الشيخ مصطفى المرهون يحاضر تحت عنوان: صفات المبلغ
الحمد لله رب العالمين، خالق الخلائق أجمعين، ديّان يوم الدين، غافر ذنوب المذنبين، قابل توبة التائبين.
مولاي أقبلت في دمعي وفي ألمي وفي جراحي وفي حزني وفي كمدي
وأنت قصدي لا ألوي إلى أحد * سواك يستلني مني ومن جسدي
النفس أمارة بالسوء فلتزعي * يا نفس بالحق بالإيمان بالرشد
رباه زادي إلى لقياك جانحة * قدسية العشق زدها من هواك زد
إني وهبت لآل المصطفى عمري * فاختم ليوم ولاهم بالنجاة غدي
اللهم وصل على البشير النذير، والسراج المنير، المصطفى الأمجد، والنبي المؤيد، المسمى في السماء بأحمد، وفي الأرض بأبي القاسم محمد.
قال تعالى: {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.
من سمات الداعية الناجح أن يتحلى بصفات إيجابية تميز شخصيته عن الآخرين، لكي تساعده على نجاح دعوته، وتحافظ على شخصيته في الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه. ومن هنا كان لابد أن نتعرف على الداعية الناجح العامل في سبيل الله، من خلال التزامه بصفات عديدة.
الصفة الأولى: تحديد الهدف والغاية.
لابد أن يحدد الغاية من دعوته، ولابد أن يحدد معالمها بشكل واضح وجلي، بحيث لا يشوبها الغموض ولا تحيطها الشبهات.
قال تعالى: {قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني} وقال تعالى في تحديد مسارنا الديني: {إن الدين عند الله الإسلام}.
وقال تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين }.
الصفة الثانية: العلم والإطلاع والوعي الثقافي.
أن يكون مطلعاً على ما يجري في الساحة العامةمن تطورات وأحداث خاصة في العصر الحاضر، حتى يستطيع أن يتعرف على المشاكل المحيطة بالأمة، فيعمل على حلها وإخراج المجتمع من الأزمات المحدقة به،كما عليه ألا يخوض في ما لا يعلم، وألا يتعجل الخوض في الأحكام الشرعية وطرح الحلول غير المدروسة، فيورط نفسه ومجتمعه ومحيطه، ويقع في المحذور الشرعي.
يقول علي (ع): (لا تقل ما لا تعلم فتتهم بأخبارك بما تعلم).
كما لا خلاف عند علمائنا في عدم الإفتاء بغير علم، والآيات والروايات بذلك متواترة، لعدم تجويزهم العمل بالرأي والقياس والاستحسان.
وعن أبي جعفر (ع) قال: (من أفتى الناس بغير علم ولا هدى لعنته ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، ولحقه وزر من عمل بفتياه).
وعن زرارة بن أعين قال: سألت أبا جعفر (ع): ما حق الله على العباد؟ قال: (أن يقولوا ما يعلمون ويقفوا عند ما لا يعلمون).
وعن أبي عبد الله (ع) عن أبيه قال: قال علي (ع) في كلام له: (لا يستحي العالم إذا سئل عما لا يعلم أن يقول: لا علم لي به).
الصفة الثالثة: احترام الغاية والهدف.
فلا يقبل المساومات، بل عليه أن يكون راسخاً صلباً لا يتزلزل كالجبال الرواسي، كما عليه أن يتأسى بالأنبياء في تجاوزهم الصعاب وقدرتهم على استيعاب الآخرين، وتجاوز أيام المحن، وأهل الدعايات المغرضة، التي يسعى بها البعض ويسوّق لها لتشويه صورته والنيل منه.
يقول الرسول (ص): (والله لووضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ماتركته).
وهكذا تحمل (ص) الكثير من الكلام النابي، والجوع حتى وضع حجر المجاعة على بطنه، ولكن لم يتخلى عن دعوته، كما في مباهلته لنصارى نجران، وكل ذلك لأنه مؤمن بالغاية والهدف الذي عمل من أجله،قال تعالى: {فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين}.
الصفة الرابعة: أن يهذب نفسه بالخلق الحسن.
لا أن يأمر الناس بالحكمة والأخلاق والتواضع ولا يعمل بها، فالإنسان الذي يدعو إلى الله تعالى، ويحمل مشعل هداية الناس عليه أن يتعرف كيف يسوسهم، وعليه أن يتحمل الكثير، ويتحلى بالكثير، يقول علي (ع): (من نصب نفسه للناس إماما فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلم الناس ومؤدبهم).
ومن هنا علينا أن نتحلى بالحلم عند الأزمات، ونكون فوق الترهات، وننأى بأنفسنا من أن ننجر إلى الوضيعين أو المفتنين، أو المغرضين من عملاء الاستعمار وأذناب الصهاينة والحاقدين، الذين يصطادون في الماء العكر، ويستغلون الفرص لتحويل أبسط القضايا إلى حرب طائفية تفرق المجتمع وتشتته وتضعف قواه أمام الأعداء.
قال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.
إن مثل هؤلاء إذا بحثت في سجلاتهم، لا تجدهم إلا كالحشرات التي لا تعيش إلا في المستنقعات النتنة، ولا تجد لهم طنينا إلا في أماكن الوساخة والقذارة، وإلا فأين أصواتهم في القضايا المصيرية التي تهم الأمة؟ وأين هم عن عدوان الصهاينة المحتلين لأرض المقدسات؟ وأين هم في الدفاع عن حقوق المستضعفين المغصوبة والمنهوبة؟ وأين هم عن الشعوب الجائعة والفقيرة؟ وأين هم عن معانات الشباب ومشاكلهم؟ لقد تناسى هؤلاء كل هموم الأمة ومعاناتها، ولم يبقى أمامهم إلا هم الشيعة الرافضة على حد تعبيرهم.
أيها الأخوة، علينا أن نتعلم من موقف الإمام الحسن (ع) عندما استقبله الشامي بالشتيمة، وكذلك الإمام الباقر (ع). وأن نتحلى بالحلم عند الغضب، ونضبط أعصابنا كي لا تنجح مخططات الجهلة والمغرضين.
الصفة الخامسة: الصدق.
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}.
ويقول النبي الأكرم (ص): (عليكم بالصدق فإنه يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة).
وقال أمير المؤمنين (ع): (علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك).
وقال الإمام الصادق (ع): (لاتنظروا إلى كثرة صلاتهم وصومهم وكثرة الحج والمعروف وطنطنتهم بالليل، ولكن انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة).
فلابد من قول الصدق حتى لو استدعى ذلك الخسارة، أو عدم الربح الكثير.
الصفة السادسة: الإخلاص في القول والعمل لله رب العالمين.
فلأن الدعوة إذا لم تكن خالصة لوجه الله سبحانه لن تكن مؤثرة ولن تدخل إلى القلوب، بل ستذهب أدراج الرياح، ولن يبقى لها أية قيمة. قال الإمام الصادق (ع): (من أراد الحديث لمنفعة الدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب، ومن أراد به الآخرة أعطاه الله خير الدنيا والآخرة).
إن البعض تراه انتفاعياً، يعمل ولكن إذا كان ذلك يتناسب مع مصالحه الشخصية، وبمجرد عدم تحقيقه لذلك العمل أو مايصبوا إليه، تراه يقيم الدنيا ولا يقعدها، أو يتهرب من ساحة العمل ويبحث عن مكان آخر. يقول إمامنا الحسين (ع): (الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه حيث ما درت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون).
ولذلك لا ينظر الله إلى الهيئة الخارجية للإنسان، ولا إلى منصبه وأمواله، ولكن ينظر إلى قلبه. قال رسول الله (ص) (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم ونياتكم).
وأخيراً ندعوا لإخواننا العاملين في سبيل الله، وعلى الخصوص كوادرنا العاملين، طلائع الحجيج، القائمين بتسهيل مهام وفود الرحمن وخدمتهم بالموفقية والمغفره، وأن يتقبل الله منهم، وجزاهم الله خير الجزاء.
(اللهم إنا نشكوا إليك فقد نبينا، صلواتك عليه وآله، وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، فصل على محمد وآل محمد، وأعنا على ذلك بفتح منك تعجله، وبضر تكشفه، ونصر تعزه، وسلطان حق تظهره، ورحمة منك تجللناها، وعافية منك تلبسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين).
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.