خطبة الجمعة 22/1/1434 هـ -تشويه الثورة الحسينية
الحمد لله رب العالمين، ديان يوم الدين، خالق الخلائق أجمعين، به نتوكل ونستعين، فهو خير ناصر ومعين، ونصلي ونسلم على سيد المرسلين، نبينا محمد وآله الطاهرين، وعظم الله أجور المؤمنين.
من أديم الطفوف روض خضيل * يا أبا الطف وازدهى بالضحايا
ورضيع مطوق وشبول * ثلة من صحابة وشقيق
طلعة حلوة ووجه جميل * والشباب النضير جف فغابت
وزواكي الدماء منها تسيل * وتمشيت تستبين الضحايا
نم عنها التسبيح والتهليل * ومشت في شفاهك الغر نجوى
ك فهذا إلى رضاك قليل * لك عتبى يارب إن كان يرضي
رزق الله الإمام الحسين الشهادة، صابرا محتسبا، مقدما بين يدي الله كل ما يملك، ومضحيا بروحه ومن معه في سبيل الله تعالى. وقد جنت بذالك يد اليزيدين أكبر جناية بذرية رسول الله (ص).
ومع كل ما حصل بطف كربلاء وما بعدها، إلا أن هناك من جنى على شهيد كربلاء، ومن لا يزال كذالك، ونستطيع أن نتكلم عن نقطتين مهمتين:
النقطة الأولى: الذين عادو الإمام الحسين (ع) وأساءوا لمقامه الشريف، وشنعوا عليه، وهو سيد شباب أهل الجنة، وريحانة الرسول (ص).
ومنهم: أبو بكر بن العربي المالكي. كما ذكر في (فيض القدير شرح الجامع الصغير) ج1 :265ـ266، ج5: 313. وفي تفسي الألوسي: ج26: 72. ذكر أن الإمام الحسين خرج على إمام زمانه وأن قتل بسيف جده. حيث أن جده (ص) هو الذي حمل القرآن الذي يقول: فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ الحجرات 9.
ولا شك أن كلام ابن العربي يعني أحد أمرين:
الأمر الأول: أن يكون الرسول عالما بأنه سوف يخرج ويقتل، ومع ذالك قال فيه : أنه سيد شباب أهل الجنة، فهذا يعني أن خروج الحسين كان شرعيا وفي سبيل الحق.
الأمر الثاني: أن يدعي ابن العربي أن الرسول (ص) لا يعلم ذالك من الحسين (ع)، وهذا اعتقاد بأن الرسول (ص) يجهل ويتكل هراء وهذا كفر، حيث أن الرسول (ص) أخبر أم سلمة بما يجري على الحسين وأحضر لها ترابا من كربلاء.
ومنهم: الغزالي. كما في كتاب حياة الحيوان الكبرى ج2: 85. إنه سئل عمن يصرح بسب يزيد بن معاوية هل يحكم بفسقه أم يكون ذالك مرخصا فيه؟ وهل يزيد بن معاوية قتل الحسين أم كان قصده الدفع فقط؟ وهل يسوغ لنا الترحم عليه، أم أن السكوت عنه أفضل.
فأجاب بقوله: لايجوز لعن المسلم أصلا، ومن لعن المسلم فهو الملعون، وقد قال (ص): (المسلم ليس بلعان) وكيف يجوز لعن المسلم وقد ورد النهي عن ذالك؟ وحرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة، ويزيد صح إسلامه، وما صح قتله للحسين (ع) ولا أمره ولا رضاه بذالك، ومهما لم يصح ذالك عنه لم يجز أن يظن ذالك به؛ فإن إسائة الظن أيضا بالمسلم حرام، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وقال (ص): (إن الله حرم من المسلم دمه وماله وعرضه، وأن يظن به ؟ن السوء).
ومن أراد أن يعلم حقيقة من الذي أمر بقتله لم يقدر على ذالك، وإذا لم يعلم وجب إحسان الظن بكل مسلم يمكن إحسان الظن به.ومع هذا لو ثبت على مسلم أنه قتل مسلما، فمذهب أهل الحق أنه ليس بكافر، والقتل ليس بكفر بل هو معصية، وإذا مات القاتل، فربما مات بعد التوبة، والكافر لو تاب من كفره لم يجز لعنه، فكيف بمن تاب من قتل. ولم يعرف أن قاتل الحسين مات قبل التوبة وهو الذي يقبل التوبة من عباده.
فإذن لا يجوز لعن أحد ممن مات من المسلمين، ومن لعنه كان فاسقا عاصيا لله عز وجل، ولو جاز لعنه فسكت لم يكن عاصيا بالإجماع، بل لو لم يلعن إبليس طول عمره لا يقال له لم لم تلعن إبليس؟ ويقال للاعن: لم لعنت؟ ومن أين عرفت أنه ملعون؟ والملعون هو المبعد من الله عز وجل، وذالك لا يعرف إلا فيمن مات كافرا، فإن ذالك علم بالشرع. وأما الترحم عليه فجائز بل مستحب، بل داخل في قولنا: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، فإنه كان مؤمنا.
النقطة الثانية: إسائة المحبين. فإن أهل البيت أرادوا منا أن نسير على سيرتهم وطريقتهم كما يحبون هم، (كونوا دعاة لنا بغير ألسنتكم) وقول آخر (ولكن أعينونا بورع واجتهاد) وقال الإمام الباقر (ع): (إنما شيعتنا من اتقى الله وأطاعه).
ومن هنا كما علينا أن نحارب الخرافة حتى لا تدخل في عقول أبنائنا، فعلينا أن لا نتعاطف مع الترهات كي لا تتحول العاطفة إلى واقعية ليس لها حقيقة في التاريخ.
إننا نريد الحسين الثائر من أجل الله كي نسير على خطه، ونريد الحسين الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والمصلح في أمة جده كي نقتدي به، ونريد الحسين الذي عاش العزة والإباء والكرامة حتى نشمخ بهاماتنا مرفوعي الرأس، نعيش مقولة: (هيهات منا الذلة).
إننا في طريق الحسين نتعلم كيف نوقر كبارنا، ونحترم صغارنا، ونتبع أعلامنا، ونحيي شعائرنا، وبهذا يوحدنا الحسين؛ لأنه عاش وحدة القضية ووحدة الكلمة والمبدأ، ووحدة الهدف والشعار، وفي الزيارة الجامعة: (ومن وحده قبل عنكم) ومن أحب ما يريده الأئمة هو وحدتنا، ومن تراه يعمل على تمزيق الوحدة فعليك أن تحذر منه، وتتجنب أفكاره الهدامة؛ لأن ثورة الحسين تبني الأمة ولا تعمل على ههدم قوتها وتفكيك أواصرها
اتقوا الله في شبابنا، واتقوا الله في شعائرنا، واتقوالله في علمائنا، فإنهم حماة الدين وحراس العقيدة، وتجنبوا الفرقة والتنازع؛ لأن توحيد الله يدعوا لتوحيد الكلمة. يقول شاعر أهل البيت:
بأشكالها الأخرى تجيء معنقه * أرى ترهات الأمس ترجع حية
وشدت وثاق القرب صارت مفرقه * كأن الثقافات التي زاد ثقلها
وأنجبت الأيام روحا مطلقه * سدى طارت الآمال مثل جهودنا
وكل على ليلاه أبدى تشوقه * ونحن دعاة الدين نقرع طبلة
وتطحن أضلاع التلاحم مطرقه * وفي الضفة الأخرى تسام جهاتنا
فراياتنا شتى نراها ممزقه * توزعنا الأهواء في ساحة الولا
بخنجر شذاذ ونهدم أروقه * نسير على نهج ونطعن أصله
تلف ضحايانا من الحقد شرنقه * هل الدين إلا الحب فيم اقتتالنا
ونمسي كأعواد الثقاب بمحرقه * أيجمعنا الخط الحسيني في الضحى
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.