خطبة الجمعة 14/2/1434هـ – الآثار التربوية للعبادة
الحمد لله الذي أنار قلوبنا بضياء الإيمان، وتفضل علينا بجميل الإحسان، ليطهرنا من دنس الآثام والأدران، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
يا غافر الذنب، يا قابل التوب، يا عافي عن المذنبين، نستغفرك ربنا ونتوب إليك، إنك أنت التواب الرحيم.
يا من يرى ما في الضمير ويسمع * أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها * يا من إليه المشتكى والمفزع
يا من خزائن ملكه في قول كن * أمنن فإن الخير عندك أجمع
مالي سوى فقري إليك وسيلة * بالافتقار إليك فقري أدفع
مالي سوى قرعي لبابك حيلة * ولئن رددت فأي باب أقرع
ومن الذي أدعوا وأهتف باسمه * إن كان فضلك عن فقير يمنع
حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا * والفضل أجزل والمواهب أوسع
قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين}.
لكل نظام فكري أساليب سلوكية تغلب عليها الصفة الجماعية، ليواكبوا بين انطباعات الإنسان النفسية والفكرية وبين طاقاته الجسمية، بعتباره الكائن البشري الذي هو وحدة لا تتجزأ بجسمه وعقله وروحه، بينما لم يخلوا الأمر من العبثين. قال تعالى: {الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا} الأعراف51.
ولكن العبادة في الإسلام لها هدف سام ونبيل وهادف فهو:
أولا: ينظم الحياة اليومية بالصلاة. التي هي عمود الدين. قال تعالى: {إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا}.
ثانيا: ينظم الحياة الغذائية بالصوم. الذي هو الكف عن المفطرات بالنية. قال تعالى: {ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام}.
ثالثا: ينظم الحياة الاقتصادية المتكافلة بالخمس والزكاة.
رابعا: ينظم الحياة الاجتماعية بالحج وصلاة الجمعة والجماعة.
والسر في هذه العبادات أنها ترتبط بمعنى واحد، وهو العبودية لله وحده. قال تعالى: {لوأنفقت مافي الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم} الأنفال 63. وقال تعالى: { قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}.الأنفال 62.
الأثر التربوي للعبادة
أولا: تعلمنا العبادات الوعي الفكري الدائم من خلال:
1: الإخلاص. قال تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} إذ لا مكان في الإسلام للمتباهين والمرائين والمتبخترين بعطاياهم، لذلك ربى أهل البيت شيعتهم على صدقة السر كل ما أمكن، وفعل الخير قربة إليه تعالى.
2: أن نأتي بها حسب ما يريد منا الشرع المقدس، وليس حسب أذواقنا وأمنياتنا وانفعالاتنا وأذواقنا؛ لأن أمزجة الناس مختلفة ومتباينة ومتنافرة، وليس يجمعنا على طاعة الله إلا كلمة التوحيد التي تعني توحيد الكلمة، والتي لن نحقق نجاحا باهرا مهما حاولنا، إلا إذا وضعنا يدنا الطاهرة بيد بعض وتعاونا على البر والتقوى.
فتبا لكل غاشم وظالم عبث بوحدة المسلمين، واستباح دمائهم، وهتك حرماتهم، وأحرق أرضهم، وشتت شملهم، وأثار الفتن في أوساطهم، وزرع البغضاء في قلوبهم، ومكن أعداء الإسلام منهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
3: الشعور بالانقياد لله سبحانه وتعالى. في كل ما يأمر وينهى، حتى لو كان على حساب تفويت مصالحنا، وترك ملذاتنا وشهواتنا، وعلى ذلك شرعت بعض الفرائض.
ثانيا: تعلمنا العبادات الارتباط بالمسلمين في كل مكان. وهذا يعطي الشعور بقوة الجماعة والعاطفة المشتركة إلى جانب لذة المناجاة الفردية، فالمسلم ينبغي أن يرتبط مع أخيه المسلم ويشعر به ويتفاعل معه أين ما كان في شرق الأرض أو غربها، إذا أصابته فاقة أو استغاث بأخيه المسلم، فقد ورد: (من سمع مسلما ينادي يا للمسلمين فلم يجبه فليس بمسلم).
ثالثا: تربي النفس على العزة والكرامة لأن الله أكبر من كل كبير وبيده كل شيء فدائما ننادي: الله أكبر ولاشيء أكبر من الله، الله أكبر والعزة لله، وشعار أهل البيت هو: (هيهات منا الذلة) قال الشاعر:
وإذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا
رابعا: عبادة الله تدعونا إلى التعارف والتناصح والتشاور والمعاملة العادلة الحسنة، والا نضواء تحت أسرة واحدة، يسودها المحبة والإخاء، والتعاضد والتعاون، حتى ننهض بمجتمعنا إلى المستوى الأفضل والأمثل، ولذلك من المهم في كل عمل أن نحاسب أنفسنا، حتى نتعرف على أخطائنا، فنتجاوزها بسهولة ويسر، ونستفيد من تجارب الماضي، فنرقى بأنفسنا من الأنا، ومن تبعة أصحاب النفوس المريضة، وننأ بأنفسنا من أن نعمل الخطأ ونصر عليه. لأن ذلك له ثمن في المستقبل عظيم.
خامسا: تربي عند المسلم الفضائل الثابتة كالأخلاق الفاضلة مثل الحب والمودة والإحسان، لاعلى الطائفية ولا العرقية ولا القومية. وفي الحديث (لافضل لعربي على أعجمي ولآ لأعجمي على عربي ولا لأبيض على أسود ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى).
سادسا: تزود الإنسان بقوة الارتباط بالله تعالى والثقة به وأنه القادر على النصرة والمثيب لمن أطاعه وهذا يدفع الإنسان إلى بذل الجهد والإنتاج المستمر. قال تعالى: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك هم المتقون} البقرة 177.
سابعا: التربية العبادية تجدد نفسية الإنسان المسلم بشكل مستمر وتزوده بالنور والقوة والعاطفة والأمل وبالتوبة المطهرة للقلب وهي جزء من العبادة، لأنها تقوم على تذكر رقابة الله ونعمه وجبروته وعقابه ولذلك نرى العبد يستغفر الله في كل صلاة. قال تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون} النور 31.
فعلينا أن نلتفت إلى الاستغفار والتوبة إلى الله سبحانه، حتى نطهر نفوسنا وفكرنا من الشوائب الشيطانية، وقلوبنا من الآثام الباطنية، وأن نتوجه إلى الله تعالى بالعبادة والدعاء، وندعو الله تعالى في هذه الأيام، أن يحفظ زوار سيد الشهداء، الذين ينادون: لبيك ياحسين.
أيه المؤمنون إن خير العبادة الدعاء لنصرة المؤمنين والمستضعفين، الذين يعيشون المعاناة وعدم الإستقرار، خاصة ونحن نودع عاما ونتطلع إلى عام عالمي جديد، والشيطان الأكبر والموساد الإسرائيلي، لازالا سببا في كثير من قلق هذه الأمة، من حيث الإجرام والقتل والفساد وفقدان الأمن، رغم بداية الانهيار المحتوم للاستكبار، الذي لاحت علائمه.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم أيه المؤمنون، إنه هو التواب الرحيم، والحمد لله رب العالمين.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.