يوم الأربعين ـ ٨
وفي رواية سهل قال: خرجت جارية من قصر يزيد فرأته ينكث ثنايا الإمام، فقالت: قطع الله يديك ورجليك أتنكث ثنايا طالما قبلها رسول الله؟ إني كنت بين اليقظة والنوم إذ نظرت إلى باب من السماء وقد فُتح وإذا أنا بسلَّم من نورٍ قد نزل من السماء إلى الأرض وإذا بغلامين أمردين عليهما ثياب خضر وهما ينزلان على ذلك السلَّم وقد بسط لهما بساط من زبرجد الجنة، وقد أخذ نور ذلك البساط من المشرق إلى المغرب، وإذا برجل رفيق القامة مدور الهامة قد أقبل يسعى حتى جلس على ذلك البساط فنادى: يا أبي آدم اهبط، فهبط رجل من السماء دري اللون، ثم نادى: يا أبي سام اهبط، فهبط، ثم نادى: يا أبي إبراهيم اهبط، فهبط، ثم نادى: يا أخي موسى اهبط فهبط، ثم نادى: يا أخي عيسى اهبط فهبط، ثم رأيت امرأة واقفة وقد نشرت شعرها وهي تنادي يا أمي حواء اهبطي، يا أمي خديجة اهبطي، يا أمي هاجر اهبطي، يا أختي سارة اهبطي، يا أختي مريم اهبطي، وإذا بهاتف من الجو يقول: هذه فاطمة بنت محمد المصطفى، وزوجة علي المرتضى، وأم سيد الشهداء المقبور بكربلاء، ثم إنها نادت: يا أبتاه أما ترى إلى ما صنعت أمَّتك بولدي الحسين؟ فبكى رسول الله| وقال: يا أبي آدم ألا ترى ما فعلت الطغاة بولدي الحسين؟ فبكى آدم وبكى كل من كان حاضراً حتى بكت الملائكة لبكائهم، ثم رأيت رجالاً كثيرة حول الرأس الشريف. فأمر يزيد بضرب عنقها، وأمر أن يُصلب الرأس على باب داره، وأمر بأهل بيت الحسين فأُدخلوا إلى داره، فلما دخلنَ النسوة إلى دار يزيد لم يبق أحد من آل معاوية وآل أبي سفيان إلا استقبلهن بالبكاء والصراخ، وخرجت هند بنت عبد الله بن كريز حتى شقّت الستر وهي حاسرة فوثبت إلى يزيد وقالت: يا يزيد أرأس ابن فاطمة مصلوب على باب داري وهو وديعة رسول الله؟ فوثب إليها يزيد وغطاها وقال: نعم فاعولي يا هند وأبكي على ابن بنت رسول الله وصريخة قريش عجل عليه ابن مرجانة فقتله (قتله الله) وبقي رأس الحسين مصلوباً ثلاثة أيام، وسمع صوت الرأس الشريف بدمشق يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله ويقرأ ﴿أم حَسِبْتَ أنَّ أصحاب الكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبَاً﴾.
فأمر يزيد (لعنه الله) بنساء الحسين مع علي بن الحسين فحبسوا في دار لا تكنهم عن حر ولا برد حتى تقشرت وجوههم. وكان (لعنه الله) في مدة إقامتهم في ذلك السجن قد عرضهم مراراً عديدة في مجلسه، فأحضرهم ذات يوم وكان يلبس النعل من الذهب، وأقبل على علي بن الحسين وقال: يا غلام أنت الذي أبوك أراد خلافتي وملكي، فالحمد لله الذي سفك دمه. فقال علي بن الحسين: «من كان أحق بالخلافة أنت أم هو، وهو ابن بنت نبيكم، ولكن جرت الأشياء بتقدير الله عزوجل، أما سمعت قوله عزوجل في كتابه العزيز: ﴿مَا أصَابَكُم مِنْ مُصِيبَةٍ في الأرض ولا في أنفُسِكُمْ إلا فِي كِتابٍ مِنْ قبل أن نبرأها﴾».
فغضب يزيد (لعنه الله) وقال: خذوه واضربوا عنقه، فبكى علي ابن الحسين ونظر إلى السماء وأنشد يقول:
أناجيك يا جداه يا خير مرسل |
|
حبيبك مقتول ونسلك ضايع |
قال: فتعلقت به عماته فقالت أم كلثوم: «يا يزيد، ما كفاك ما فعلت بنا وقد أرويت الأرض من دمائنا أهل البيت وقد بقي هذا العليل، تريد أن تقطع نسل رسول الله؟ فأبكت كل من كان حاضراً». فقال له بعض جلسائه: سألتك بالله يا يزيد إلا عفوت عنه فإنه صغير السن ولا يجب عليه القتل. فأمر بتخليته، ثم إن علي بن الحسين أقبل على يزيد وقال: «سألتك بالله إن أردت قتلي فابعث مع هذه النسوة من يردهنّ إلى حرم جدهن رسول الله». قال: فضج الناس بالبكاء والنحيب، فخشى يزيد الفتنة وقال: يا غلام طب نفساً وقر عيناً، فوالله ما يوصلهن سواك.
وفي البحار عن المدائني: لما انتسب السجاد إلى النبي قال يزيد لجلوازه: ادخله في هذا البستان واقتله وادفنه فيه، فدخل به البستان وجعل يحفر والسجاد يصلي، فلما همَّ بقتله ضربته يدُ من الهوى فخر لوجهه وشهق ودهش، فرآه خالد بن يزيد وليس لوجهه بقية، فانقلب إلى أبيه وقصّ الخبر عليه، فأمر يزيد بدفن الجلواز في الحفيرة التي حفرها، وأمر بإطلاق زيد العابدين، ووسّع في حبس زين العابدين.
وفي الكتاب المذكور عن هند زوجة يزيد قالت: أخذت مضجعي فرأيت باباً من السماء قد فتح، والملائكة ينزلون كتائب كتائب على رأس الحسين وهم يقولون: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك يا ابن رسول الله. فبينما أنا كذلك إذ نظرت إلى سحابة قد نزلت من السماء وفيها رجال كثيرون وفيهم رجل دري اللون قمري الوجه، فأقبل حتى انكب على ثنايا الحسين يقبلها وهو يقول: «يا ولدي قتلوك، أتراهم ما عرفوك، ومن شرب الماء منعوك، يا ولدي أنا جدك رسول الله، وهذا أبوك علي المرتضى، وهذا أخوك الحسن، وهذا عمك جعفر، وهذا الحمزة والعباس» ثم جعل يعدّد أهل بيته واحداً بعد واحد. قالت هند: فانتبهت من نومي فزعة مرعوبة فإذا بنور قد انتشر على رأس الحسين، فجعلت اطلب يزيداً وإذا به قد دخل في بيت مظلم وقد أدار وجهه إلى الحائط وهو يقول: مالي وقتل الحسين؟ ووقعت عليه الهموم والغموم. فقصصت عليه المنام، فلما أصبح استدعى بحرم الحسين وقال لهن: أيما أحب إليكن المقام عنيد أو الرجوع إلى المدينة؟ فقلن: نحب أولاً أن ننوح على الحسين. قال: اللعن افعلوا ما بدا لكم، ثم أخليت لهن الحجر والبيوت في دمشق الشام فلم تبق هاشمية ولا قرشية إلا ولبست السواد، وندبوا الحسين× سبعة أيام.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.