور قد بناها قبل بناء بغداد.
***
وفي ليلة هذا اليوم وكانت ليلة السبت 29 /3 من سنة 522 هجرية ولد أبو سعيد محمد بن عبد الرحمن البندهي الشافعي الخراساني. كان فاضلاً أديباً، اعتنى بالمقامات الحريرية فشرحها وأطال شرحها، واستوعب فيه مالم يستوعبه غيره، حتى جاء في خمسة مجلدات كبار، وهو كتاب مشهور. وكان مقيماً بدمشق، والناس يأخذون عنه بعد أن كان معلماً لأبي الحسن علي بن السلطان صلاح الدين الأيوبي.
وكان مولده بتاريخ بتاريخ 1 /4/ 522 كما تقدم، ووفاته ليلة السبت 29 /3/ 584؛ فكان عمره 66 سنة فقط، ودفن بسفح جبل قاسيون، وهو جبل مطلّ على دمشق من جهتها الشمالية. ومن شعره:
قالت عهدتك تبكي *** دما حِذَار التنائي
فلم تعوضت عنها *** بعد الدماء بماءِ
فقلت ما ذاك مني *** لسلوة أو عزاءِ
لكنْ دموعيَ شابت *** من طول عمر بكائي([2])
رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي ليلة هذا اليوم 29 من شهر ربيع الأول سنة 1270 هجرية ـ وكانت ليلة سبت ـ توفي بالنجف الأشرف الشيخ محسن بن خنفر العفكي الباهلي النجفي المولد والمنشأ والمدفن، العالم الجليل الذي كان إذا درَّس أتى بما له دخل في الموضوع من سائر العلوم، وإذا ذكر الأحاديث ذكرها بأسانيدها محفوظة. وكان وحيد زمانه في علم الرجال إن لم يكن ذلك في غيره من سائر الفنون المشهورة في ذلك الزمان. وكان لغزارة علمه، وإحاطته وتفرده بذلك ربما أنكر فضيلة بعض الأساطين من أهل زمانه وغيرهم، ومنهم صاحب (الجواهر) حتى روي أنه سأله صاحب (الجواهر) يوماً ولعله من باب المطايبة: هل للمجتهد جميع ما للإمام؟
وكان يقول بذلك وهو ما يسمى «ولاية الفقيه»، فقال: نعم. وكان صاحب (الجواهر) لا يقول به، فلما قال: نعم، قال صاحب (الجواهر): اشهدوا أني طلقت زوجة الشيخ. فقال الشيخ محسن: ثبت العرش ثم انقش. يعني ثبت اجتهادك أولاً، ثم طلق زوجتي. بل قيل عنه: إنه قال لصاحب (الجواهر): أعطِ جواهرك هذه لبايعي الفلفل والكمّون يصرون بها. قال الأمين في (الأعيان): ومثل هذا قد يقع بين المتعاصرين كثيراً، ولكنه لا يقدح في جلالة شأنهم([3]). رحمهم الله برحمته وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 1410 هجرية توفي بقم المقدسة آية الله السيد محمد حسين الحكيم المولود سنة 1333 هجرة. كان عالماً محققاً، ومجتهداً متضلعاً خبيراً، حضر على أبيه السيد محمد سعيد وعلى غيره من الأعلام، وتصدى للتدريس والتأليف. وكان في قمة الورع والتقوى، والتواضع والصبر والسكينة. أعدم له الحكم البعثي البائد في عام تأليف هذا الكتاب سنة 1424 هجرية ثلاثة أولاد فصبر واحتسب. وقد هاجر في الأخير إلى قم، وبقي مواصلا مسيرته العلمية حتى وافاه الأجل بالتاريخ المذكور 29 /3/ 1410 هجرية. وكان من تلامذته الحجة الشيخ منصور البيات القطيفي المتوفى بتاريخ 29 /8/ 1420 هجرية، رحم الله الجميع برحمته.
_________________
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.