حدث في مثل هذا اليوم (15 ذي القعدة)
وفي ليلة هذا اليوم ـ 15/ 11 ـ من سنة 253 وذلك في خلافة المعتز العباسي توفي محمد بن عبد الله بن طاهر الخزاعي الأمير الشجاع الحازم الذي كان مألفاً لأهل العلم والأدب. وكان قد ولي نيابة بغداد من أيام المتوكل العباسي، ولما مات اشتد حزن المعتز العباسي عليه؛ لأن الأتراك إنما يهابونه من أجله، وهو الذي تولى قتل يحيى بن عمر الطالبي بتاريخ 13 /7/ 251 هجرية، فدخل عليه الناس يهنئونه بقتله، ودخل فيهم أبو هاشم داود بن القاسم بن إسحاق بن عبد الله بن جعفر الطيار، ولم يكن يعرف في ذلك الوقت أقصر نسباً في آل أبي طالب وسائر بني هاشم وقريش منه، وكان ذا زهد وورع، ونسك وعلم، صحيح العقل، سليم الحواس، منتصب القامة، فقال لابن طاهر: أيها الأمير أنك لتهنَّأ بقتل رجل لو كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) حياً لعُزِّي به. فلم يجيبه ابن طاهر بشيء، فخرج من عنده وهو يقول:
يا بني طاهر كلوه وبيا *** إن لحم النبي غير مري
إن وتراً يكون طالبه اللـ *** ـه لوتر بالفوت غير حري
وكان القمر مخسوفاً ليلة موته، فقال فيه الحسين بن علي بن طاهر في قصيدة له:
خسف البدر والأمير جميعا *** فانجلى البدر والأمير غميدُ
عاود البدر نوره بتجليـ *** ـه ونور الأمير ليس يعودُ
يا كسوفين ليلة الأحد النحـ *** ـس أحلتكما هناك السعودُ
واحد كان حدّه مثل حدّ الـ *** ـسيف والنار شبّ فيها الوقودُ([1])
رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي هذا اليوم ـ 15/ 11 وكان يوم السبت ـ من سنة 336 هجرية ولد بشيراز أبو نصر سابور بن أردشير الملقب بهاء الدولة، وزير بهاء الدولة أبي نصر بن عضد الدولة بن بويه الديلمي المتوفى بتاريخ 5/ 6/ 404 هجرية. قال ابن خلّكان: كان أبونصر من أكابر الوزراء وأماثل الرؤساء، جمعت فيه الكفاية والدراية، وكان بابه محط الشعراء. ولمّا أعيد إلى الوزارة ـ بعد صرفه عنها ـ كتب إليه أبو إسحاق الصابئ المتوفى سنة 384 هجرية:
قد كنت طلقت الوزراة بعدما *** زلت بها قدم وساء صنيعُها
فغدت بغيرك تُستحل ضرورة *** كيما يحل إلى ثراك رجوعُها
فالآن عادت ثم آلت حلفة *** ألّا يبيت سواك وهو ضجيعُها([2])
ومدحه أبوالفرج الببغاء ـ المتوفى بتاريخ 27/ 8/ 398 هجرية ـ فقال:
لمت الزمان على تأخير مطَّلبي *** فقال ما وجه لومي وهو محظورُ
فقلتُ لو شئت مافات الغنى أملي *** فقال أخطأت بل لو شاء سابورُ
لُذ بالوزير أبي نصر وسل شططاً *** أسرف فإنك في الإسراف معذورُ
وقد تقبلت هذا النصح من زمني *** والنصح حتى من الأعداء مشكورُ([3])
وقد توفي سابور سنة 416 هـ ببغداد، وعمره (80) سنة. رحمه الله برحمته.
***
وفي هذا اليوم ـ 15/ 11 ـ من سنة 387 هـ توفي ابن سمعون محمد بن أحمد بن إسماعيل الواعظ البغدادي. قال صاحب كتاب (الكنى والألقاب): كان وحيد دهره في الكلام وحسن الوعظ، وعذوبة اللفظ، وحلاوة الإشارة، ولطف العبارة، وكان لأهل العراق به اعتقاد كبير وغرام شديد. وذكروا من كلامه البديع أنه قال سبحان من أنطق باللحم وابصر بالشحم واسمع بالعظم اشارة إلى اللسان والعين والأذن([4]). ولكن لا يخفى أن ابن سمعون أخذ هذه الكلمات من كلام أميرالمؤمنين (عليه السلام) حيث قال (عليه السلام): «اعجبوا لهذه الإنسان؛ ينظر بشحم، ويتكلم بلحم، ويسمع بعظم». وليس هذا مختص بابن سمعون، بل كل من جاء بعده من الخطباء أخذ عنه وتعلم منه، فهو إمام الفصحاء، وسيد البلغاء. وقد يأتي في ترجمة عبدالحميد الكاتب ـ بتاريخ 21/ 12 ـ ما يدل على ذلك. رحم الله الجميع برحمته، وسلام الله عليك يا أميرالمؤمنين، وياوارث علم سيد النبيين.
***
وفيه من سنة 391 هجرية ولد الخليفة السادس والعشرون من خلفاء بني العباس، وهو القائم بأمر الله. وقد مر الحديث عنه بعون الله في يوم وفاته: 13 /8/ 367 هـ.
***
وفي هذا اليوم ـ 15/ 11 ـ من سنة 463 هجرية ـ وكان يوم جمعة ـ انتصر المسلمون على جيش الروم بمعركة ملا ذكر في شمالي حلب؛ حيث أجمع امبراطور الروم «أرمانوس الرابع» على سحق المسلمين وتدمير الخلافة في بغداد، وحشد جيشاً يربو على ثلاثمئة ألف مقاتل من الروم والأرمن والفرنج والفرس، وغيرهم، ورافقه نحو من خمسة وثلاثين ألفاً من الرهبان والقساوسة. وكان السلطان ألب أرسلان بن داود السلجوقي ـ المتوفى بتاريخ 6 /3/ 465 هجرية، والملقب يمين أميرالمؤمنين القائم بأمر الله العباسي المتوفى بتاريخ 10 /8/ 467 هجرية ـ معدماً، ليس معه من العسكر إلّا ما يربو على خمسة عشر ألف مقاتل فقط.
فحاول ألب أرسلان استرضاء ملك الروم أرمانوس بكل ما يستطيع، فأبى وأصر على الحرب، فبقي ألب أرسلان بين خيارين؛ أما الانسحاب أمام جيوش الروم، وفي ذلك ما فيه من الهلاك والدمار، أو المواجهة على الرغم من عدم التكافؤ في العدد والعدة، فاختار المواجهة، ولجأ إلى الله جل وعلا، وعفر وجهه في التراب، وألحّ في الدعاء، واختار ساعة اللقاء يوم الجمعة 15 /11/ 463 هجرية عندما يكون الخطباء على المنابر يدعون الله أن ينصر المجاهدين.
ولم تمضِ إلا ساعات قليلة من تلك الساعة حتى أنزل الله نصره على المسلمين، فانهزم جيش الروم، وأسر الإمبراطور أرمانوس مع آلاف كثيرة. وكان ذلك من أعظم ما نزل بالدولة الرومانية الشرقية، ومهَّد لقيام مملكة إسلامية في قلب آسيا الصغرى. والحمدلله رب العالمين.
***
في اليوم الخامس عشر من شهر ذي القعدة سنة 530 ـ وهو اليوم الثاني من دخول الملك مسعود السلجوقي إلى بغداد ـ اُحضر الشهود عند القضاة فشهدوا على الخليفة الراشد الذي فرّ إلى الموصل بأنه فعل الأفعال المحرمة، وأحدث في الإسلام ما لا يجوز له أن يحدثه، فحكم قاضي قضاة المالكية ـ وهو ابن الكرخي ـ بخلعه، فخلع وبويع بدلاً منه عمه المقتفي لأمر الله ـ وهو الواحد والثلاثون من خلفاء بني العباس ـ ولما علم الراشد بذلك هرب من الموصل إلى أصفهان، وفيها وثب عليه بعض أتباعه الفداوية فقتلوه في شهر رمضان سنة 532، وكان عمره حينئذٍ ثلاثين سنة، ومدة خلافته منذ بويع إلى أن خلع سنة إلا يوماً أو يومين.
***
وفي هذا اليوم ـ وهو اليوم الخامس عشر من شهر ذي القعدة الحرام ـ سنة 1349 هجرية توفي الشيخ الجليل، والخطيب الكبير، الشيخ ناجي بن حمادي بن خميس الحلي. كان خطيباً بارعاً، وعالماً نافعاً حضر زماناً طويلاً على درس الفقيهين الكبيرين المقدس الميرزا حسين النائيني ـ المتوفى بتاريخ 26 /5/ 1355 هجرية ـ والسيد أبو الحسن الإصفهاني ـ المتوفى بتاريخ 9/ 12/ 1365 هجرية ـ فأنتج خلال حضوره عندهما تقريراتهما، وتدوين آرائهما في الفقه والأصول بأسلوب محكم رصين، فكان لذلك مرموقاً بين أقرانه. وقد تقدم ذكر أخيه الشيخ مجيد بتاريخ 6/ 11. أما شعره، فهو في غاية الجزالة والرقة، ومن شعره قصيدته الميمية الحسينية التي مطلعها:
أبى العزم أن يلوي على اللوم حازمُ *** فحسبك وهناً أن يصدك لائمُ
إذا النفس لم تأخذ من العقل زينة *** حكتها بشوهاء الخصال البهائمُ([5])
ومن لا يحارب نفسه طال حربه *** وليس لها بين الأنام مسالم
وإن هو لم يكظم على النفس غيضها *** شفت نفسها منه العدى وهو كاظم
ومن لم يدار الناس كبراً فإنه *** يداريهم من خيفة وهو راغم
أبى الله أن ترسو قواعد دينه *** إذا لم يقم من آل أحمد قائم
إلى آخر القصيدة المذكورة في كتاب (أدب الطف) للسيد جواد شبر. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم ـ وهو اليوم الخامس عشر من شهر ذي القعدة الحرام ـ سنة 1372 هجرية توفي حجة الإسلام العلّامة الكبير، والكاتب الشهير الشيخ راضي آل يس صاحب كتاب (صلح الحسن (عليه السلام)). توفي بلبنان، ونقل جثمانه الشريف إلى النجف الأشرف، ودفن بمقبرتهم «مقبرة آل يس» التي دفن فيها قبله أخوه وشقيقه المرجع الشيعي الكبير الشيخ محمد رضا آل يس المتوفى بتاريخ 28/ 7/ 1370 هجرية. ودفن فيها بعده شقيقه الثالث المجتهد الكبير آية الله الشيخ مرتضى آل يس المتوفى سنة 1398 هجرية. وهؤلاء الأعلام الثلاثة هم أخوال الآية العظمى، والنابغة الكبرى، الشهيد السيد محمد باقر الصدر المستشهد بتاريخ 24 /5/ 1400 هـ. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته. ومن شعر الشيخ مرتضى المذكور المتوفى سنة 1398 هجرية ـ كما تقدم ـ قوله
للخمسة الأطهار أهل العبا *** وهبت قلبي منذ عهد الصبا
فما انثنى عن مدحهم لحظة *** كلّا ولا نحو سواهم صبا
هواهُمُ ينعش قلبي إذا *** ما أنعش الناس نسيم الصبا
قال المقدس الشيخ فرج العمران ـ المتوفى بتاريخ 22 /3/ 1398 هجرية ـ: وفي عصر يوم الأربعاء 5 /3/ 1379 هجرية زرت العلّامة الشيخ مرتضى المذكور، فأنشدني هذه الأبيات، واقترح علي أن أعززها ببيت رابع مع مراعاة لزوم مالا يلزم، فقلت:
وحبهم حصن منيع عن الـ *** هول وإن أعضل واعصوصبا
رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفيه من سنة 1389 هجرية توفي بالنجف العلّامة المجاهد الشيخ محمد حسن المشهور بآغا بزرك الطهراني صاحب كتاب (الذريعة إلى تصانيف الشيعة)، وغيرها من الكتب النافعة. وكان من عادات هذا الشيخ ـ رحمه الله ـ أنه يذهب كل ليلة أربعاء إلى مسجد السهلة، ويشتغل فيه بالعبادة طيلة الليل، ومازال على هذه العادة حتى تجاوز الثمانين. وكان يقيم الجماعة في مسجد الشيخ الطوسي بالنجف الأشرف، وما زال حتى سنة 1376 هجرية. ثم لما عجز عن التردد إلى مسجد الطوسي بسبب كبره، وما أصابه من حادث السيارة اختار أن ينتقل إلى مسجد الطريحي لقربه من منزله، وقبل وفاته بسنوات عجز حتى عن الوصول إلى هذا المسجد.
وسيأتي ذكر وفاته أيضاً بتاريخ 13/ 12. رحمه الله برحمته.
***
في اليوم الخامس عشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1408 هجرية توفي الوجيه الكريم، الحاج عبد الله بن علي آل كمال القديحي القطيفي. وقد رثيته ـ رحمه الله ـ بقصيدة، وألقيتها في ليلة أربعينيه، وهي ليلة 25/ 12/ 1408 هجرية:
آه من الدهر أو آه من القدر *** بما جناه على الأخيار من غِيَرِ
أحبة لي قد كانت منازلهم *** منازل الضيف والأذكار والسورِ
أحبة لي قد كانت مجالسهم *** مجالس الخير قد صاروا إلى الحفر
آه علي فآهاتي لفقدهُمُ *** لا تنقضي لو أطال الله في عمري
وكيف أسلو رجالاً قد عرفتهُمُ *** من الصبا أنهم من خيرة الخيرِ
منذ الصبا وإلى الستين من عمري *** عرفتهم هكذى في الحل والسفر
يحافظون كما قد قال خالقهم *** على الصلاة بلا فخر ولا ضجرِ
صاموا وقاموا وأدوا حق خالقهم *** من مالهم فغدا صفواً بلا كدرِ
واطعموا البائس المسكين منه وكم *** آووا يتيماً وأحيوا سنة السحرِ
حجوا إلى البيت حج الصالحين ومن *** يعظم البيت نال العتق من سفرِ
شادوا مآتم أهل البيت من عرق الـ *** ـجبين ومن كد اليمين بلا ورد ولا صدر([6])
شادوا مآتمهم أحيوا مآثرهم *** سل الغدير فما أدراه بالخبرِ
سل الغدير وسل ميلاد صاحبه *** عن الذي نحن في ذكراه للعبرِ
سلهم يجيبوك عن رمز الكمال أبي الـ *** ـكمال عديل السمع والبصرِ([7])
أبا الكمال لماذا غاب شخصك عن *** ذكرى الغدير وماذا صار من خبرِ
أتى الغدير وما أحييت ليلته *** وما قضيت إلى ذكراه من وطرِ
لو اعتذرت إلى خم وليلته *** فإن عاشور قد وافى على الأثرِ
وافى فهل أنت قد أعددت عدته *** فانهض فإنك لم تترك ولم تدرِ
بالآل والحال والأولاد قاطبة *** في خدمة السبط فانهض غير معتذرِ
واهاً عليك رفيق العمر وا اسفى *** عليك غبت فلا تأتي لمنتظرِ
فلا الغدير ولا العاشور أنت له *** قضيت نحبك مشكوراً على طهرِ
خدمت آل رسول الله محتسباً *** وإنك اليوم مخدوم على سررِ
وهذه سنة الدنيا فلا عتب *** على الزمان ولا عتب على القدرِ
رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
___________________
([1]) أعيان الشيعة 5: 198/ 476.
([2]) وفيات الأعيان 2: 355 ـ 356.
([6]) البيت غير موزون، فيه تفعيلة زائدة.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.