حدث في مثل هذا اليوم (6 شعبان)
في هذا اليوم من سنة 13 هجرية وصل أبو عبيدة بن الجرّاح بجيش المسلمين إلى أنطاكية ثمّ فتحها بعد ثلاثة أيام صُلْحاً؛ لأن أهلها صالحوه على الجزية أو الجلاء فجلا بعضهم ممّن لم يخضع لتسليم الجزية وأقام بعضهم مع تسليم الجزية.
قال صاحب معجم البلدان([1]): ثمّ نقضوا الصلح فوجّه إليهم أبو عبيدة عياض بن غنم، وحبيب بن مسلم ففتحاها على الصلح الأول، ويُقال: بل نقضوا الصلح بعد رجوع أبي عبيدة عنهم إلى فلسطين فوجّه إليها عمرو بن العاص من إيليا ففتحها ورجع. وأنطاكية مدينة كبيرة تعتبر قصبة عواصم الثغور الشامية، ويُنسب إليها جماعة من أهل الفضل، ومن أشهرهم الشيخ داود بن عمر الأنطاكي الطبيب الحكيم الفيلسوف الضرير صاحب كتاب (تزيين الأسواق)، وكتاب (تذكرة أولي الألباب)، وكتاب (النزاهة المبهجة في تعديل الأمزجة) وغيرها من الكتب النافعة، تُوفّي داود سنة 1008 هجرية.
وبأنطاكية أو في قرية من قُراها قبر حبيب النجار يقصده الزوّار من كلّ فج. وحبيب النجار هو صاحب آل يس الذي عناه قوله تعالى: ﴿وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾([2])، وفي الميزان عن الدر المنثور([3]): أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «الصدّيقون ثلاثة: حبيب النجّار مؤمن آل يس الذي قال: ﴿يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ﴾([4])، وحزقيل مؤمن آل فرعون الذي قال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾([5])، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أفضلهم»([6]).
***
وفي هذا اليوم من سنة 435 هجرية تُوفّي ملك العراق البويهي جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة بن بويه الديلمي البويهي، الذي يصفه المؤرّخون بأنّه كان حسن السيرة محبّاً للرعية ولا سيّما العلماء والصالحين.
قال ابن الأثير في حوادث سنة 429 هجرية: في هذه السنة سأل جلال الدولة من الخليفة السادس والعشرين من خلفاء بني العباس وهو القائم بأمر الله المتوفّى بتأريخ: 13 / 8 / 467 هجرية كما سيأتي إن شاء الله، سأل منه أن يأمر الناس بتسميته ملك الملوك، فقال له: نستفتي الفقهاء في ذلك، فاستفتاهم فأفتى بعضهم بالجواز ومنهم مَن امتنع من ذلك، وكان ممّن امتنع من ذلك أبو الحسن الماوردي المتوفّى بتأريخ 30 / 3 / 450 هجرية كما تقدّم، وجرى بينه وبين الفقهاء الذي أفتوا بالجواز نقاش وجدال.
وبعد أن أفتى بالتحريم وعارض المجوّزين امتنع عن الحضور عند جلال الدولة ولزم بيته خائفاً، وفي ذات يوم استدعاه جلال الدولة فحضر عنده وهو موقن بالقتل، فلمّا دخل عليه عظّمه وأكرمه وقال له: إنّي أعلم أنّك لم تفعل ذلك إلّا لمرضاة الله، وقد بان لي بذلك موضعك من الدين، ومكانك منه، وأنّك الآن أعزّ لديّ ممّا كنتُ قبل.
واستمرّ على إكرامه واحترامه إلى أن مات([7]). وهذا يدلّ على عدل جلال الدولة وإنصافه وتواضعه للحق؛ ولذلك فقد متّعه الله بملكه اثنتي عشرة سنة مع ضعفه واستيلاء الجُنْد عليه. وقد لقي من الأتراك شدائد متواصلة، وكان يزور الصالحين، ويعظّم المؤمنين، وقد زار الإمام عليّاً (عليه السلام) بالنجف الأشرف وزار ولده الحسين (عليه السلام) بكربلاء وكان يمشي حافياً قبل أن يصل إلى كل مشهد منهما نحو فرسخ؛ يفعل ذلك تديّناً منه. رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته.
***
وفيه من سنة 574 هجرية تُوفّي الشاعر المشهور ابن الصيفي سعد بن محمد المعروف بحيص بيص صاحب الأبيات الثلاثة المشهورة التي أوّلها:
مَلَكْنَا فصارَ العفوُ منّا سجيّةً *** ولمّا ملكتُمْ سَالَ بالدمِ أَبْطحُ
قال ابن خلّكان في كتابه (وفيات الأعيان): قال الشيخ نصر الله بن مجلي ـ وكان من ثقات أهل السنّة ـ: رأيتُ عليَّ بن أبي طالب (عليه السلام) في المنام فقلتُ له: يا أمير المؤمنين، تفتحون مكّة فتقولون: «مَن دخل دار أبي سفيان فهو آمن»، ثمّ يتمّ على ولدك الحسين (عليه السلام) يوم الطف منهم ما يتمّ؟ فقال: «أما سمعتَ أبيات ابن الصيفي في هذا؟». فقلتُ: لا. فقال: «اسمعها منه».
قال: فلمّا استيقظتُ بادرتُ إلى داره، وذكرتُ له الرؤيا، فشهق وأجهش بالبكاء، وحلف بالله أنّ هذه الأبيات ما خرجتْ من فمي أوخطي إلى أحد، وما كنتُ نظمتُها إلّا في ليلتي هذه. ثمّ أنشدني إيّاها، وهي:
مَلَكْنا فصارَ العفوُ منّا سجيّةً *** ولمّا ملكْتُم سَالَ بالدمِ أَبْطُحُ
وحَلَّلْتُمُ قَتْلَ الأُسارى وطالما *** غدوْنا عن الأسرى نَعُفو ونَصْفَحُ
فحسْبُكُم هذا التفاوتُ بيننا *** وكلُّ إناءٍ بالذي فيهِ يَنْضَحُ([8])
وقد خمّس هذه الأبيات بعض المحبّين فقال (رحمه الله):
نَعَمْ جدُّنا المختار ليس أميّةً *** وجدّتنا الزهرا وليستْ سميةً
ونحن وُلاةُ الناسِ لسنا رعيةً *** (ملكنا فصار العفو منّا سجيةً
ولمّا ملكتُم سالَ بالدمِ أَبْطُحُ)
ألم نَكُ يا أهلَ الضلالةِ والعمى *** عفونا عن الأَسْرى حيّاً وتكرما
لم ذا سفكتُم بالطفوفِ لنا دَمَاً *** (وحلَّلتُمُ قَتْل الأسارى وطالما
غدونا عن الأسرى نعفُّ ونَصْفَحُ)
فأفعالُكمْ أوحتْ إلى الناسِ أنّنا *** على غير ما أنتم عليه فَمَا لَنَا
مثيلٌ ولا مجدٌ يُماثلُ مَجْدَنا *** (وحسْبُكُمْ هذا التفاوتُ بينَنَا
وكلّ إناءٍ بالذي فيه يَنْضَحُ)
***
وفيه من سنة 1388 هجرية تُوفّي العلّامة الكبير الشيخ محمد ابن الشيخ شكر الله الحقاني من أهالي قرية بيرم التي تقع على بعد 375 كيلومتر من مدينة شيراز. وكانت إقامته بهذه القرية، وقد قيل له: إنّ لك كفاءة علمية عالية، فلو أقمتَ في قم لكان لك في الحوزة دور كبير. فأجاب: إنّ في العلماء مَن يرى أنّ منطقته محتاجة إلى مثله.
وممّا نُقل عنه (رحمه الله) أنّه خرج يوماً إلى المسجد لأداء صلاة الصبح كما هي عادته، ولمّا عاد طلب من أهله ثوباً ليلبسه، فسألتْه زوجته أين ثوبك الذي خرجتَ به؟ فقال لها: اتيني بثوب ولا تسألي أين ذهب ذلك الثوب، فجاءته بثوب فلبسه. وبعد ساعات جاء رجل شبه مجنون فجلس عند بابهم، فجاءتْهُ ببعض الطعام ووجدت عليه ثوب الشيخ الذي خرج به إلى المسجد، فسألتْه زوجته: كيف صار ثوبك إلى هذا المجنون؟ فقال: إنّي رأيتُه قد التجأ إلى المسجد في صباح هذا اليوم البارد وهو يرتعش من شدّة البرد فأعطيتُه ثوبي.
ويقول حفيده الشيخ يحيى الحقاني: إنّ جدّه الشيخ قد أخبرهم عن قرب وفاته قبل خمسة وعشرين يوماً من موته، وأنّه في الليلة التي تُوفّي فيها أوصى بما أراد، ورتّب أموره، ووضع كلّ شيء في محلّه، ثمّ اشتغل بالصلاة وتلاوة القرآن حتى الصباح، فقالت له زوجة ولده أُمّ حفيده الشيخ يحيى المذكور: استرح يا شيخ؛ فقد أتعبتَ نفسك هذه الليلة بالعبادة. فقال لها: إنّ صحّتي جيّدة ولذلك فإنّي لم أحس بتعب، وإنّي الآن أنتظر شخصين كريمين كنتُ على موعد معهما.
ثمّ قام وصلّى الصبح، وعندما انتهى منها قال لي: ها هما قد أتيا، فنظرتُ في البيت فلم أَرَ أحداً ولكنّه كان يرحّب بهما وكأنّه يراهما، ثمّ اتكأ وغمّض عينيه ولم يكن إلّا دقائق وإذا به قد فارق الدنيا. رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته.
_________________
([6]) الميزان في تفسير القرآن 17: 83، وقد رواه كذلك عن البخاري في تاريخه.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.