حدث في مثل هذا اليوم (19 جمادى الآخرة)
قال صاحب كتاب (وقايع الشهور والأيام): إنّ في ليلة هذا اليوم ـ وكانت ليلة جمعة ـ بدأ حمل آمنة بنت وهب الزهرية بولدها المبارك محمد بن عبد الله رسول الله (صلى الله عليه وآله). أقول: وهذا القول مناسب؛ لكون مولده (صلى الله عليه وآله) في 17 / 3.
***
وفي هذا اليوم من سنة 311 هجرية توفّي العالم النحوي الأديب إبراهيم بن سهل السري الزجَّاج، صاحب كتاب (معاني القرآن)، وكتاب (الأمالي) وغيرهما من المؤلّفات والمصنفّات النافعة. روي أنّه كان بينه وبين رجل من أهل العلم اسمه «مسيند شر» خرج به الزَّجاج إلى حد الشتم فكتب إليه مسيند
أبى الزجّاج إلا شتم عرضي *** لينفعه فآثمه وضرّه
وأقسم صادقاً ما كان حر *** ليطلق لفظه في شتْم حُرّه
ولو أنّي كررت لفرّ منّي *** ولكنْ للمنون عليّ كَرّه
فأصبح قد وقاه الله شَرّي *** ليوم لا وقاه الله شرَّه
فلمّا اتصل الشعر بالزجّاج قصده راجلاً واعتذر إليه، وسأله الصفح عنه([1]).
أقول: وهكذا ينبغي أن يكون أهل العلم والفضل مثل مسيند في كفّه عن مقابلة الزجّاج بالشتم، ومثل الزجاج في اعتذاره لمسيند (رحمها الله).
وفي كتاب (الكنى والألقاب) عن الشيخ المفيد، بسنده عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: سمع أمير المؤمنين (عليه السلام) رجلاً يشتم قنبراً، فلّما أراد قنبر أن يردّ عليه ناداه أمير المؤمنين: «مهلاً يا قنبر، دع شاتمك مهاناً تُرضِ الرحمن وتُسخِط الشيطان، وتعاقب عدوَّك، فوالذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أرضى المؤمن ربَّه بمثل الحلم، ولا أسخط الشيطانَ بمثل الصمت، ولا عوقب الأحمق بمثل السكوت عنه»([2]).
وهذا السري هو غير أبي الحسن السري السقطي، الذي هو من رجال الطريقة، خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه، وتلميذ معروف الكرخي، والذي كانت وفاته بتاريخ 7 /9/ 253هجرية كما في كتاب (صفة الصفوة)، وغير أبي الحسن السري الكندي، الشاعر المشهور المتوفّى سنة 344 أو سنة 363 هجرية. رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي يوم الخميس الموافق 19/ 6/ 336 توفّي ببغداد أبو علي محمد بن أبي بكر همام بن سهيل الكاتب الأسكافي، قال عنه السيد باقر الخرسان في تعليقته على كتاب (الاحتجاج) للطبرسي: إنّه شيخ أصحابنا ومقدَّمهم، له منزلة عظيمة، وكان مولده بتاريخ 6/ 12/ 258 هجرية، فعمره يوم وفاته (78) سنة، ودفن بمقابر قريش. رحمه الله برحمته.
***
وفي سنة 655 هجرية والموافق تقريباً 3 /7/ 1257م قُتلت الملكة شجرة الدر الصالحية أم خليل ملكة مصر، أصلها من جواري الملك الصالح نجم الدين أيوب الأيوبي المتوفى سنة 647 هجرية، اشتراها في أيام أبيه وحظيت عنده، وولدت له ابنه خليلاً فأعتقها ثمّ تزوّجها، فكانت معه في البلاد الشامية لمّا كان مستولياً عليها مدةً طويلةً. ولمّا توفّي الملك بالمنصورة ـ وكانت المعارك يومئذٍ ناشبة بين جيشه وبين الإفرنج ـ كانت عنده، فأخفت موته واستمر كل شيء كما كان، فالأمراء في الخدمة والسماط يمنَ كل يوم، وإذا سُئلِت عن زوجها السلطان تقول: إنّه مريض، لا يصل أحد إليه.
وكانت قارئة كاتبة، ذات عقل وحزم، لها معرفة تامة بأحوال المملكة؛ ولذلك فإنّها نالت من العزّ والرفعة ما لم تنله امرأة قبلها، وأرسلت بعض رجالها إلى ولد الملك (تورانشاه) فحضر، ولكنّها رجعت إلى القاهرة قبل وصوله، فاتهمها بشيء من المال والمجوهرات، وبعث إليها يتهدّدها، فخافت منه، واستوحش منه بعض المماليك فقتله.
وتقدّمت هي للملك وضربت السكة باسمها، وخُطب لها على المنابر، وجَعلت وزير زوجها عز الدين أيبك الصالحي وزيراً لها، ثمّ تزوجته ونزلت له عن السلطنة، ولكنّها احتفظت بالسيطرة عليه، ولمّا أراد أن يتزوّج عليها أمرت مماليكها فقتلوه خنقاً بالحمام، وعلم ولده علي بذلك، فقبض عليها وسلّمها إلى اُمّه، فأمرت جواريها أن يقتلنها بالقباقيب والنعال، فضربنها حتى ماتت بالتاريخ المذكور 19/ 6. رحم الله المؤمنين برحمته.
***
وفي هذا اليوم 19/ 6 من سنة 1284 هجرية، ولد شمس العلماء السيد ناصر حسين ابن السيد حامد حسين الموسوي الهندي، درس في النجف الأشرف، ثمّ انتقل إلى مدينة لكهنو بالهند، وفيها أقام حتى وافاه الأجل سنة 1361 هجرية في غُرّة رجب وعمره (77) سنة فقط. وكان إماماً في علم الرجال والحديث، واسع التتبّع، كثير الاطلاع، قوي الحافظة، لا يكاد يسأله أحدٌ عن مطلب إلّا ويحيله إلى مظانّة من الكتب مع الإشارة إلى عدد الصفحات. وكان أحد الأساطين والمراجع في الهند، وله وقار وهيبة في قلوب العامة، وخطبه مشتملة على عبارات جزله وألفاظ مستطرفة، وقد دُفن عند مرقد القاضي التستري الشهيد بمدينة «إكره» بالهند. ومن شعره قوله:
إن كنت من شيعة الهادي أبي حسن *** حقاً فاعدد لريب الدهر تجفافا
إنّ البلاء نصيب كل شيعته *** فاصبر ولا تكُ عند الهمّ منصافا ([3])
رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته.
***
وفي هذا اليوم من سنة 1426هجرية، توفّي بالدمّام السعودية حجة الإسلام الشيخ حسين بن محمد الخليفة الأحسائي، شقيق المرحوم الحجة الشيخ صادق الخليفة، الذي تقدّم ذكرْ وفاته بتأريخ 11 /5/ 1413هـ، وقد تقدّم أنّ المترجم الشيخ حسين قد أقعدتْه الشيخوخة عن مزاولة أعماله أكثر من عشرسنين؛ لأنّه تجاوز المئة، فهو أكبر من أخيه الشيخ صادق إلّا إنّه مع ذلك يتمتع بمكانة في نفوس المؤمنين؛ وذلك لصلاحه ونزاهته؛ لأنّه (رحمه الله) كان في غاية الصلاح والزهد والنزاهة، وقد نُقل جثمانه الشريف إلى الأحساء، وووري في مقبرة بلدة المبرّز. رحمه الله برحمته.
***
وفي هذا اليوم 19 /6/ 1426هجرية ـ وكان يوم الثلاثاء ـ توفّي بالبحاري (من بلدان القطيف) الخطيب المؤمن الحاج الملّا أحمد بن حسن بن صالح بن محمد آل محيسن، وقد كان هذا المؤمن كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «المؤمن كالنخلة، يأكل طيّباً ويخرج طيّباً»([4]). فلا تسمع منه إلّا كلمةً طيبةً، ولا ترى منه إلّا محضراً طيّباً، ولا ينفك ليلاً نهاراً في خدمة الناس ولا سيّما أهل بلده، فإنّه معهم في جميع أفراحهم وأتراحهم، من دون أن يضرب حساباً للمادة، فلا يضجر إذا أعطى القليل، ولا يفرح إذا اُعطي الكثير، وكان يقرأ عاداته اليومية والأسبوعية، ومجالسه العاشورية والموسمية بدون تكلّف في الحفظ والتحضير، فتأتي قراءته نافعةً مقبولةً محبوبةً، ومع أنّه كان مكفوفاً وأصابه المرض والكبر، ولكنّه لم يتقاعس عن خدماته وقراءاته إلّا إذا أقعده المرض.
ولمّا توفّي بالتاريخ المذكور 19 /6/ 1426 خسرت بلاده بموته خسارة لا تُعوّض، فشيّعوه بالقلوب والدموع، وكان له تشييع باهر قلّ أن يحصل لغيره من الخطباء، وردّد بعضهم قول: «كيف ننساك يا أبا حسن». رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنتّه.
وإذا كان مولده كما روي عنه بتاريخ 21/ 10/ 1343، فعمره يوم وفاته يقرب من (83) سنة. رحمه الله برحمته.
***
وفي هذا اليوم الموافق يوم السبت من سنة 1427 هجرية، تُوفّي بـ(أمّ الحمام) القطيف صديقي المخلص الرجل الفاضل الحاج علي بن محسن بن صالح المسبح «أبو نزار»، المولود سنة 1356هـ، ففُجع بموته عارفوه، وبكى عليه محبّوه. وقد رثاه بعض شعراء البلده وذكروه بما هو أهله من الصفات الفاضلة والأخلاق العالية، ومنهم الشاب السعيد سعيد معتوق الشبيب، المولود بتاريخ 12/ 3/ 1375هجرية كما تقدّم، فإنّه رثاه بقصيدة قال فيها:
حزن الصغار ودمعهم أبكانا *** فقدوا بفقدك يا علي حنانا
أمّ الحمام أبا نزار لم تزل *** بالنوح تخلق بالبكاء ألحانا
لحن الرحيل المرّ يطرق سمعَنا *** إنّا فقدنا فاضلاً إنسانا
رجلاً إذا قابلتَ بسمةَ ثغرهِ *** الفيت وَرْداً نرجساً ريحانا
رجلاً إذ قابلتَ صفحة وجهه *** الفيتَ قلباً طيباً ريّانا
تتلألأ الأذكار فوق شفاهه *** نوراً فيؤنس بالدعا إخوانا
هو عاشق الذكر الحكيم بقلبه *** لله قلب يعشق القرآنا
فيذوب في الآيات مفتوناً بها *** متململاً من سقيها سكرانا
أمّا الصلاة أبا نزار فأدمعٌ *** تجري عليك وتشتكي الحرمانا
والتربة الثكلى تئنّ بليلها *** وتحنّ للوِرد الطويل زمانا
رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته؛ فلقد كان صوّاماً قوّاماً باراً لأبيه وأمّه، وصولاً لأصدقاءه ورحمه مقبلاً على شأنه، عارفاً بأهل زمانه. وقد قلتُ فيه:
إذا أبصرتَ قبر أبي نزار *** فعجّل بالتحية والسلامِ
وقل يا قبر قد ضمّنت شخصاً *** مليئاً بالتهجّد والصيامِ
فكم قد صام أيّاماً طوالاً *** وكم قد قام في جنح الظلامِ
فطب يا قبره إذْ صرتَ باباً *** يمرّ به إلى دار السلامِ
رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته.
____________________
([3]) انظر أعيان الشيعة 10: 201، وفي مناقب آل أبي طالب 1: 386 أنها للسيّد الحميري (قدس سره).
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.