خطبة الجمعة 4/4/1434هــ- أبوذر الغفاري مجاهد وشهيد
الحمد لله رب العالمين، حمدا يحمده به الشاكرون، وأسبحه بما سبحه به الذاكرون، وأشكره بما شكره به الحامدون، وأستغفره بما استغفر به التائبون، وأتوب إليه إنه هو التواب الرحيم.
وأصلي وأسلم على سيد المرسلين، وخاتم النبين، حبيب قلوب العالمين، أبي القاسم محمد(ص) وآله الطاهرين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإن خير الزاد التقوى،
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} التوبة:34ـ35.
تشير الآية الكريمة الأولى إلى أن بعض الأحبار والرهبان، كانوا يأكلون أموال الناس بلا مسوغ ولا مجوز وذلك من خلال عدة طرق:
الطريق الأول: كانوا يبدلون الحقائق مقابل الرشوات، ولذلك كانوا يحكمون لصالح الأقوياء والأثرياء.
الطريق الثاني: إنهم كتموا عن الناس الحقائق التي جاء بها موسى وعيسى، في التورات والإنجيل، حتى لأنن يؤمن الناس بعد ذلك بدين الإسلام، فتكون مصالحهم في خطر وتنقطع عنهم العطايا.
الطريق الثالث: كانوا يصدون الناس عن سبيل الله، وذلك عن طريق تحريف الآيات، وإلصاق التهم بمن يخالفهم، وإصدار الأحكام الجائرة.
كل هذا حملهم على صد أتباعهم عن سبيل الله، كما هو اليوم تماما من تشويه الإسلام، وتشويه سمعة نبي الرحمة (ص) بل وهذا هو السبب الذي حمل البعض على الجهل بحقيقة الإسلام والنفرة منه، وإن كنا قمنا كمسلمين على المساعدة على هذا التشويه من خلال أعمال الإرهاب، والفتاوى التي يندى منها الجبين، أو من خلال ما في المصادر من غث يخجل أهل الذوق من سماعه فضلا عن الإيمان به.
بعد هذا يتكلم القرآن عن قانون كلي في شأن أصحاب الثراء، والذين يكنزون أموالهم بغير حق وطريق شرعي.
المراد بالكنز وضع المال على بعض وحفظه، وأصله من كنزت التمر في الوعاء.
وفي مفهوم الكنز حفظ المال المكنوز وادخاره ومنعه من أن يجري بين الناس في وجوه المعاملات فينموا نماء حسنا، ويعم الانتفاع به في المجتمع وذلك بالعمل عليه وتنميته.
وسبيل الله: هو ما توقف عليه قيام دين الله على ساقه، وأن يسلم من انهدام بنيانه، كالجهاد في سبيل الله، وجميع مصالح الدين الواجب حفظها، وشؤون مجتمع المسلمين التي ينفسخ عقد المجتمع لو انفسخت، والحقوق المالية الواجبة التي أقام الدين بها صلب المجتمع الديني، فمن كنز ذهبا أو فضة والحاجة قائمة والضرورة عاكفة فقد كنز الذهب والفضة ولم ينفقها في سبيل الله، فليبشر بعذاب أليم؛ فإنه آثر نفسه على ربه، وقدم حاجة نفسه أو ولده الاحتمالية على حاجة المجتمع الديني القطعية.
وفي بعض روايات أهل البيت (ع) في حديث عن النبي قال (ص): (أي مال أديت زكاته فليس بكنز) وفي الروايات لما نزلت آية الكنز ثقل على المسلمين الأمر، وقال بعضهم ليس لنا أن ندخر شيئا لأبنائنا إذن، ثم سألوا النبي (ص): فقال: (إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وإنما فرض المواريث من أموال تبقى بعدكم). أي لو لم يسمح الإسلام بجمع المال لم يشرع قوانين المواريث. قال (ص): (من أدى زكاة مال فما تبقى منه ليس بكنز).
هذا وقد روي عن الصادق (ع) يقول: (لشيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم في الخيرات، وما بقي فهو حلال لهم، إلا أنه إذا ظهر القائم حرم جميع الكنوز والأموال المدخرة حتى يؤتى بها إليه ويستعين بها على عدوه، وذلك معنى قوله تعالى: {والذين يكنزون الذهب والفضة}.
وكان أبو ذر الغفاري (رضي الله عنه) يقرأ في المدينة في ديوان الخليفة عثمان الآية الكريمة حتى ضاق به ذرعا، فوجهه إلى الشام ، إلى حيث معاوية بن ابي سفيان، تحت القبة الخضراء، فلما دخل عليه ورأى زبارج الدنيا، قال: يامعاوية إن كان هذا من مالك فأنت مسرف ولعنة الله على المسرفين، وإن كان من مال المسلمين فأنت خائن ولعنة الله على الخائنين.
وكان يخرج إلى السوق وينادي أمام الناس الذين زرع فيهم معاوية بغض علي: أيه الناس علموا أولادكم حب علي ومن أبى فانظروا في شأن أمه.
لو أن عبدا أتى بالصالحات غدا * وود كل نبي مرسل وولي
وقام ما قام قواما بلا ملل * وصام ما صام صواما بلا كسل
وطار في الجو لا يأوي إلى أحد * وغاص في البحر مأمونا من البلل
ما كان ذاك بيوم الحشر نافعه * إلا بحب أمير المؤمنين علي
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.