حدث في مثل هذا اليوم (9 محرم الحرام)
في اليوم التاسع من شهر المحرم رجع يونس إلى قومه، بعد أن خرج من عندهم مغاضباً وركب السفينة ثم اُلقي منها في البحر فابتلعه الحوت، والله أعلم كم بقي في بطنه: ﴿فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنْ المُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾([1]). ثم قذفه الحوت وقد انسلخ جلده ﴿وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ﴾([2]) وبعد أن نبت عليه جلده، ورجعت إليه قوته رجع الى قومه.
وسيأتي عنه أنّه ابتلعته الحوت في يوم 16 /10، وعلى هذا تكون غيبته عن قومه أربعة وثمانين يوماً من ابتلاع الحوت له إلى رجوعه إلى قومه، والله أعلم بما سبق ذلك من الأيام، وبما بقي في بطن الحوت.
***
قالوا: وفي هذا اليوم مولد موسى بن عمران (عليه السلام).
***
وفيه مولد مريم بنت عمران.
***
وفي هذا اليوم من سنة 61 هجرية ولد شيخ المقرئين واُستاذ المحدّثين سليمان ابن مهران الأعمش الكوفي، الإمام المشهور. كان أبوه من دنباوند، قدم الكوفة وامرأته حامل بالأعمش، فولدته بها بالتاريخ المذكور، وتوفّي بتاريخ25 /3/ 148 كما سيأتي إن شاء الله.
قالوا: وكان لطيف الخلق مزّاحاً، فقد روي عنه أنه مرض فعاده بعض أصحابه وأطالوا الجلوس عنده، فطوى فراشه وقال لهم: قوموا فقد عافى الله مريضكم([3]).
ومن محاسن ما روي عنه أنّ هشام بن عبد الملك بن مروان المتوفى بتاريخ 6 /4/ 125 هجرية، كتب إليه أن يكتب إليه شيئاً من مناقب عثمان، ومن مساوئ علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فكتب إليه: اعلم أنّه لو كانت لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك، ولو كانت لعلي (عليه السلام) مساوئ أهل الأرض ما ضرّتك، فعليك بخويصة نفسك، والسلام([4]). رحمه الله برحمته.
***
وفي هذا اليوم من سنة (61) أيضاً ولد أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي البصري، كان ـ مع كونه مكفوفاً ـ عالماً كبيراً، ومفسراً شهيراً، ونسابة خبيراً، وكان يدور البصرة كلّها أعلاها وأسفلها بدون قائد. قال أبو عبيدة: ما كنا نفقد كل يوم راكباً من ناحية بني اُمية ينيخ على باب قتادة فيسأله عن خبر أو نسب أو شعر ([5]).
وكان يحضر حلقة الحسن البصري في مسجد البصرة، فدخل المسجد يوماً فسمع أصوات حلقة من الناس، فجلس عندهم واذا هم عمرو بن عبيد والنفر الذين اعتزلوا حلقة الحسن البصري، فقام عنهم وقال: إنما هؤلاء المعتزلة فمنذ ذلك اليوم سمّوا المعتزلة.
وتوفي بواسط سنة 117 أو سنة 118 هجرية. رحمه الله برحمته.
***
وفي عصر هذا اليوم من سنة 61 هجرية أيضاً زحف الجيش على الحسين (عليه السلام)، وأرادوا قتاله فطلب منهم أن يؤخّروه تلك العشية؛ ليصلي لربه (صلى الله عليه وعلى جده وأبيه واُمه وأخيه، وعلى التسعة المعصومين من بنيه، وعلى المستشهدين بين يديه).
***
وفيه من سنة 61 هجرية أيضاً ولد الخليفة الثامن من الخلفاء الاُمويين، وهو الخليفة العادل، والملك الفاضل عمر بن عبد العزيز، وكان يعرف بأشجّ بني اُمية؛ لضربة من دابة في وجهه. اُمه اُم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
ومن أعماله الحسنة أنّه رفع السبّ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وجعل مكانه: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاء وَالمُنكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾([6]).
قال بعضهم: وأراد عمر بن عبد العزيز بجعل هذه الآية الكريمة بديلاً من شتم علي (عليه السلام) أن يقول للناس: ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾ وشتم علي (عليه السلام) ظلم وإساءة: ﴿وَإِيتَاء ذِي القُرْبَى﴾ آل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حقّهم من التكريم والاحترام، وعلي من قربى رسول الله وله الاحترام والتكريم، ﴿وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاء وَالمُنكَرِ﴾ وشتم علي فحشاء ومنكر، ﴿وَالبَغْيِ﴾ وشتم علي بغي؛ لأنّه لم يفعل ما يستوجب به الشتم ولم يشتم أحداً حتى ولو كان ممن يستحق الشتم، بل كان ينهى أصحابه عن الشتم، ويقول: «إني أكره أن تكونوا سبابين»([7]) ﴿يَعِظُكُمْ﴾ جلّ وعلا بهذا الأمر والنهي ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾.
ولذلك مدحه كثير عزّه المتوفى سنة 105 هجرية، بقوله:
وُلّيت ولم تشتم علياً ولم تخفْ *** بريئاً ولم تقبل مقالة مجرمِ
وصدّقت بالقول الفعال مع الذي *** أتيت فأمسى راضياً كل مسلمِ([8])
ومدحه السيد الرضي المتوفى 6 / 1/ 406 هجرية ـ كما تقدم ـ فقال:
يا بن عبد العزيز لو بكت العيـ *** ـن فتى من اُمية لبكيتكْ
أنت نزهتنا عن السبّ والشـ *** ـتم فلو يمكن الجزا لجزيتكْ
غير أني أقول إنك قد طبـ *** ـت وإن لم يطب ولم يزكُ أصلكْ
وعجيب أني قليت بني مر *** وان طراً وأنني ما قليتكْ([9])
توفّي بدير سمعان من أرض حمص بتاريخ 24 / 7 /101 هجرية، كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقد كتب عنه المقدّس الشيخ مغنيه (المتوفى بتاريخ 19/ 1/ 1400 هـ) في كتاب (الشيعة والحاكمون) ما يفي بحقه وزيادة.
***
وفي اليوم التاسع من شهر المحرّم الحرام من سنة 361 هجرية ولد سيف الدولة فاتح الهند السلطان محمود بن سبكتكين، المتوفّى 11 / 2 /421 هجرية، كما سيأتي إن شاء الله، فكان عمره 60 سنة وشهراً. رحمه الله برحمته.
***
وفيه من سنة 1268 هجرية توفّي بلاكسفو من بلاد الهند سيد محمد تليخان الموسوي النيسابوري، والد حجّة الإسلام السيد حامد حسين صاحب كتاب (عبقات الأنوار)، المتوفّى بتاريخ 18 /2 من سنة 1306 هجرية. وللمترجم عدّة مؤلفات منها كتاب (تشييد المطاعن وكشف الضغائن) مجلدين، وكتاب (برهان السعادات)، وكتاب (تقريب الأفهام في آيات الأحكام)، وغير ذلك من الكتب المعتبرة. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه سنة 1360 هجرية توفي بالكاظمين العلامة المحقق الشيخ جعفر نقدي صاحب المصنّفات الكثيرة والمؤلفات الشهيرة. وإذا كان مولده& بتاريخ 13 / 7 / 1303 يكون عمره رحمه الله 57 فقط، ولكنها وإن كانت حياة قصيرة فإن خيرها كثير؛ فقد ترك من المؤلّفات ما لا يستهان به، ومنها: (مواهب الواهب في إيمان أبي طالب)، و(وسيلة النجاة في شرح الباقيات الصالحات) لعبد الباقي أفندي العمري، المتوفى بتاريخ 30 /5/ 1278 هجرية، و(منن الرحمن في شرح قصيدة الفوز والأمان) ومنها ومنها.
أما شعره فهو في الطبقة الممتازة، وأكثره في مدح أهل البيت ومراثيهم، ومنه قوله في الإمام المهدي (عليه السلام):
أما وعينيك إنّ القلب مكمودُ *** مذ ساءني رزؤكم ما سرني عيدُ
ما العيد إلاّ بيوم فيه أنت ترى *** تلقى إليك من الدنيا مقاليدُ
وتملأ الأرض قسطاً بعدما ملئت *** جوراً وقد حلّ في أعداك تنكيدُ
يا صاحب العصر إنّ العصر قد نقصت *** أخياره وبنو الأشرار قد زيدوا
وصارم الغدر في أعناق شيعتكم *** قد جرّدته الأعادي وهو مغمودُ
الله أكبر يابن العسكري متى *** تبدو فيفرح إيمان وتوحيدُ
فديت صبرك كم تغضي وأنت ترى *** شمل الزمان به قد حلّ تبديدُ
وذي نواظرنا تجري مدامعها *** وملؤهن من الأرزاء تسهيدُ
تالله ما انعقدت يوماً محافلنا *** إلاّ بها مأتم للسبط معقودُ
وله قصيدة يرثي بها السيدة زينب، أولها:
ما جفّ دمع المستهام المغرم *** بعد الوقوف ضحىً بتلك الأرسم
وهي 53 بيتاً، وله وله. وقد توفي& بالتاريخ المذكور 9 /1/ 1370 هجرية فجأة في حسينية آل ياسين بالكاظمية بالمأتم الحسيني، فارتجّت لموته الكاظمية، وحمل إلى النجف ودفن في الصحن العلوي. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم، وهو اليوم التاسع من المحرم الحرام سنة 1361 هجرية توفي بالنجف الحجة الشيخ الهادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء صاحب كتاب (مستدرك نهج البلاغة) و(مصادر نهج البلاغة) و(شرح شرايع الإسلام) و(شرح تبصرة المتعلمين) و(منظومة في النحو) و(منظومة في الإمامة) و(اُرجوزة في سيرة الزهراء (سلام الله عليها)). وأما المنظومة المسماة بـ(المقبولة) فلا يزال خطباء المنبر الحسيني يجعلون بعضها موضع الشاهد لأحاديثهم الحسينية. وممّا قال رحمه الله في مدح النجف في قصيدة له:
قف بالنياق فهذه النجفُ *** أرض لها التقديس والشرف
رَبـْع ترجّلت الملوك به *** وبفضل عز جلاله اعترفوا
حرم تطوف به ملائكةُ *** الربّ الجليل وفيه تعتكفُ
ومن نتف شعره المليحة قوله الذي يدل على حبّه العميق لأميرالمؤمنين (عليه السلام):
قول إنّ الذي يموت يراني *** حارُ همدان عن علي رواه
فتمنّيت أن أموت مراراً *** كلّ يوم وليلة لأراه([10])
وقد كان يوم موته يوماً مشهوداً، اشتركت فيه سائر الطبقات بمواكب العزاء حتى اُودع في مقرّه الأخير إلى جنب جدّه وأبيه، رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي هذا اليوم 9 /1/ 1427 هجرية، الموافق يوم الأربعاء توفي بمدينة مشهد الإمام الرضا (عليه السلام) سماحة آية الله العظمى الشيخ الميرزا علي الفلسفي، الذي يعدّ من الرعيل الأول من تلامذة المرجع الديني الأعلى السيد أبي القاسم الخوئي، المتوفى بتاريخ 8 /2/ 1413 هجرية، ومن المبرّزين منهم، ومن القلائل الذين أجازهم السيد الخوئي بالاجتهاد خطياً، بل قيل: إنّه (رحمه الله) لم يجز بالاجتهاد أحداً خطياً إلّا الفلسفي هذا، وإلّا السيد علياً السيستاني الذي هو المرجع الديني الأعلى بعد وفاة اُستاذه السيد الخوئي (رحمه الله)، و(نسأل الله له طول البقاء). وقد اشتهر الفلسفي المذكور بالتواضع والورع، والزهد والقداسة، والبعد عن مظاهر الدنيا، ولذلك فقد شُيّع بالتشييع الباهر، وصلّى عليه آية الله العظمى الوحيد الخراساني (حفظه الله)، واُودع جثمانه الثرى، تغمده الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
_______________
([7]) نهج البلاغة / الكلام: 206.
([8]) مناقب آل أبي طالب 3: 22. شرح نهج البلاغة 4: 59. الكنى والألقاب 2: 33. الطبقات الكبرى 5: 393.
([9]) شرح نهج البلاغة 4: الوافي بالوفيات 22: 314. أعيان الشيعة 1: 24.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.