الاعتكاف جهاد وتربية
الحمد لله على نعمائه، وله الشكر على فيض الآئه، والصلاة والسلام على سيد أصفيائه، وصلوات الله وسلامه على السادة الأطهار من أوليائه.
من مثلكم لرسول الله ينتسب مرت عليه عصور لا عداد لها |
ليس الملوك لها من جدكم نسب به الأكف ولاحقت به الريب |
إتقوا الله عباد الله واستغفروا لذنوبكم، فقد قال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا﴾. وفي وصية أمير المؤمنين لولده الحسن ع: «أنك طريد الموت الذي لا ينجوا منه هارب، ولا يفوته طالب، ولابد إنه مدركك، فكن منه على حذر أن يدركك وأنت على حال سيئة، قد كنت تحدث نفسك منها بالتوبة، فيحول بينك وبين ذلك، فإذن أنت قد أهلكت نفسك». قال الشاعر:
أعمل لدار الخلد من قبل الأجل |
مادام عمرك مستداما في مهل |
أيها الأخوة إن الاعتكاف أحد العبادات المهمة في الإسلام التي داوم عليها الكثير من السلف الصالح رحمهم الله، وإن من العمل الحسن أن نحيي هذه العبادة، ونستطعم آثارها ونجني ثمارها الطيبة. التي منها:
أولاً: اغتنام الفرصة للخلوة مع الله تعالى في مكان مختصر، بعيدا عن انشغالات الحياة وضغوط الزمن، التي دفعت الكثيرين نحو القلق والاطراب، الأمر الذي يعود على الإنسان بالآثار النفسية والجسدية، فكان لهذه العبادة الدور الكبير في تحويل الإنسان من خلال هذه الفترة اليسيرة إلى الانضباط والاتزان في الخلق والسلوك.
ثانياً: انشغال القلب والجوارح بذكر الله تعالى، خاصة اللسان الذي ارتكب كثيراً الأخطاء في حق الآخرين، ومن هنا نجد أن الاعتكاف بما فيه من الذكر لله سبحانه، له الأثر الكبير في حفظ اللسان وعدم استخدامه في المعاصي وتجريح الآخرين. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا﴾.
ثالثاً: تعويد النفس على العبادة بهذا الانقطاع المثمر إلى الله تعالى، والتفرغ الساعات الطوال واستغلال الفرص العبادية القيمة، لبذل الجهد في تربية النفس وتعويدها على تقبل الخلوة مع الله سبحانه والإقبال عليه، بهذه الروح السامية المتلهفة في هذا الشهر الكريم إلى غفرانه، بالدعاء والصلاة التي لها الأثر الكبير في حياة الإنسان المصلي. قال الشاعر:
وإذا حلت الهداية قلبا نشطت للعبادة الأعضاء
رابعاً: إن المعتكف في هذا الشهر الكريم ضيف في كنف الله، ووافد من وفاده، عكف على طاعته بقلبه وجوارحه، فكان حقا على الله ان ينظر إليه بعين الرحمة، وحق على المزورفي بيته أن يكرم ضيفه، ومن يرحم العبد غير الله وهو أرحم الراحمين. فهنيئاً لعباد الرحمن بالمغفرة، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ (الحديد: 21).
خامسا: تربية النفس على الصبر والتحمل، حيث أن الاعتكاف يعود الإنسان على ترك البذخ والرفاهية، وينقل الإنسان إلى رفاهية الروح وطهارتها، التي تحتاج إلى أن تتغذى بالعبادة المتنوعة، والبكاء على الخطيئة والدعاء، والاستغفار ومحاسبة النفس في هذه الخلوة مع الله تعالى، التي ترك المعتكف فيها الملذات الدنيوية حتى الطيب، وأقبل على ربه طامعا في مغفرته ورضاه، وأن يعطر قلبه بذكر الله ومناجاته.
سادساً: لا ننسى في هذا اليوم العظيم يوم القدس، أن ندعو الله جل وعلا، لإخواننا في فلسطين، أن يخلصهم الله من أغلال اليهود والصهاينة المجرمين، وأن ينصر الله إخواننا في القدس المحتل، وأن يثبت أقدامهم وقلوبهم في مواجهة الأعداء، كما أتمنى من المؤمنين أن يتذكروا إخوانهم عند إفطارهم خصوصا شيعة آل محمد الذين يتحملون الكثير من الآلم والجوع والحرمان فلا يكاد يأكل بعضهم إلا وجبة واحدة فقط لصعوبة لقمة العيش في مثل هذه الظروف الصعبة الراهنة وأن نذكر قول رسول الله ص: «ليس منا من بات شبعان وجاره جائع».
يارب وحد شملنا واجمع على الحق البلادا
واجعل حدودا فرقتنا لا تفرقنا ودادا
ما نحن إلا أمة حملت رسالتها جهادا
قادت بأيديها العدى أسرى وتأبى أن تقادا
اللهم انصر من نصر الدين، واخذل الكفار والمنافقين، وعجل فرج وليك يا أرحم الراحمين. «اللهم إنا نشكوا إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله، وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، فصل على محمد وآله، وأعنا على ذالك بفتح منك تعجله، وبضر تكشفه، ونصر تعزه وسلطان حق تظهره، ورحمة منك تجللناها، وعافية منك تلبسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين». اللهم اغفر للمعتكفاتِ والمعتكفين.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.