حدث في مثل هذا اليوم ( 15 شعبان )

حدث في مثل هذا اليوم ( 15 شعبان )

وقد قيل عن هذه الليلة: إنها أفضل ليلة من ليالي السنة بعد ليلة القدر، وروي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه كان لا ينام في ثلاث ليالٍ من كل سنة:

 1ـ ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، ويقول: «إنها الليلة التي يرجى أن تكون ليلة القدر»([1]).

ليلة الفطر، ويقول: «في هذه الليلة يعطى الأجير أجره»([2]).

ليلة النصف من شعبان، ويقول: «في هذه الليلة يفرق كل أمر حكيم»([3]).

وروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: «سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان، فقال: هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله، ويغفر لهم بمنه، فاجتهدوا في القربة فيها إلى الله سبحانه؛ فإنها ليلة آلى الله فيها على نفسه ألّا يرد فيها سائلاً ما لم يسأل الله معصية، وإنها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بازاء ما جعل الله ليلة القدر لنبينا (صلى الله عليه وآله)؛ فاجتهدوا في دعاء الله والثناء عليه»([4]).

قالوا: ومن أعمال هذه الليلة المباركة الغسلُ؛ فإنه يخفف الذنوب. ومن أعمالها الإحياءُ بالأعمال الصالحة التي منها زيارة الإمام الحسين (عليه السلام). ومن أعمالها صلاة جعفر؛ فإنه يتأكد استحبابها فيها. اللهم وفقنا لصالح الأعمال.

***

في هذا اليوم المبارك من سنة 2 من الهجرة حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المكرمة، وذلك بسبب دعاء الرسول (صلى الله عليه وآله) كما تشير إلى ذلك الأية الكريمة وهي قوله تعالى: ﴿قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ([5]).

قالوا: وكان السبب الدافع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن يسأل من ربه ذلك أمران:

أنه (صلى الله عليه وآله) كان يجلّ الكعبة ويعظمها، فلما كان في مكة كان غالباً يجعلها في صلاته أمام وجهه مع بيت المقدس، وهذا هو معنى الصلاة للقبلتين، ولكنه لما هاجر إلى المدينة لم يكن في وسعه ذلك لأن الجنوب والشمال ضدان، والضدان لا يجتمعان، فكان إذا استدبرها في صلاته يشق عليه ذلك؛ لأنها أكبر شعيرة لله في الأرض، وهي القبلة الأولى؛ لأنها وجدت قبل بيت المقدس، فسأل ربه أن يحوّل قبلته إليها؛ لعظمتها في نفسه: ﴿وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ([6]).

أن اليهود جعلوا يقولون: محمد يخالف ديننا ويصلي لقبلتنا. فأحب من ربه جلّ وعلا أن يحوّل قبلته إلى الكعبة؛ لئلّا يمنّوا عليه بذلك، فجعل يسأل ربه، ويقلب وجهه في السماء ينتظر الإجابة، فلما كان اليوم 15 / 8 / 2، وكان في حي بني سالم أو بني سلمة، وصلى من الظهر ركعتين متوجهاً فيها إلى بيت المقدس، نزل عليه جبرئيل بهذه الآية، ثم أخذ بيده ومشى به على جهة اليمين، فمشى الرجال من خلفه، ومشت النساء خلف الرجال، حتى تحوَّل كل من النوعين مكان الآخر، وأتم الصلاة، فكانت ركعتان منها إلى بيت المقدس، وركعتان منها إلى الكعبة.

وبعد الصلاة أخبر الناس بما تفضل الله به عليهم من تحويل قبلتهم إلى الكعبة، وأرسل إلى الناس من هنا وهناك يخبرهم بذلك. وقد تقدم أن تحويل القبلة حصل في اليوم 15 / 7 / 2، والله سبحانه وتعالى أعلم.

***

وفي هذا اليوم من سنة 237 هجرية توفي بنيسابور أبو يعقوب إسحاق ابن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي المحدث الفقيه المعروف بابن راهوية، إمام من أئمة المسلمين، أخذ عنه أصحاب الصحاح: البخاري ومسلم والترمذي، وكان يقول: ما سمعت شيئاً إلّا حفظته، ولا حفظت شيئاً فنسيته([7]).

وهو أحد المحدثين الذين تعلقوا بلجام بغلة الإمام الرضا (عليه السلام) عند مروره بنيسابور في طريقه إلى مرو سنة 200 من الهجرة عندما أشخصه إليها المأمون، وطلبوا منه أن يحدثهم بحديث عن آبائه وأجداده الطاهرين، فحدثهم الإمام الرضا (عليه السلام) بحديث سلسلة الذهب المشهور([8]). رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.

***

في هذا اليوم 15 / 8 / 243 هجرية توفي بسامراء إبراهيم بن العباس الصولي ابن أخت العباس بن الأحنف المتوفى ببغداد سنة 192 هجرية. وكان ابراهيم كاتباً بليغاً، وشاعراً مُجيداً، لا يُعلم فيمن تقدم أو تأخر من الكتّاب أشعر منه. وكان يتكسب في حداثته بشعره، ورحل إلى الملوك والأمراء ومدحهم طلباً لجدواهم. وفي كتاب (الأغاني) أنه دخل على الإمام الرضا (عليه السلام) بعد أن عقد له المأمون ولاية العهد، فأنشده قوله:

أزالت عزاء القلب بعد التجلدِ *** مصارع أولاد النبي محمدِ

إلى آخر القصيدة، فوهب له الرضا (عليه السلام) عشرة آلاف درهم من الدراهم التي ضربت باسمه، فلم تزل عنده، وجعل منها مهور نسائه، وخلف بعضها لكفنه وجهازه إلى قبره.

وذكر عنه إسحاق بن إبراهيم أخو زيد بن إبراهيم أنه كان يتقلد الشيروان نيابة عن موسى بن عبد الملك الأصبهاني المتوفى في شوال سنة 246 هجرية، فمر به إبراهيم بن العباس الموصلي المذكور وهو يريد خراسان، فأسمعه القصيدة، قال: فاستحسنتها منه، وسألته أن ينسخها لي، فنسخها، ووهبته ألف درهم، وحملته على دابة وتوجه إلى خراسان. ثم تراخت الأيام وتنقل إبراهيم بن العباس في الأعمال والدواوين لبني العباس، وتولى موضع موسى بن عبد الملك الذي كنت نائباً عنه بالسِّيروان فعزلني واستحضرني، وجعل يسألني عن أشياء يريد أن يكشف بها أحوال موسى بن عبد الملك المذكور، وأغلظ لي في الكلام، واستحلفني على بعضها فحلفت، فقال لي: ليست يمين السلطان عندك يميناً؛ لأنك رافضي.

وكان ذلك في زمان المتوكل، فعلمت أنه إن قال له عني: إني رافضي، قتلني. فقلت له: أتأذن لي في الدنو منك؟ فأذن لي، فقلت له: إن قصيدتك بخطك عندي، فإن قلت عني عند المتوكل: إني رافضي، أطلعته على قصيدتك وخطك. قال: فما قلت له ذلك إلّا وقد سقط في يده، وطلب مني القصيدة التي كتبها بيده، فقلت: لا والله، أو تعطيني ما أثق به منك أنك لا تطالبني بشيء مما جرى على يدي، ولا تحاسبني على شيء فعلته. فحلف لي على ذلك، وأحضرت له القصيدة، فأخذها، وانصرفت وقد زالت عني المطالبة([9]).

ومن شعره (رحمه الله) قوله:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى *** ذرعاً وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها *** فرجت وكان يظنها لا تفرجُ([10])

رحمه الله برحمته.

***

وفي ليلة هذا اليوم المبارك من سنة 256 هجرية ولد الحجة المنتظر الإمام الثاني عشر ابن الإمام الحسن العسكري (عجل الله فرجه)؛ فتاريخ مولده (نور). وللعلامة الحجة الشيخ علي الجشي المتوفى في 15 / 5 / 1376 هـ قصيدة في مدحه منها:

وكيف يضيم الدهر معتصماً بمن *** تدير يداه الكون والفلك الجاري
وبالحجة المهدي من آل أحمد *** وخاتم آل الله من حجج الباري
فما بال قوم أنكروه تعللاً *** بأن ليس يبقى المرء عدة أعصارِ
فكيف بقاء الروح والخضر جوزوا *** وإبليس والدجال من غير إنكارِ
ونوح قضى في قومه ألف حجة *** وخمس مئين بعدها إن تكن داري
ولم يقضِ مولانا من العمر مثله *** وهل يقدر المخلوق حصراً لمقدارِ
فهيهات نور الله جل جلاله *** بأفواههم يُطفا ويخفى بأستارِ
وكم آية جاءت بتثبيت أمره *** من الله إرشاداً وقطعاً لأعذارِ
ويكفي بقاء الكون للمرء حجة *** أيبقى ولا من حجة فيه للباري
فيا سيداً قام الوجود بسرّه *** إليك بدت فيه عجائب أسرارِ
ومن نورك الأسنى استمدت ضياءها الـ *** ـمنيرات من شمس وشُهْب وأقمارِ
فأعظم به نوراً تنزل داعياً *** من العالم الأعلى إلى هذه الدارِ
لقد حملته برة قد تقمصت *** بثوب نقي حرة بنت أحرارِ
قد اختارها الرحمن علماً بأنها *** مطهرة من كل عيب ومن عارِ
وأوحى إليها في المنام كرامة *** إليها بما أجرى بسابق أقدارِ
وقد كان روح الله عيسى وليها *** وخاطبها منه الحبيب إلى الباري
وكانت بعين الله في السبي لم تكن *** تمسُّ بكف أو تراءت لنظار
فأودعها نوراً تقدّس لم يزل *** بطاهر أرحام وأصلاب أطهار
فأشرقت الدنيا بل الكون كله *** سماء وأرضاً إذ بدا نوره الساري

اللهم صل وسلم على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.

***

وفيه من سنة 329 هجرية توفي آخر السفراء الأربعة للإمام الحجة المنتظر عليه السلام علي بن محمد السمري الذي ظهر التوقيع بنعيه في اليوم 10 / 8 كما تقدم. والسفراء الأربعة هم:

1ـ عثمان بن سعيد العمري المتوفى 15 / 5 / 280 هجرية كما تقدم.

2ـ ولده محمد بن عثمان العمري المتوفى في آخر 5 / 305 كما تقدم.

3ـ الحسين بن روح النوبختي المتوفى 16 / 8 / 326.

4ـ علي بن محمد السمري صاحب هذه الترجمة، المتوفى 15 / 8 / 329. قال المؤلف (سامحه الله):

نوَّاب إمامنا على النص الجلي *** عثمان محمد حسين وعلي

وكلهم قبورهم ببغداد. رحمهم الله برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

 جدول أسماء أهل البيت عليهم السلام وولاداتهم ووفياتهم

1ـ المعصومون عليهم السلام

2 ـ آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غير المعصومين

***

وفي هذا اليوم من سنة 329 هجرية توفي ببغداد ثقة الإسلام أبوجعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني صاحب الكتاب المشهور (الكافي)، صنفه في مدة عشرين سنة، وله كتاب (الرد على القرامطة)، و(رسائل الأئمة)، وكتاب (تعبير الرؤيا)، وكتاب(الرجال)، وكتاب (ما قيل في الأئمة من الشعر)، وغير ذلك من الكتب النافعة. وقد عُدَّ من مجددي مذهب الأئمة على رأس المئة الثالثة؛ فقد روى هو رحمه الله في كتاب النبوة من (جامع الأصول) حديثاً من صحيح أبي داود عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «يبعث الله سبحانه لهذه الأمة عند رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها» ([11]).

وقد عدوا المجدد على رأس المئة الأولى على رأي الإمامية الإمام الباقر (عليه السلام) المتوفى 7 / 12 / 114، والمجدد على رأس المئة الثانية الإمام الرضا (عليه السلام) المتوفى 17 / 2 / 203، والمجدد على رأس المئة الثالثة أباجعفر الكليني المتوفى 15/ 8، والمجدد على رأس المئة الرابعة الشيخ المفيد المتوفى 3 / 9 / 413، والمجدد على رأس المئة الخامسة الشيخ محمداً بن الشيخ الطوسي المتوفى 0 / 0 / 515، والمجدد على رأس المئة السادسة شاذان بن جبرئيل القمي المتوفى 0 / 0 / 618، والمجدد على رأس المئة السابعة الحسن بن المطهر الحلي المتوفى 11 / 1 / 726، والمجدد على رأس المئة الثامنة الشيخ مقداداً السيوري المتوفى 26 / 6 / 826، والمجدد على رأس المئة التاسعة المحقق الكركي المتوفى 18 / 12 / 937، والمجدد على رأس المئة العاشرة ابن الشهيد الثاني المتوفى 00 / 0 / 1011، والمجدّد على رأس المئة الحادية عشرة الشيخ المجلسي المتوفى 27 / 9 / 1110، والمجدد على رأس المئة الثانية عشرة السيد بحر العلوم المتوفى 00 / 0 / 1212، والمجدد على رأس المائة الثالثة عشرة الميرزا حسناً الشيرازي المتوفى 24 / 8 / 1312، والمجدد على الرأس المئة الرابعة عشرة أبو القاسم الخوئي المتوفى 8 / 3 / 1413، ويرى بعضهم أنه الإمام الخميني المتوفى 28 / 10 / 1409.

والظاهر أن المجدد على رأس كل قرن اسم جنس، فيجوز أن يكون في القرن الواحد أكثر من مجدد واحد، والله أعلم.

وقد تضمن كتابه الكافي نحو (16099) حديثاً، ولا يعتقد أحد من الشيعة أن كل هذه الأحاديث صحيحة، بل فيها ما هو صحيح وهو ما إذا كان راويه إمامياً ثبتت عدالته بالطريق الصحيح، وما هو حسن وهو ما إذا كان الراوي إمامياً ممدوحاً ولم ينص أحد على ذمه أو عدالته، وما هو موثق وهو ما إذا كان الراوي مسلماً غير شيعي، ولكنه ثقة أمين في النقل، وما هو ضعيف وهو غير الأنواع المتقدمة.

وما اشتهر عن الإمام المنتظر# أنه قال فيه: «الكافي لشيعتنا كافٍ»([12]) لا يدلّ على أن كل ما فيه صحيح، وإنما يدل على أن ما فيه من الصحيح يكفي شيعتنا. وقد سمي عام موته (رحمه الله) عام «تساقط النجوم»، وذلك بسبب وفيات من توفي فيه من العلماء الأعلام، ومنهم السفير الأخير محمد بن علي السمري، ومنهم علي بن بابويه القمي (رحمه الله)، ومنهم هو (رحمه الله)، ومنهم ومنهم. رحمهم الله برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفيه من سنة 427 هجرية توفي بالقاهرة الملك السابع من ملوك الدولة الفاطمية الظاهر بالله الذي تولى الحكم بعد أبيه الحاكم بأمر الله. وكان حينئذ صغير السن لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، فساعدته عمته ست الملك على تدبير مملكته، وقامت بأمره أحسن قيام، وساست الناس أحسن سياسة إلى أن توفيت سنة 415 هجرية. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم 15 / 8 من سنة 616 هجرية توفي ببغداد أبو عبد الله محمد بن أبي المعز منصور بن جميل بن عبدالله الجبي؛ نسبة إلى قرية تعرف بجُبَّا من نواحي هيت، ولكنه قدم بغداد واستوطنها، وتعلم بها، وما زال يسمو حتى بلغ منصب الوزارة، فاستوزره الملك الناصر لدين الله أبوالعباس أحمد بن المستضيء العباسي الشيعي المولود 10 / 7 / 553، والمتوفى 30 / 9 / 622 هجرية ببغداد.

وكان الجبي كاتباً بليغاً، مليح الخط، غزير الفضل، حسن الشعر، وقد وجدت له مجموعة شعر في مدائح النبي والأئمة الطاهرين عليهم السلام ومراثيهم، ومنها قصيدته التي أنشأها في السجن؛ فقد روي أن الملك الناصر (رحمه الله) غضب عليه وسجنه، فضاق صدره ذات ليلة من ليالي شهر المحرم الحرام سنة 616 هجرية، فمدح أميرالمؤمنين علياً (عليه السلام) بقصيدة قال فيها:

ألمت وهي حاسرة لثاما *** وقد ملأت ذوائبها الظلاما
وقالت أقصدتك يدُ الليالي ***  وكنت لخائف منها عصاما
وأعوزك اليسير وكنت فينا ***  ثمالاً للأرامل واليتامى
فقلت لها كفاك الدهر يجني ***  فقري وارقبي الشهر الحراما
فإني سوف أدعو الله فيه ***  وأجعل مدح حيدرة إماما
وابعثها إليه منقحات ***  يفوح الشيح منها والخزامى
فتلثم من تراب أبي تراب ***  تراباً يبرئ الداء العقاما
فتحظى عنده وتؤوب عنه ***  وقد فازت وأدركت المراما
بقصد أخي النبي ومن حباه ***  بأوصاف يفوق بها الأناما
ومن أعطاه يوم غدير خم ***  صريح المجد والشرف القداما
ومن ردت ذكاء له فصلى ***  أداء بعدما كانت ظلاما
وآثر بالطعام وقد توالت ***  ثلاث لم يذق فيها طعاما
بقرص من شعير ليس يرضى ***  سوى الملح الجريش له إداما
فرد عليه ذاك القرص قرصاً ***  وزاد عليه فوق القرص جاما
أباحسن وأنت فتى إذا ***  ما دعاه المستجير حمى وحامى
أزرتُك يقظة غررَ القوافي ***  فزرني يابن فاطمة مناما
وبشرني بأنك لي مجير ***  وأنك ما نعي من أن أُضاما
وكيف يخاف عادية الليالي ***  فتىً يعطيه حيدرة ذماما
سقتك سحائب الرضوان سحاً *** كفيض يديك ينسجم انسجاما

ونام، فرأى أميرالمؤمنين (عليه السلام)، وأنشدها عليه، فقال له: «الساعة تخرج إن شاء الله». فانتبه فرحاً، وجعل يجمع رحله، فسأله من كان معه عن سبب ذلك، فقال: الآن أخرج. فظنوا به الاختلال وتغير العقل، وبينما هم كذلك إذ طرق باب السجن، ودعي هو مِن دون مَن سواه إلى الملك الناصر رحمه الله.

ولما أخبروا الملك الناصر عنه أن رسوله رآه متهيئاً للخروج سأله الملك عن سبب ذلك، فقال له: إن مولاي أميرالمؤمنين (عليه السلام) أخبرني بذلك في المنام؛ وحكى له القصة، فقال: صدقت، وقد جاءني في المنام، وأمرني بإطلاقك الساعة، وتوعدني إن تركتك للصباح. ثم أعطاه ألف دينار، وأعاده إلى وظيفته([13]).

وما زال فيها إلى أن مات بعد أشهر بالتاريخ المتقدم 15 / 8 / 616 هجرية. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي ليلة هذا اليوم 15 / 8 من سنة 632 هجرية توفي فخر الدين أبو المظفر هبة الله بن علي بن هبة الله الموسوي. ذكره محب الدين بن النجار في تاريخه، وقال عنه: إنه ولي الوكالة للإمام الناصر العباسي المتوفى بتاريخ 1 / 10 / 622 هجرية، ولما توفي الناصر أقره ولده الظاهر المتوفى بتاريخ 13 / 7 / 623 هجرية، ولما توفي الظاهر أقره ولده المستنصر المتوفى بتاريخ 10 / 6 / 640 هجرية، ثم عزله. وكان ينشد:

ولا تأمنن الناس إني بلوتهم *** فلم يبدُ لي منهم سوى الشر فاعلمِ
فإن تلقَ ذئباً تلتق الخير عنده *** وإن تلقَ إنسانا فقل ربّ سلّمِ

رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم 15 / 8 من سنة 679 هجرية توفي في جزّين من بلاد جبل عامل الشيخ نجيب الدين أبو القاسم بن حسين بن العود الأسدي الحلبي عن نيف وتسعين سنة. قال صاحب (الأعيان): ذكره الذهبي في (مختصر تاريخ الإسلام)([14]) فقال عنه: إنه الفقيه المتكلم، رئيس الرافضة وشيخ الشيعة، كان عالماً متقناً مشاركاً في أنواع من الفضائل، وقد آذاه الحلبيون على تشيعه، وأركبوه على حمار مقلوباً، وصفع في الأسواق، واُلقيت عليه القذارات، لا لشيء إلّا لأنه شيعي.

قال الذهبي: وقد بلغني أنه كان في الأخير متديناً متعبداً، يقوم الليل، وقد رثاه إبراهيم بن الغيث العاملي بأبيات أولها:

عرج بجزّين يا مستبعد النجف *** ففضل من حلها يا صاح غير خفي
نور ثوى في ثراها فاستنار *** به وأصبح الترب منها معدل الشرفِ
فلا تلومن إن خفتم على كبدي *** صبراً ولو أنها ذابت من اللهفِ
لمثل يومك كان الدمع مدّخراً *** بالله يا مقلتي سحّي ولا تفضي
لا تحسبنْ جود دمعي بالبكا سرفاً *** بل سحّ عيني محسوب من السرفِ([15])

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفيه من سنة 1019 هجرية توفي الأمير حسين بن محمد الحموي الشامي، أوحد أمراء الدهر، وعين باصرة الأدب، وشمس فلك المجد المعروف بابن الأعوج:

حوى قصبات السبق في حومة العلا *** نعم هو للسُّباق ما زال يسبقُ
متى نبرز الأيام مثل وجوده *** جواداً بما في كفه يتصدقُ
لقد زين الدنيا جمال كماله *** فمنه على وجه البسيطة رونقُ([16])

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم من سنة 1024 هجرية توفي عمر بن عبد الوهاب العرضي الشافعي الحلبي المحدث، مفتي حلب وواعظها. وقد تقدم الكلام بيوم مولده 15 / 6. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفيه من سنة 1242 هـ ولد بمصر الشيخ صالح مجدي مجد الدين الأديب الناثر الشاعر، المشارك في أنواع من العلوم. أصله من مكة، وولد في أبي رجوان من مديرية الجيزة بمصر، وترجم كتباً علمية ورياضية وطبيعية وفلكية وأدبية، وتولى القضاء بالقاهرة، وتوفي بتاريخ 16 / 12 من سنة 1298، وعمره 56 سنة. رحمه الله برحمته.

***

وفي هذا اليوم من سنة 1324 هـ توفي السيد محمد مهدي ابن السيد سليمان المتوفى 1280 هـ ابن السيد مصطفى ابن السيد أحمد ابن السيد يحيى نقيب الأشراف ابن السيد خليفة نقيب الأشراف ابن السيد نعمة الله نقيب الأشراف ابن العالم الفاضل السيد طعمة نقيب الأشراف الموجود سنة 1025 هـ، والذي سميت به أولاده وأحفاده: آل طعمة. وكانوا يعرفون من قبل آل فايز، وهي من أقدم القبائل التي سكنت كربلاء المقدسة، فقد كان تاريخ سكناهم لها سنة 247 هـ، وينتهي نسبهم إلى الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام). رحم الله الماضين منهم، وحفظ الباقين.

***

وفيه من سنة 1381 هجرية توفي بأُم الحمام القطيف الحاج علي بن علي المسبح، وكانت له منزلة علمية لا سيما في علم النحو واللغة، والمواريث، والنجوم. وكان أحد تلامذة والد المؤلف الشيخ منصور المرهون المتوفى 30 / 6 / 1362 هجرية، وكان متميزاً بالأخلاق الفاضلة والمداراة وحسن المعاشرة والحلم، وقد صحب كثيراً من العلماء والأعلام، وكان بيته مقصداً لهم، وقد بلغ من العمر ما يزيد على المئة حتى صار لا يستطيع الخروج من بيته، ولكنه مع ذلك يتمتع بشعوره الكامل، وعقله الوافر، ومعلوماته الطيبة. رحمه الله برحمته وأسكنه، فسيح جنته.

وأسرة المسبّح اُسرة عريقة، يوجد بعضها بالقطيف ببلدة أم الحمام، وبعضها بالأحساء ببلدة البطالية، ومنهم العلّامة الفاضل الشيخ علي المسبح، وولده الفاضل الشيخ محمد رضا المسبح مؤلف كتاب (السفر المبين في حياة أم البنين)، وغيره من أهل العلم والأدب. وفقهم الله لصالح الأعمال.

وسمعت من أبي نزار المسبح المتوفى بتاريخ 19 / 6 / 1427 أن نزوح أجدادهم من الأحساء إلى القطيف كان في سنة 1114 هجرية ألف ومئة واربع عشرة هجرية. رحم الله الماضين منهم، وأيد الباقين.

***

وفي هذا اليوم 15 / 8 من سنة 1383 هجرية ولد بمدينة تاروت القطيف العلّامة الكبير، والخطيب الشهير، والشاعر العبقري الشيخ مهدي ابن الحاج حسن المصلي. ولعله إنما سمي بهذا الاسم؛ لأنه ولد بهذا اليوم، وهو يوم مولد الإمام المهدي#. له مجموعة قصائد أكثرها في المناسبات الدينية والاجتماعية، ومن بعض شعره قوله (حفظه الله) في بعض قصائده الغراء:

زعموا أن ليس للمؤ *** من في الحب نصيبْ
وهل الإيمان إلا الـ ***  ـحب للرب الحبيبْ
إنما المؤمن حب ***  يشمل الكون الرحيبْ
راجياً أسمى من الكو ***  ن ويشدو لا تلمني
قد أحب العاشق العبـ ***  ـد ومحبوبي الإله
نظروا في الحب للخلـ ***  ـق ولم أنظر سواه
هو في أحسن تقويـ ***  ـم ولكن من حباه
صرخ القلب هو اللـ ***  ـه وفيه لا تلمني
حب غير الله يضني ***  حبه يضني ويسعدْ
حب غير الله نار ***  حبه للخلق منجدْ
حب غير الله حتف ***  حبه للخلق مرشدْ
حبه محياي فاتركـ ***  ـني وشأني لا تلمني

وفق الله شيخنا إلى ما فيه الخير والصلاح.

***

وفي هذا اليوم من سنة 1406 هجرية توفي العلّامة الجليل الشيخ أحمد ابن الحجة الشيخ منصور المتوفى 22 / 12سنة 1362 آل سيف التاروتي القطيفي. وقد شيع بالتشييع الباهر، ودفن في مقبرة تاروت الشرقية الكبيرة في الجهة الغربية منها، وقد أقيمت له الفواتح، وأبنوه بالكلمات والقصائد. وقد قلت فيه قصيدة وألقيتها في مجلس فاتحته المقامة بتاروت، وهي:

نعزي البلاد بأمجادها *** وننعى المعالي لأولادها
ونرجو لشرعة طه الأمين *** عزاءً بأفلاذ أكبادها
رمتها المنون بأبنائها *** وأسباطها وبأحفادها
فعادت وفي قلبها حسرة *** تلف السواد بأبرادها
وأنَّت عليهم ربوع البلاد *** وناحت عليهم بتعدادها
تعدد أمجاد أولادها *** وتبكي لأيام أعيادها
فتلك شموس سماء القطيف *** أصيبت بأعين حسادها
فعاد النَّهار بها مظلماً *** وعادت تذل لأندادها
فأين أبوحسن في القضاء *** وأين ابن معتوق زهادها
وأين ابن نمر ابن سينائها *** واين ابن خيرة أسيادها
وماجد أمثاله الماجدين *** وأين ابن مرهون أعوادها
وأين ابن بدر الأبي الغيور *** وأين ابن عمران عبَّادها
وأين بنو عبد جبارها *** مبينو المتون وأسنادها
وأين زعيم القطيف الكبير *** خنيزيها وابن أمجادها
وأين ابن يحيى وأمثاله *** جموع نضيق بأعدادها
وأين ابن سيف حما المستجير *** إليه وأجود أجوادها
وأين الرضيّان رمز التقى *** وزائرها وابن سجادها
وأين الجعافرة الأكرمون *** وأهل المكارم من عادها
قضوا كلهم فغدت أرضهم *** بطارفها وبأتلادها
تنوح عليهم فواحسرتاه *** على بلدي بعد أعتادها
وهذا ابن بجدتها قد قضى *** وغيّب في طي ألحادها
سليل الهدى وسليل التقى *** له أوفر الحظ من زادها
فما كان لمّاز جلاَّسه *** ولا سامعاً قول أوغادها
ولم يك مقترفا زلةً *** له البعد من كل أبعادها
سجايا الصلاح له شيمة *** فقد كان من خير روَّادها
فكنا نحبُّ بقاءً له *** ليحيى النفوس بإرشادها
ولكن قضى الله لابد أن *** تموت النفوس بميعادها
فمات سعيداً وفي نجله الـ *** ـعزاء لنا ولأمجادها
بساعة مولد مهدينا *** ومعراج أملاك ميلادها
تصعدت الروح محفوفة *** بهم نحو جنات إخلادها
فهلهلت الحور شوقاً له *** وضجت عليه بنو ضادها
وسارت جنازته والجموع *** تشيعه فوق أعوادها
فعزوا البلاد بأمجادها *** ونوحوا المعالي لأولادها

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذه الليلة 15 / 8 من سنة 1431 هجرية مرَّ الشابان عبد الله علي محمد حسين آل فتيل، وفاضل محمد عبد الكريم مكي الشبيب على بلدة عنك قادمين من سيهات إلى بلدتهما أُم الحمام على […]، فطاردتهما سيارتان فيهما خمسة من شباب البادية من أهالي عنك، فلاذا منهما بالفرار، حتى لجأا إلى الطريق المعاكس. ولكن الفرار لم يجدِ شيئاً؛ فقد طاردتهما السيارتان حتى صدمتهما إحداهما فأردتهما على الأرض، ووطئتهما السيارة الثانية حتى قتلتهما. وبما أننا كنا مع أهالي هذه البلدة «عنك» من قديم الزمان على وئام ومودة، فقد قلت:

عَنَكُ الحبيبةُ ما جرت لك هفوة *** يوماً علينا والإخا معلومُ
عشنا وما زلنا إخاً ومودة *** عجباً جرى هذا الخطا المحمومُ
فادعوا الإله بأن يدوم إخاؤنا *** ولئن جرى خطأ فليس يدومُ
فالدين يجمعنا وعدل مليكنا *** يحمي حمانا والإله كريمُ
يعطي الصبور على المصاب ثوابه *** وثواب ربي جنة ونعيمُ

فإنا لله وإنا إليه راجعون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، والعاقبة للمتقين.

__________________

([1]) الإقبال بالأعمال الحسنة 1: 383، عن الباقر (عليه السلام).

([2]) مسارّ الشيعة: 30.

([3]) مسارّ الشيعة: 62.

([4]) مصباح المتهجّد: 831.

([5]) البقرة: 144.

([6]) الحج: 32.

([7]) الكنى والألقاب 1: 290، الوافي بالوفيات 8: 252.

([8]) مسند الإمام الرضا (عليه السلام) 2: 519، وانظر بحار الأنوار 49: 122.

([9]) أعيان الشيعة 3: 260، وفيات الأعيان 5: 341.

([10]) الأمالي (المرتضى) 2: 131، وفيات الأعيان 1: 46.

([11]) مستدرك وسائل الشيعة 3: 273، سنن أبي داود 2: 311.

([12]) أهمية الحديث عند الشيعة: 8.

([13]) انظر الغدير 5: 402، مستدركات أعيان الشيعة 1: 240.

([14]) المصدر غير موجود، انظر تاريخ الإسلام 50: 337.

([15]) أعيان الشيعة 2: 132، الوافي بالوفيات 24: 90، وقد ذكر البيت الأول منها فقط.

([16]) الكنى والألقاب 1: 216.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top