حدث في مثل هذا اليوم ( 30 رمضان )

حدث في مثل هذا اليوم ( 30 رمضان )

ليلة الثلاثين من شهر رمضان المبارك وقد تكون ليلة عيد الفطر هي من ليالي الإحياء؛ لأنها ليلة العتق من النار، فقد جاء في الروايات أن الله يعتق فيها من النار بعدد من أعتق في الشهر كله، مع أن له جل وعلا في كل ليلة من شهر رمضان ألفَ ألفِ عتيق من النار، قال بعض الشعراء:

يعتق الله في ليالي الصيامِ *** ألفَ ألفٍ ومثلها في الختامِ

وفي كتاب (وقايع الشهور والأيام) عن الإمام الصادق(عليه السلام) أنه قال: «ثلاث ليالٍ لا ينبغي للعباد أن يناموا فيها: ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، وليلة الفطر، وليلة المزدلفة».

قالوا وكان الإمام زين العابدين(عليه السلام) يعتق فيها ويحييها بالعبادة. وفيها أو في يومها المبارك تؤدَّى زكاة الفطرة، وفي يومها المبارك تُصلى صلاة العيد. وقد قال بعضهم: إن هاتين الآيتين وهما قوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى([1]) تعني هذين العملين ـ أي زكاة الفطرة، وصلاة العيد ـ في يوم العيد المبارك، وفق الله المؤمنين لما فيه الخير والصلاح.

ومن اللطيف ما ذكروه من كرامات عبدالقادر الجيلاني الحنبلي المولود سنة 491 هجرية والمتوفى ببغداد سنة 561 هجرية أنه كان وهو طفل رضيع يمسك عن الرضاعة في نهار شهر رمضان؛ لأنه صائم، وصادف أن غم الهلال على الناس في آخر الشهر، فسألوا أمه: هل رضع اليوم أم لا؟ فأخبرتهم أنه رضع، فعلموا أنه العيد، وأفطروا([2]). رحمه الله برحمته.

***

قال الشيخ محمد الخضري في كتابه (نور اليقين في سيرة سيد المرسلين): وفي رمضان من سنة عشر من الهجرة أرسل النبي(صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب(عليه السلام) إلى اليمن في جمع من بني مذحج، وعممه بيده، وقال: «سر حتى تنزل بساحتهم، فادعهم إلى قول: لا إله إلا الله؛ فان قالوا: نعم، فمرهم بالصلاة ولا تبغِ منهم غير ذلك، ولئن يهدِ الله بك رجلاً واحداً لهو خير لك مما طلعت عليه الشمس. ولا تقاتلهم حتى يقاتلوك».

فلما انتهى إليهم دعاهم إلى الإسلام، فأبوا، ورموا المسلمين بالنبل، فصف علي(عليه السلام) أصحابه، وأمرهم بالقتال، فقاتلوا حتى هزموا عدوهم، فكف عن طلبهم، ثم لحقهم، ودعاهم إلى الإسلام فأجابوا، وبايعه رؤساهم، وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا، وهذه صدقاتنا خذ منها حق الله.

ففعل، ثم رجع إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله)، فوافاه بمكة في حجة الوداع.

***

وفي أواخر شهر رمضان من سنة 2 من الهجرة بعد واقعة بدر هلك أبو لهب، وكان قد تخلف عن بدر، ولم يخرج إليها مع قريش، وبعث مكانه رجلاً آخر؛ لأن قريشاً لم يسمحوا لأحد أن يتأخر عن الخروج لحرب محمد(صلى الله عليه وآله) إلا أن يبعث مكانه رجلاً بدلاً منه. فلما جاء الخبر عن قتلى قريش ببدر وجد أبولهب ومن كان على شاكلته كبتاً وذلّاً، وقد روي عن أبي رافع مولى رسول الله(صلى الله عليه وآله) قال: كنت غلاماً للعباس بن عبد المطلب، وكان الإسلام قد دخل علينا أهل هذا البيت، فأسلم العباس، وأسلمت زوجته أم الفضل، وأسلمت أنا إلّا إن العباس كان يهاب قومه، ويكره أن يخالفهم، ويخافهم على ماله فقد كان ذا مالٍ كثير متفرق في قومه، فكان يكتم إيمانه.

فلما جاء الخبر عن قتلى قريش ببدر، وجدنا في أنفسنا قوة وعزّاً، ووجد أبو لهب ومن كان على شاكلته كبتاً وذلّاً. فوالله إني لجالس أنحت القداح في قبة زمزم، وأم الفضل جالسة في ناحية، إذ جاء أبو لهب يجر رداءه حتى جلس عند طنب القبة، فكان ظهره إلى ظهري، وبينا نحن كذلك إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحرث بن المطلب قد أقبل من بدر، فقال له أبولهب: هلم يابن أخي، وأخبرنا كيف كان أمر الناس؟ فقال: والله، ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا، وأيم الله مالمت قومي على ذلك، فقد لقينا رجالاً بيضاً على خيول بلق بين السماء والأرض لا يقوم لهم شيء.

قال أبو رافع: فرفعت طرف القبة بيدي وقلت: تلك والله الملائكة. قال فرفع أبولهب يده وضربني على وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاحتملني وضرب بي الأرض، ثم برك علي يضربني، وكنت رجلاً ضعيفاً، فأخذت أم الفضل عمداً من أعمدة الخيمة، وضربت به أبا لهب ضرب منكرة وقالت تستضعفه أن غاب عنه سيده فقام عني موليا ذليلا فوالله ما عاش بعدها إلا سبع ليال حتى رماه الله بالعدسة فمات بها وكانت قريش تتقي العدسة فلما مات غسلوه بالماء قذفاً عليه من بعيد ثم احتملوه في فراشه الذي مات عليه وقيل سحبوه سحبا ووضعوه إلى جانب جدار وجعلوا يرمون عليه الرمال والأحجار حتى غيبوا جنازته لا رحمه الله.

***

وفي شهر رمضان من سنة 14 هـ سنَّ الخليفة عمر صلاة التراويح في ليالي شهر رمضان المبارك، وأقام في المدينة إمامين: إماماً يصلي بالرجال، وإماماً يصلي بالنساء، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) يقيم سنن ليالي شهر رمضان في غير جماعة، وهكذا كان الأمر على عهد أبي بكر، ولما مضى أبوبكر وقام بالأمر بعده عمر مضت سنة ثلاث عشرة لا يعز من قيام الشهر شيئاً، فلما كان شهررمضان سنة 14 هـ سن للناس صلاة التراويح.

والظاهر أن معناها أنه أمر بصلاة نوافل شهر رمضان في جماعة بدلاً من الفرادى.

***

وفي ليلة عيد الفطر من سنة 393 هجرية توفي الملك الخامس والعشرون من خلفاء بني العباس أبو بكر عبد الكريم الطائع لله الذي تولى الخلافة بعد أن خلع أبوه نفسه بسبب ما أصابه من مرض، وبقي هو بعد أبيه في الخلافة سبع عشرة سنة، وتسعة أشهر، ثم خلع وتولى بعده ابن اخيه أحمد القادر بالله، وذلك في شعبان سنة 381، وبقي هو مخلوعاً معتقلاً إلى أن توفي ليلة عيد الفطر سنة 393 هجرية، كما تقدم(رحمه الله).

***

وفي ليلة عيد الفطر أو في يومها من سنة 622 هجرية توفي الخليفة الرابع والثلاثون من خلفاء بني العباس الناصر لدين الله الشيعي الإمامي الذي أيده الله بنصره وشد له في ملكه وقواه في سلطانه، فما خرج عليه خارجي إلّا قمعه، ولا خالفه مخالف إلّا دفعه، فكانت أيامه نضرة، ولياليه مزدهرة. عاش في الملك سبعاً وأربعين سنة، وعاش قبلها ثلاثاً وعشرين؛ فكان مجموع عمره الشريف سبعين سنة.

وكان قد جعل مشهد الإمام الكاظم(عليه السلام) مأمناً لمن لاذ به، وجِواراً لمن استجار به. وكان عالماً عاملاً، شجاعاً شاعراً، ومن شعره(رحمه الله):

قسما بمكة والحطيم وزمزم *** والراقصات ومشيهن إلى منى
بغض الوصي علامة مكتوبة *** كتبت على جبهات أولاد الزنى
من لم يوالِ في البرية حيدراً *** سيَّان عند الله صلى أم زنى

رحمه الله برحمته.

***

وفي ذلك اليوم من سنة 749 هجرية توفي الحسن بن القاسم المصري الفقيه النحوي صاحب كتاب (شرح المفصل)، و(شرح التسهيل). وله تفسير للقرآن عشرة مجلدات، وله إعراب القرآن، وغير ذلك من الكتب النافعة. رحمه الله برحمته.

***

وفي هذا اليوم 30 / 9 سنة 905 هـ الموافق 29 / 4 / 1500 م توفي البحَّار والرحالة البرتغالي «بارتولوميودياز» مكتشف رأس الرجاء الصالح الذي أحدث اكتشافه نقلة تاريخية وجغرافية واقتصادية انعكست آثارها على كل شعوب الكرة الأرضية، وذلك باكتشاف ولهذا الرأس الأفريقي. وقد توفي «دياز» وهو في طريقه إلى الهند في إحدى العواصف.

***

وفي هذا الشهر وهو شهر رمضان المبارك من سنة 1269 هجرية ولد بالكاظمية العلّامة الجليل الحاج محمد حسن ابن الحاج محمد صالح كبر البغدادي. درس اللغة وقواعدها وغيرها من المقدمات، وانصرف الى النظم والنثر، فكانت له مساجلات أدبية وشعرية مع كثير من الأدباء والشعراء، كالسيد محمد سعيد الحبوبي، والشيخ جعفر الشروقي، وغيرهما من فضلاء عصره. توفي والده وهو بعد لم يبلغ الثامنة عشرة من عمره، وخلف التجارة الواسعة، فقام بإدارتها وحده وهو في ذلك السن المبكر إلى أكثر من عشر سنين.

ثم نازعته نفسه إلى الاعتزال عن التجارة والاشتغال بالعلم، فهاجر إلى النجف سنة 1299 هجرية، فأقام فيها إلى سنة 1306. وفي هذه السنة انتقل إلى سامراء؛ حيث انتقل إليها المركز العلمي بسبب انتقال الميرزا حسن الشيرازي إليها، فكان من المستفيدين من درسه، ويحضر في نفس الوقت بحث كل من الميرزا محمد تقي الشيرازي، والسيد محمد الأصفهاني. وبعد وفاة الشيرازي بتاريخ 24 / 8 / 1312 هجرية اختصّ ببحث الميرزا محمد تقي الشيرازي المتوفى بتاريخ 3 / 12 / 1338 هجرية، وأمضى في سامراء 29 سنة كان مجدّاً خلالها في التدريس والتأليف. وكان مجلس تدريسه حافلاً بطلاب العلم. وقد تخرج عليه كثير من الفضلاء، وانصرف إلى الكتابة والتأليف حتى بلغت مؤلفاته إلى ما يقارب الخمسين. وتوفي سنة 1336 هجرية.

قال الأمين في (الأعيان)([3]): وهي محفوظة بتمامها عند نجله الشيخ مهدي كبة، وأما شعره فيبلغ نحواً من عشرة آلاف بيت. ومن شعره في الإمام الحسين(عليه السلام) قوله:

إن الشهيد غداة يو *** م الطف أنسانا المصائبْ
لم أنسَ ساعة أفردو *** ه يصول كالليث المحاربْ
فبرى الرؤوس بسيفه *** بري اليراع لخط كاتبْ
فالأرض من وثباته *** مادت بهم من كل جانبْ

إلى أن قال:

سرت الركائب حيث لا *** تدري بمن سرت الركائبْ
تسري بهن اليعملات *** حواسراً والصون حاجبْ
وغرائب بين العد *** و بشجوهن بدت غرائبْ
هتفت نجير قبيلة *** من تحت أخمصها الكواكبْ
قوموا عجالى فالحسيـ *** ـن ورهطه صرعى ضرائبْ
قطعوا له كفّاً على الـ *** ـعافين تمطر بالرغائبْ
منعوه من ماء الفرا *** ت وقد أبيح لكل شاربْ
لا أضحك الله الزما *** ن ووجه دين الله قاطبْ([4])

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا الشهر الشريف من سنة 1297 هجرية توفي في قرية الصوانة محمد الأمين الثاني ابن السيد علي ابن السيد محمد الأمين الأول الحسيني العاملي عم السيد محسن الأمين مؤلف كتاب (أعيان الشيعة) المتوفى بتاريخ 4 / 7 / 1371 هجرية. قال عنه صاحب (الأعيان)([5]): إنه كان رئيساً جليلاً، عظيم الشأن، عالي الهمة، يسمو إلى عالي الأمور. خالط الحكام والأمراء، وسما مقامه عندهم، وهابته الرؤساء، وتهافتت عليه الوفود، فكانت داره في بلدة «شقراء» كعبة الوافد ومنهل الوارد، وكان إذا أراد حاكم أو أمير أن يسومه الضيم أبت نفسه ذلك، وقلب له ظهر المجن، وقابله بكل شجاعة وثبات جنان؛ ولذلك فقد كان في بعض الأوقات في نزاع ونضال مع بعض الولاة والأكابر.

وكان في خصوماته معهم لا يستعين بغير الله جل وعلا، وفي كل تلك الخصومات يكون مظلوماً لا ذنب له إلّا إنه يأبى الضيم لنفسه حتى إنه في بعض تلك الخصومات ظهرت له كرامة عظيمة، وذلك أنه اجتمع أكثر كبراء جبل عامل في قرية الخيام، ونظَّموا مضبطة للشكاية عليه، وختمها جميع من كان هناك، وصدق عليها مختار الشيعة ومختار النصارى في بلدة الخيام، وباتوا بقصد إرسالها في الصباح فمات تلك الليلة مختار النصارى فجأة، وفي الصباح ذهب بها رجل اسمه الشيخ صادق، فسقط في الطريق عن الفرس وانكسرت رجله، وأُرجع إلى أهله محمولاً، وأرسلوا بها آخر فجرى له شيء من هذا النوع، وأرادوا أن يرسلوا بها آخر، فقال لهم رجل منهم من وجوه جبل عامل: ارفعوا أذاكم عنه وإلا أصابكم ما تكرهون. فمزقوا المضبطة وأعرضوا عما أرادوه به.

وقد مدحه كثير من الشعراء، وأجاد بعضهم على مديحه؛ فقد كان له شعر كثير، ومن شعره(رحمه الله) قوله:

(أنا ابن جلا وطلاّع الثنايا) *** وجدي خير من ركب المطايا
وأمي فاطم وأبي علي *** إمام الحق دفاع البلايا
ولي همم تبلغني الثريا *** أبي الضيم محمود السجايا
لي النسب القصير لال طه *** وأشرف من تأمرّ في البرايا
فهل أرضى البقاء بدار *** ذلّ وكم أطوي على الخمص الحوايا
كسوت الشمس من حسبي ضياء *** وما في الناس غيري من بقايا
ونحن الآل إن قمنا كفينا *** بني الأيام عن ورد المنايا
وإن بخل الأنام بما لديهم *** كفينا السائلين من العطايا
أعدّ لشدّتي خمساً وتسعاً *** بيوم الهول من كل البرايا([6])

رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم وهو اليوم الأخير من شهر رمضان المبارك سنة 1355 هجرية توفي العلّامة الجليل الشيخ موسى ابن الشيخ محسن العصامي. وبنو عصام بطن من هوازن، وكان مع علمه خطيباً جماهيرياً مرشداً، ولكن مجتمعه كان مصاباً بداء الأنانية، فوقفوا في طريق توجيهاته وإصلاحاته، حتى ودع الحياة بكربلاء المقدسة بالتاريخ المتقدم 30 / 9 / 1355 هجرية، ونقلت جنازته إلى النجف الأشرف.

وقد خلف كثيرا من المؤلفات منها (الدراية في تصحيح الرواية)، و(الضالة المنشودة في الحياة)، و(تاريخ الثورة العراقية)، وغيرها من المؤلفات النافعة. وأما أشعاره فكثيرة، ومنها قصيدته الحسينية ومنها:

رأت منه قلة أنصاره *** فظنت بكثرتها ترعبُ
وسامته يخضع وهو الأبيّ *** وأنَّى يقاد لها المصعبُ
فناجزها الحرب في فتية *** لهم باللقا شهدت يعربُ
بهاليل تحسب أن الردى *** إذا جد ما بينها ملعبُ
لها الموت يحلو خلال الصفوف *** وما مر من طعمه يعذبُ
أشادوا الهدى فوق تاج الأثير *** ومبنى الضلال به خرَّبوا

إلى آخر القصيدة. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) الأعلى: 14 ـ 15.

([2]) لواقح الأنوار في طبقات الأخيار 1: 126.

([3]) أعيان الشيعة 9: 174.

([4]) أعيان الشيعة 9: 177 ـ 178.

([5]) أعيان الشيعة 9: 126.

([6]) أعيان الشيعة 9: 128.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top