حدث في مثل هذا اليوم (10 صفر)
وفي ليلة اليوم العاشر من هذا الشهر سنة 37 هجرية صارت ليلة الهرير بصفين، وهي الليلة التي قتل علي (عليه السلام) فيها خمسمئة وخمسة وعشرين فارساً، ولم يسمع بقائد قوم قط قتل بيده في ليلة واحدة مثل هذا العدد غيره. وكان يخرج بسيفه منحنياً فيقول: «معذرة إلى الله وإليكم من هذا، لقد هممت أن أصقله ولكن حجزني عنه أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: لا سيف إلّا ذو الفقار، ولا فتى إلّا علي (عليه السلام)»([1]). قال بعض أصحابه: فكنا نأخذه منه فنقومه، ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف، فلا والله ما ليث بأشدّ نكاية منه في عدوه([2]).
ودعا معاوية عمرو بن العاص فقال: إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل، فما ترى؟ فقال: إن رجالك لا يقومون لرجاله، ولست مثله، وهو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره، وأنت تريد البقاء وهو يريد الفناء، وأهل العراق يخافون منك لو ملكتهم وظفرت بهم وأهل الشام لا يخافون علياً لو ظفر بهم. ولكن ألقِ إليهم أمراً إن قبلوه اختلفوا، وإن ردوه اختلفوا، ادعهم إلى كتاب الله حكماً بينك وبينهم؛ فإنك بالغ به حاجتك في القوم، فإني لم أزل اُؤخّر هذا الأمر لحاجتك إليه. فقال معاوية: صدقت.
وأمر برفع المصاحف على رؤس الرماح، فما أصبح الناس يوم الجمعة 10/ 2/ 37 إلا وقد رفعت أكثر من خمسمئة مصحف، وجعلوا ينادون: يا أهل العراق كتاب الله بيننا وبينكم، من للنساء والأطفال؟ فتمت الحيلة على أهل العراق، واختلفوا بينهم، فطائفة رأوا القتال، وطائفة قالوا: لا يحل لنا قتال القوم، وقد دعونا إلى كتاب الله. وغلب هؤلاء على الأمر([3])، وألقت الحرب أوزارها على الرغم من أميرالمؤمنين (عليه السلام) وأصحابه المخلصين.
***
وفي اليوم العاشر من هذا الشهر وقيل: في العشرين أو في الحادي والعشرين منه سنة 99 هـ توفي الملك السابع من ملوك الأمويين سليمان بن عبد الملك بن مروان. وفي كتب التاريخ أنه خرج من الحمام يوم جمعة، فلبس ثياباً فاخرة وتطيب، ثم نظر في المرآة وكان جميلاً، فأعجبه جماله، وشمر عن ذراعيه وقال: أنا الملك الشاب، السيد المهاب. ثم خرج لصلاة الجمعة، فوجد حظية له في صحن الدار، فقال لها: كيف ترين أميرالمؤمنين؟ فقالت: أراه منى النفس وقرة العين لولا ما قال الشاعر. قال: وما قال الشاعر؟ قالت: قال:
أنت نعم المتاع لو كنت تبقى *** غير أن لا بقاء للإنسانِ
ليس فيما بدا لنا منك عيب *** علم الله غير أنك فانِ
فدمعت عيناه وخرج إلى الناس باكياً، فلما فرغ من خطبته وصلاته ورجع إلى البيت، دعا بالجارية وقال لها: ما دعاك إلى ما قلت؟ فقالت: والله ما رأيتك في هذا اليوم ولا دخلت عليك وأنّى لي والخروج في هذا اليوم الى صحن الدار؟ فدعا بقيّمة جواريه، فصدَّقتها في قولها، وأنها لم تخرج في هذا اليوم إلى صحن الدار. فراع ذلك سليمان، ولم ينتفع بعد ذلك بنفسه، وما دارت عليه جمعة اُخرى حتى مات وعمره تسع وثلاثون سنة([4]). ومدة خلافته منها سنتان وثمانية أشهر. وتولى بعده عمر بن عبد العزيز.
***
وفي هذا اليوم أيضاً من سنة 1382 هجرية توفي بالنجف الأشرف المرجع الكبير السيد العابد العالم الزاهد السيد عبد الهادي الشيرازي&. وقد رثاه المقدس الشيخ فرج العمران المتوفّى بتاريخ 22/ 3/ 1398هـ، وقد كان حينئذٍ بالعراق، فحضر تشييع جنازته، ورثاه بقصيدة عصماء قال فيها:
زعامة الدين قد نادى مناديها *** اليوم سافر للفردوس هاديها
والروح جبريل وافى الروح صاعدة *** نحو السماء تلبّي صوت داعيها
تباشر العالم العلوي حين رقى الـ *** ـهادي وألقى عصاه في مغانيها
وقال في آخرها:
يا ساكن الطور من وادي السلام ألا *** سلام ربي على سكان واديها
والقصيدة موجودة بكاملها في كتاب (الأزهار)([5]). رحمهما الله برحمته. وأسكنهما فسيح جنته.
_____________
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.