حدث في مثل هذا اليوم ( 23 شعبان )
في هذا اليوم من سنة 304 هجرية توفي بطبرستان الناصر للحق شيخ الطالبيين السيد الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أبو محمد الأطروشي الملقب بناصر الحق، والناصر الكبير جد السيدين الرضي والمرتضى لأمهما فاطمة بنت أبي محمد الحسن أو الحسين بن أحمد بن الحسن هذا([1]) الملقب بناصر الحق وبالأطروشي أو الأصم؛ لصمم في أذنه شيخ الطالبيين وعالمهم وزاهدهم وأديبهم وشاعرهم ملك بلاد الديلم والجبل وطبرستان، ولم يرَ الناس مثل عدله وحسن سيرته وإقامته للحق، وجرت له حروب عظيمة مع السامانية، وقد غلبوه على طبرستان وأخرجوه منها بعد أن أقام فيها ثلاث عشرة سنة، ثم زحف عليهم بأهل الديلم فاستولى عليها واستوطنها إلى أن توفي بها بالتاريخ المذكور 23 / 8 / 304. وقد تقدم أن دخوله الديلم بتاريخ 1 / 1. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه أو في 27 / 8 / 352 توفي الوزير المهلبي أبو محمد الحسن بن هارون المهلبي، ينتهى نسبه إلى المهلب بن أبي صفرة الأزدي. وقد تقدم أنه ولد بتاريخ 26 / 1 / 291، وتولى الوزارة لعضد الدولة بن بويه بتاريخ 27 / 5 / 339، وتوفي في طريق واسط، وحمل إلى بغداد، ودفن في مقابر قريش. ورثاه الحسين بن الحجاج فقال:
مات الذي أمسى الثناء وراءه *** والعفو عفو الله بين يديه
هدم الزمان بموته الحصن الذي *** كنا نفر من الزمان إليه
فليعلمنَّ بنو بويه أنَّه *** فجعت به أيام آل بويه([2])
وقد تقدم الكلام عن آل بويه بتاريخ 12 / 2 عند الكلام على يزيد بن المهلب. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفيه من سنة 723 هجرية توفي الحسن بن محمد الطيبي الفاضل المحدث المفسر صاحب كتاب (الخلاصة في علم الدراية)، وغير ذلك من الكتب النافعة. قيل: إنه كان آية في استخراج الدقائق من آيات القرآن والسنن مقبلاً على نشر العلم، وكان يشتغل في التفسير من الصبح إلى الظهر، وفي الحديث من الظهر إلى العصر. وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة، فلم يزل ينفقها في وجوه الخير حتى صار في آخر عمره فقيراً.
وذكر في كتابه (الخلاصة) حكاية غريبة وهي أن أحمد بن حنبل المتوفى 12 / 3 / 241 ويحيى بن معين المتوفى 23 / 11 / 233 هجرية صليَّا في مسجد في الرصافة، وبعد الصلاة قام رجل من القصاصين فقال: حدثني أحمد بن حنل، ويحيى بن معين قالا: حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: من قال: لا إله إلّا الله خلق الله من كل كلمة منها طائراً منقاره من ذهب، وريشه من مرجان، وكذا وكذا، وأخذ يسرد في قصته نحو عشرين ورقة، فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إلى أحمد، ويقول أحدهما للآخر: أنت حدثته بهذا؟ فيقول: لا، وما سمعت بمثل هذا إلا هذه الساعة.
قال: ثم سكتا حتى فرغ من قصته، فأومأ إليه أحدهما بيده، فجاء مسرعاً وهو يظن أنه يجيزه على ما سمع منه، فقال له يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: حدثني به أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: فقال له: أنا ابن معين، وهذا ابن حنبل، والله ما سمعنا بهذا في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فان كان لابد لك من الكذب، فاكذب على غيرنا. فقال له: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم. قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق، وما علمت أن ذلك صحيح إلّا هذه الساعة. قال له يحيى: وكيف علمت الآن أني أحمق؟ قال: كأن ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما، كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين غيركما.
قال: فوضع أحمد بن حنبل كمه على وجهه، وقال: دعه يقوم، فقام وهو كالمستهزئ بهما([3]). رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 1315 هجرية توفي السيد الجليل، والشاعر الكبير، حجة الإسلام، كمال الدين السيد جعفر ابن السيد أحمد الحلي، يتصل نسبه الشريف بيحيى بن زيد الشهيد. ولد في اليوم الذي ولد فيه ابن عمه السيد حيدر الحلّي، وهو يوم 14 / 8 / 1277 بعد مولد ابن عمه المذكور بـ (29) سنة في إحدى القرى الملتصقة بالحلة على شاطئ الفرات. وقد توفي بعد عمر قصير لا يبلغ أربعين سنة؛ فمولده 15 / 8 / 1277، ووفاته 23 / 8 / 1315. وهو صاحب القصائد الحسينية الغراء التي طار صيتها في دنيا الأدب، ومنها قصيدته الرائية التي مطلعها:
أدرك تراتك أيها الموتورُ *** فلكم بكل يد دم مهدورُ
ومنها قصيدته الكافية وأولها:
الله أي دم في كربلا سفكا *** لم يجرِ في الأرض حتى أوقف الفلكا([4])
ومنها قصيدة اللامية التي مطلعها:
ألا لاسقت كفي عطاشى العواسلِ *** إذا أنا لم أنهض لثار الأوائلِ
ومنها قصيدته الميمية المشهورة التي نظمها في أقل من ساعتين، وهي:
وجه الصباح علي ليل مظلمُ *** وربيع أيامي علي محرمُ
ومنه قصيدته النونية، وهي:
في طلب العز يهون الفنا *** ولا يروم العز إلا أنا
إلى غير ذلك من القصائد الغرّاء التي يضيق بها الحصر. وقد عنى الإمام المصلح الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء المتوفى بتاريخ 18 / 11 / 1373 بشعره، فجمع ديواناً كبيراً وطبعه سنة 1331 هـ مضافاً إلى ديوانه الذي جمعه أخوه الأكبر السيد هاشم الذي سيأتي ذكره بتاريخ 30 / 8، أو يكون أخوه هو الذي جمع ديوانه، والشيخ هو الذي اعتنى بطبعه. وعلى كل حال نسأل الله ألّا يحرمنا أجرهم، ولا يضلنا بعدهم.
وقد أرخ عام وفاته الشيخ محمد ابن الشيخ حمزة التستري الأهوازي الحلي، المعروف بالملّا المتوفى سنة 1322 هجرية، فقال:
أظلم حزنا أفق المجدِ *** مذ غاب عنه قمر السعد
ومن لوي فل صرف الردى *** ضرب حسام مرهف الحد
أجعفر اللألاء قد غاب أم *** أرخت (غاب البحر في اللحدِ)
رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
______________
([3]) الرواشح السماوية: 282، وقد خرّجه محقّقه عن الخلاصة: 77، وانظر الجامع لأحكام القرآن 1: 79، ميزان الاعتدال 1: 47.
([4]) الانتصار 8: 305.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.