حدث في مثل هذا اليوم (19 جمادى الاُولى)
في هذا اليوم من سنة 36 هجرية استشهد زيد بن صوحان العبدي في معركة حرب الجمل بالبصرة. وكان ديناً فاضلاً، سيداً في قومه هو وإخوته صعصعة وعبد الله وسيحان. وكان من سادات التابعين. وفي كتاب (سفينة البحار) عن (الخرائج)([1]) أن النبي (صلى الله عليه وآله) ذكر زيد بن صوحان فقال: «زيد وما زيد، سبق منه عضو إلى الجنة». فقطعت يده اليسرى يوم نهاوند في سبيل الله. ويقال: إنه لما قطعت يده تبسم، فقال له رجل من قومه: ما هذا موضع تبسم. فقال له: إن ما حل بي أرجو به ثواب الله، أفأدفعه بألم الجزع الذي لا جدوى فيه، ولا دريكة لفائت معه؟ وفي تبسمي تعزية لبعض المؤمنين عن المؤمنين. فقال الرجل: أنت أعلم بالله.
وقال إبراهيم النخعي: كان زيد يحدثنا فقال له أعرابي: إن حديثك ليعجبني، وإن يدك لتريبني (يعني لعلَّها قطعت في سرقة). فقال له: أو ما تراها الشمال (يعني إنما تقطع في السرقة اليمين). فقال: والله ما أدري اليمين تقطعون أم الشمال؟ فقال زيد: صدق الله حيث يقول: ﴿الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلا يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللهُ﴾([2])…([3]).
ويروي أنه سكن المدائن، وقد روى المحاملي عن أبي سليمان قال: لما ورد علينا سلمان الفارسي المدائن أتيناه نستقريه ـ يعني نقرأ عليه القرأن ـ فقال: إن القرآن عربي، فاستقرئوه رجلاً عربياً. فكان يقرينا زيد، ويأخذ عليه سلمان، فإذا أخطأ رد عليه.
وكان سلمان أميرنا بالمدائن، فقال: إنا اُمرنا ألّا نؤمكم (يعني بسبب العجمة التي في لسانه)، تقدم يا زيد. فكان زيد يؤمّنا ويخطبنا. وكان سلمان يقول له يوم الجمعة: قم فذكر قومك([4]).
وقال له: كيف أنت يا زيد، إذا اقتتل القرآن والسلطان؟ قال: أكون مع القرآن. فقال له سلمان: نعم الزيد أنت إذن([5]).
فلما اقتتل القرآن والسلطان يوم الجمل كان مع القرآن ـ أي مع علي (عليه السلام) ـ فقتله عمرو بن يثري الضبي. وكان فارس أصحاب الجمل وشجاعهم، فدعا إلى البراز فخرج إليه علباء بن الهيثم السدوسي من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) فقتله عمرو، ثم دعا إلى البراز فخرج إليه هند بن عمرو الجميلي فقتله عمرو، ثم دعا إلى البراز، فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي (عليه السلام): يا أمير المؤمنين، إني رأيت يدي، أو يداً أشرفت من السماء، وهي تقول: هلم إلينا. وأنا خارج إلى ابن يثري، فإذا قتلني فادفنّي بدمي، ولا تغسلني؛ فإني مخاصم عند ربي. ثم خرج فقتله عمرو، وأخذ بخطام الجمل، وجعل يقول:
أرديت علباء وهنداً في طلقْ *** ثم ابن صوحان خضيباً في علقْ
قد سبق اليوم لنا ما قد سبقْ *** والوتر منا في علي ذي الفرقْ
والأشتر الغاويْ وعمرو بن الحَمَقْ *** والفارس المعلم في الحرب الحنَقْ
ذاك الذي في الحادثات لم يُطق *** أعني عليّاً ليته فينا مزقْ
أراد بعديّ: عديّ بن حاتم الطائي.
ثم رجع وطلب المبارزة، فخرج إليه عمار بن ياسر، فجعل الناس يسترجعون؛ لأنه كان أضعف من برز إليه؛ لكبره؛ فقد كان قارب التسعين من عمره، فاختلفا ضربتين، فنشب سيف بن يثري في جحفة عمار، فضربه عمار فصرعه، ثم أخذ برجله يسحبه حتى