الصبر في طريق الله

الصبر في طريق الله

 محاضرة في حفل تكريم كوادر طاقم العمل الصيفي في حوزة المصطفى (ص) بأم الحمام لعام 1434هـ في مقر الحوزة.

6/11/1434هـ.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين. قال تعالى في كتابه الكريم: {واصبر إن الله مع الصابرين} الأنفال:46.

الصبر هو: تحمل المكاره من غير جزع، أو هو: قسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل في الأوامر والنواهي، ولا شك أن الصبر يدل على سمو النفس ورباطة الجأش، ورحابة الصدر، وعظمة البطولة، فضلاً عن قول الله تعالى: {والله يحب الصابرين} آل عمران: 146. وقوله تعال: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} الزمر:10.

 وقد حفلت الروايات بالكثير حول الصبر.

قال أمير المؤمنين (ع): (من لم ينجه الصبر، أهلكه الجزع).

وقال الإمام الباقر (ع): (الجنة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنة، وجهنم محفوفة باللذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذتها وشهوتها دخل النار).

وقال الإمام الصادق (ع): (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد، وكذلك إذا ذهب الصبر ذهب الإيمان).

أقسام الصبر

 ينقسم الصبر إلى أقسام.

القسم الأول: الصبر على المكاره والنوائب.

وهو أعظم أقسامه، ويدل على سمو النفس ورباطة الجأش.

والصبر فيه بلسم للقلوب وتسليم لله تعالى على قضائه وقدره. قال تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أو لئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.

القسم الثاني: الصبر على نعم الله تعالى.

سواء كان في المال أو الجمال والسلطة والجاه أو غير ذالك. فإن عدم المداراة بالصبر في السراء توقع الإنسان في المحذور. قال تعالى: {إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}.

القسم الثالث: الصبر على طاعة الله والتصبر عن الوقوع في معصيته.

حيث إن النفوس تميل إلى الشهوات، فتحتاج إلى التحذير والتخويف كما تحتاج إلى التشويق إلى ثواب الله وإحسانه وفضله.

قال أمامنا الصادق (ع): (اصبروا على طاعة الله، وتصبروا عن معصيته، فإنما الدنيا ساعة، فما مضى فلست تجد له سرورا ولا حزنا، وما لم يأت فلست تعرفه، فاصبر على تلك الساعة، فكأنك قد اغتبطت).

وقال (ع): (إذا كان يوم القيامة، يقوم عنق من الناس، فيأتون باب الجنة فيضربونه، فيقال: من أنتم؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، فيقال لهم: على ما صبرتم؟ فيقولون: كنا نصبر على طاعة الله، ونصبر عن معاصي الله، فيقول الله تعالى: صدقوا أدخلوهم الجنة، وهو قوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.

الصبر في طريق الدعوة

 ومن أهم ما ينبغي أن نتحلى به، الصبر في طريق الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لوعورة الطريق وصعوبة المسلك، ولكن كم هناك من مضح بكل ما يظن به من راحة ومسرة في سبيل الوصول إلى شرف هذه الغاية العظيمة؟ وقد قيل: ومن لم يركب الأهوال لم ينل الرغائب.

قال الشاعر:

لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا  *** ولا ينال العلى من قدم الحذرا

  وهكذا كان الشجعان خاصة من كان يجود بنفسه في لهيب الحروب المضنية، وكذلك يكون عظماء النفوس وطلاب الكمال، والدعاة في سبيل الله سبحانه.

ومن تكن العلياء همة نفسه  *** فكل الذي يلقاه فيها محبب

 كما علينا أيتها الأخوات الفاضلات، أن نشحد الهمم دائما في طريق العمل؛ لأنه هو الفخر الحقيقي، والعز الذي يدوم، خاصة بما أنعم الله علينا من نعمه الوافرة. علينا أن نتجاوز كل العقبات والمشقات، وأن لا تمنعنا العوائق والمثبطات عن إدراك الأماني.

ومن تكن العلياء همة نفسه   *** فكل الذي يلقاه فيها محبب

  هذه هي زينة المرء الحقيقية، وتاج مفاخره الواقعية، وهي أن يجعل سجله حافلا بالعمل في سبيل الله؛ لأنه لا قيمة حقيقية ولا واقعية للمال والجمال والجاه والعلم إلا ما كان في سبيل الله ونصرة دعوته.

لا زينة المرء تعليه ولا مال ***  ولا يشرفه عم ولا خال

وإنما يتسامى للعلى رجل  ***   ماضي العزيمة لا تثنيه أهوال

علينا أن ندفع بأنفسنا في مواطن العمل، ونشر علوم آل محمد، وأن ندع الكسل والخمول جانبا، وأن نبلغ ما بلغه الدعاة في سبيل الله تعالى، كالأنبياء والأولياء والعلماء والصالحين.

حاول جسيمات الأمور ولا تقل  *** إن المحامد والعلا أرزاق

وارغب بنفسك أن تكون مقصرا  *** عن غاية فيها الطلاب سباق

  هكذا سجل العظماء أسماءهم في سجلات التاريخ البيضاء.

ولا يسعني في هذا اليوم إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل الأخوات اللواتي عملن في الدورة الصيفية لهذا العام، وإلى عام قادم وأنتن بألف خير، يا أمل الحاضر والمستقبل.

وقل من جد في أمر يحاوله  ***  واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

  والحمد لله رب العالمين، وكل عام وأنتن بخير.

 

 

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top