حدث في مثل هذا اليوم ( 16 رمضان )
في اليوم السادس عشر من شهر رمضان المبارك سنة 2 من الهجرة وصل النبي(صلى الله عليه وآله) إلى بدر، وإذا بقريش قد سبقوهم إليها، وقد نزلوا بالعدوة القصوى من المدينة، (وهو الجانب الجنوبي من بدر)، فنزل النبي(صلى الله عليه وآله) وأصحابه بالعدوة الدنيا من المدينة، (وهو الجانب الشمالي من بدر)، قال تعالى: ﴿إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾، يعني القافلة، فقد أخذها قائدها أبو سفيان إلى ساحل البحر؛ لئلّا يظفر بها المسلمون، ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾([1]).
وحلقت قريش على أكثر آبار بدر لئلّا ينزل عليها المسلمون، فما صارت ليلة الجمعة 17 رمضان المبارك إلّا وقد نفد الماء من يد المسلمين، فخرج علي(عليه السلام) بقربته، واستسقى لرسول الله(صلى الله عليه وآله) من بئر بعيدة، لم تنزل عليها قريش لبعدها، ولكنهم مزقوا دلاءها، وقطعوا، أرشيتها؛ لئلا ينتفع بها المسلمون، فنزل إليها علي(عليه السلام)، وملأ قربته منها. وفي رجوعه منها مرت به ريح ثم ريح ثم ريح، فأصابته قشعريرة، فكان يجلس في كل واحدة منها، فلما وصل إلى النبي(صلى الله عليه وآله) وسأله عن سبب تأخره أخبره عن ذلك، فقال له النبي(صلى الله عليه وآله): «الريح الأُولى جبرئيل في ألف من الملائكة سلموا عليك، والثانية ميكائيل في ألف من الملائكة سلموا عليك، والثالثة إسرافيل في ألف من الملائكة سلموا عليك، وما جاؤوك إلا ليحفظوك». وقد نظم السيد الحميري هذه الحادثة فقال:
أقسم بالله وآلائه *** والمرء عما قال مسؤولُ
أن علي بن أبي طالب *** على التقى والبر مجبولُ
وأنه ذاك الإمام الذي *** له على الأمة تفضيلُ
ذاك الذي سلم في ليلة *** عليه ميكال وجبريل
جبريل في ألف وميكال في *** ألف ويتلوهم سرافيلُ
ليلة بدر مدداً أُرسلوا *** كأنهم طير أبابيلُ
فسلموا لمّا أتوا حذوه *** وذاك إعظام وتبجيلُ([2])
ولكن هذه القربة التي جاء بها علي(عليه السلام) لم تكن فيها الكفاية لجيش المسلمين، فلما عسعس الليل أنزل الله عليهم المطر، فسدّ حاجتهم، ولبّد أرضهم.
وقد قال صاحب (الميزان)(رحمه الله): إن هذه الآية ـ وهي قوله تعالى: ﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾([3]) ـ تؤيد ما ورد من أن المسلمين سبقهم المشركون إلى الماء، فنزلوا على كثيب رمل، وأصبحوا محدثين ومجنبين، وأصابهم الظماء في ليلتهم تلك، ووسوس إليهم الشيطان فقال: إن عدوكم قد سبقكم إلى الماء، وأنتم تصلون مع الجنابة والحدث، وتسوخ أقدامكم في الرمل. فأمطر الله عليهم السماء حتى اغتسلوا وتطهروا من الحدث، وتلبّدت أرضهم حتى ثبتت أقدامهم وأوحلت أرض عدوهم([4]).
***
في هذا اليوم 16 / 9 / 845 هجرية وكان يوم خميس توفي بالقاهرة أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد المقريزي؛ نسبة لحارة ببعلبك تعرف بحارة المقارزة، فأصله من بعلبك، غير أن والده جاء إلى القاهرة وولي بها بعض الوظائف. وقد روي أن ولادة المترجم كانت سنة 766 هجرية؛ فعمره 79 سنة. وقد قيل عنه: إن مؤلفاته أربت على مئتي مؤلف، ومنها كتاب (النزاع والتخاصم بين بني أمية وبني هاشم)، ومنها كتاب (الاوزان والأكيال الشرعية)، وكتاب (البيان والإعراب عما بأرض مصر من الأعراب)، وأكبرها كتاب (مجمع الفرائد ومنبع الفوائد)؛ فقد قيل: إن مجلداته بلغت نحو مئة مجلد، إلى غير ذلك من الكتب النافعة. و من شعره قوله:
عبد شمس قد أضمرت لبني ها *** شم حرباً يشيب منها الوليدُ
فابن حرب للمصطفى وابن هند *** لعلي وللحسين يزيدُ([5])
رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه ـ أي في اليوم السادس عشر من رمضان المبارك ـ من سنة 1383هـ توفي العلّامة الجليل، الفيلسوف، الشيخ محمد رضا المظفر، صاحب التأليفات النافعة، والتصنيفات المفيدة، ومنها كتاب (عقائد الشيعة الإمامية)، و(المنطق)، و(الأصول)، وغيرها من الكتب النافعة.
وفي سنة 1376 هجرية أسس كلية الفقه في النجف الأشرف التي اعترفت بها وزارة المعارف العراقية سنة 1377 هجرية، وقد درَّست هذه المدرسة بفضل جهودة الجباره كثيراً من العلوم.
وكان عمره يوم وفاته 61 سنة؛ فقد كانت ولادته 5 / 8 / 22، وفاته 16 / 9 / 1383 هـ. وقد شيع تشيعا باهراً، ودفن بمقبرتهم الخاصة لهم بالنجف الأشرف مع أخويه الحجتين الشيخ محمد حسن المظفر، والشيخ محمد حسين المظفر المتوفى سنة 1381 هـ. ومن قصائده الحسينية(رحمه الله) قصيدة يقول فيها:
واذا انكفأت فللحقيقة أهتدي *** فبها الحسين السبط وهو ذكاء
شمس لها يوم هنا ورزية *** وأنا على حاليهما الحرباء
شعبان منه على المحب لذاذة *** طابت ورزء فيه عاشوراء
نشدوا على فرح وبين قلوبنا *** شرر عليه من الرماد غطاء
بشراي إني في ولاك متيم *** تقتادني السراء والضراء
إلى آخر القصيدة. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
____________________
([2]) الأمالي (الطوسي): 199/ 339، كشف الغمّة 2: 19.
([4]) الميزان في تفسير القرآن 9: 21 ـ 22.
([5]) الوافي بالوفيات 12: 266، فصل الحاكم في النزاع والتخاصم بين بني اُمية وبني هاشم: 201.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.