حدث في مثل هذا اليوم (18 جمادى الآخرة)
قال صاحب كتاب (وقايع الشهور والأيام): في اليوم الثامن عشر من شهر جمادى الثانية حصل دخول بني إسرائيل في التيه؛ وذلك بسبب معصيتهم لنبيّهم موسى (عليه السلام) عندما أمرهم أن يدخلوا الأرض المقدسة فأبوا: ﴿إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ﴾، والقصة مفصّلة في الآيات الكريمة من الآية 21 إلى الآية 26 من سورة المائدة.
***
في هذا اليوم ـ وكان يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيتْ من جمادى الآخرة سنة 13 من الهجرة ـ قبل وفاة أبي بكر بأيام قُتل بـ(مرج الصُفّراء) بضم الصاد وتشديد الفاء ـ موضع بغوطة دمشق، كانت به وقعة بين المسلمين والروم ـ خالد بن سعيد بن العاص، وكان في ميمنة المسلمين، فحملت عليهم كتيبة من الروم فقاتلهم مع المسلمين حتى قتل.
وكان من المسلمين السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم هو وامرأته أمينة بنت خلف الخزاعي لرؤيا رآها، روي أنّه قال: رأيتُ كأنّي واقف على شفا حفرة من النار فجاء أبي يريد أن يلقيني فيها، وإذا أنا برسول الله| قد أخذ بمجامع ثوبي وجذبني إليه وهو يقول: إليّ إليّ لا إلى النار، فانتبهتُ فزعاً من منامي وقلتُ: والله، إنّ رؤياي هذه لحق. فخرجتُ أريد رسول الله‘ فوافقت أبا بكر في الطريق، فسألني عن شأني فأخبرتُه بما رأيت فوافقني، فذهبت إلى رسول الله| فأسلمت أنا وأبو بكر في يوم واحد.
ولمّا بلغ خبر إسلامه إلى أبيه أرسل بقية أولاده في طلبه فجاؤوا به، فتلقّاه بكلّ مكروه ثمّ أخرجه من داره وقال لإخوانه: امنعوه القوت ولا تكلّموه ولا تجالسوه، فتبّرؤوا مع أبيهم منه، وتبرّأ هو منهم وقال: إنّ الله الذي هداني للإسلام سيسوق لي رزقي.
ومضى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بما جرى من أبيه وأخوته، ولم يزل عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتغذّى ويتعشى عنده حتى هاجر المسلمون إلى الحبشة فهاجر معهم بامرأته، وَوُلد له في الحبشة ولده سعيد أو ابنته آمنة ثمّ أسلم أخوه عمرو بن سعيد وهاجر إلى الحبشة أيضاً، ولمّا قدم جعفر بن أبي طالب من الحبشة قدما معه وشهدا فتح مكة بتاريخ 20/ 9/ 8 ثمّ شهدا غزوة حنين والطائف وتبوك.
ثمّ استعمل رسول الله (صلى الله عليه وآله) خالداً على صدقات اليمن، واستعمل أخاه أباناً على البحرين، واستعمل عمراً على تيماء وخيبر، ولم يزالوا على ذلك حتى قُبض رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلمّا بلغهم استخلاف أبي بكر تركوا أعمالهم وعادوا إلى المدينة، فقال لهم أبو بكر: كيف تركتم أعمالكم؟ فقال له خالد: رأينا ألّا نعمل لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد علمنا أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: «ألا وإنّ علياً أميركم وخليفتي فيكم»([1]). ولم يبايعوا أبابكر حتى بايع بنو هاشم.
ولمّا بعث أبو بكر البعوث إلى الشام خرج خالد وأخوته وغلمانه ومن معه فقُتل بـ(مرج الصُفّراء) بالتأريخ المتقدم 18 /6/ 13 من الهجرة. رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته.
***
وفي هذا اليوم: 18/ 6 من سنة 310 هجرية تُوفّي أبو عبد الله محمد بن العباس بن محمد اليزيدي العدوي، كان إماماً في النحو والأدب ونقْل النوادر ورواية الأخبار، له كتاب (أخبار اليزيديين)، وكان في آخر عمره مشغولاً بتعليم أولاد المقتدر العباسي المتوفّى بتاريخ 27/ 10/ 316 هجرية، وكان اليزيدي قد بلغ (82) سنة. رحمه الله برحمته.
ويُطلق اليزيدي أيضاً على أبي العباس الفضل بن محمد بن يحيى العدوي، وكان نحوياً أديباً فاضلاً عالماً، تُوفّي سنة 278 هجرية.
ويُطلق لقب اليزيدي أيضاً على جدّه أبي محمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي المقري النحوي اللغوي، صاحب التصانيف الحسنة والشعر الجيّد، ومنه:
إذا نكبات الدهر لم تعظ الفتى *** وتَقرع منه لم تعظْه عوادلُهُ
ومَن لم يؤدِّبه أبوه وأمّه *** تؤدبه روعات الردى وزلازلُهُ
فدع عنك ما لا تستطيع ولا تطع *** هواك ولا يغلب لحقّك باطلُهُ
وكان يجلس في أيام الرشيد مع الكسائي ببغداد في مسجد واحد، ويقرئان الناس، وكان الكسائي يؤدّب الأمين وهو يؤدّب المأمون، ومات الكسائي رحمه الله سنة 179، وتوفّي اليزيدي سنة 202 هجرية. رحم الله الجميع برحمته.
***
في هذا اليوم من سنة 1281 هجرية، توفّي الشيخ الأعظم رئيس العلماء وأستاذ الفقهاء سماحة الشيخ مرتضى بن الشيخ محمد أمين الأنصاري الجابري التستري، صاحب كتاب (المكاسب) و(الرسائل) وغيرها من الكتب النافعة.
وإذا كان مولده 18/ 12/ 1214 هجرية كما سيأتي إن شاء الله، فعمره يوم موته (66) سنة وخمسة أشهر، ولكنّه كما قال الشاعر:
قل كيف عاش ولا تقل كم عاش مَن *** جعل الحياة إلى علاه سبيلا
لاغرو إن طوت المنية ماجداً *** كثرت محاسنه وعاش قليلا
ولقّب رحمه الله بالأنصاري وبالجابري لانتهاء نسبه الشريف إلى جابر بن عبدالله الأنصاري من ناحية الأبوين الشريفين، فأبوه الشيخ محمد أمين الأنصاري المتوفّى سنة 1248 هجرية، وأمه بنت الشيخ يعقوب الأنصاري والتي روي عنها أنّها ما رضعت هذا الشيخ إلّا وهي على وضوء.
كما روي عنها أنها طلبت من ولدها الأكبر الشيخ مرتضى أن يزيد أخاه الأصغر الشيخ منصور في العطاء؛ لضعف حاله وكثرة عياله، وراتبه المقرر له لا يسد مصاريفه اليومية، فما كان من الشيخ إلّا أن دفع إلى أمه مفاتيح الغرفة التي فيها الأموال وقال لها بلهجة مؤدبة: يا أماه، خذي هذه المفاتيح وخذي لولدك ما شئتِ من المال، على أن تتحملي مسؤوليته وتبعته بين يدي الله؛ لأن ما ترين من المال عند ولدك مرتضى ليس له وإنّما هو حقوق الفقراء والمحتاجين يُوزّع عليهم بالسوية، فإن كان لديك جواب عما تأخذينه لولدك من الزيادة على غيره، فخذي ما شئتِ، ولكن اعلمي يا أمّاه أنّ وراءك حساباً دقيقاً ليس فيه أدنى تسامح، فارتعدت فرائص الأم التقية وعدلت عن رأيها، فما أعظم هذه الأم وما أعظم هذا الولد.
وروي عنه أنّ أحد الأثرياء المقلدين له والمتفانين في حبّه قدّم إليه عباءة شتوية ثمينة، فأمر ببيعها وأن يشترى بثمنها عدّةً من العباءات الشتوية، فباعها واشترى بثمنها اثنتي عشرة عباءة، فوزعها الشيخ على المحتاجين، ولمّا رجع إلى الشيخ مرةً ثانيةً وجده لابساً عباءته السابقة، فسأله عن تلك العباءة، فأخبره أنّه باعها واشترى بثمنها اثنتي عشرة عباءة، ووزعها على أولئك المعوزين الذين لا يملكون عباءة شتوية تكنّهم عن البرد، فقال له الرجل: إنّما جئتُ بها لك، فقال: علمت ذلك، ولكنّ ضميري لا يقبل أن يلبس مثل هذه العباءة وفي طلبة العلم مَن لا يجد عباءةً تكنّه.
وقدّم له بعض الأثرياء من مقلديه مبلغاً من خالص ماله ليشتري به داراً يسكنها ويستغني بها عن الدار المستأجرة، فأخذ المال واشترى به أرضاً بـ(الحويش الصغير) وبنى عليها مسجداً يسمّى اليوم (مسجد الترك)؛ لأنّ الترك كانوا يقيمون فيه مجلس العزاء أيام عاشوراء فنُسب إليهم، وكان ذلك الرجل الذي قدّم له المال قد ذهب إلى الحج بعد ذلك مباشرةً، فلمّا عاد وجد الشيخ في منزله المستأجر، فسأله عن ذلك، فأخبره أنّه بنى بها مسجداً بمكان كذا، فقال: إنّما أعطيتُك ذلك المال لتشتري لك به داراً لا لتبني به مسجداً، فقال له الشيخ: وأي دار أحسن من هذا المسجد، إنّنا عن قليل نمضي من الدنيا وتنتقل الدار التي نملكها إلى غيرنا، ولكنّ هذا المسجد لا ينتقل ولا يباع ولا يوهب ولايشرى ولا ينهب فتعجّب الرجل.
وصدق الشيخ، فإنّ هذا المسجد لا يزال عامراً بالبحوث العلمية والأعمال العبادية، وقد هُدمت بنايته القديمة وجُدّد ببناية جديدة قام بها المحسنون من أهالي النجف الأشرف، وقد أرّخ بنايته الجديدةَ العلامةُ الجليل والخطيب الكبير الشيخ محمد علي اليعقوبي المتوفى بتاريخ 21 /6/ 1385 (رحمه الله)، فقال:
ذا مسجد أسّسه المرتضى *** وقام في توطيد أركانِهِ
واليوم قد جدّده معشرٌ *** حظوا من الله برضوانِهِ
على الهدى جُدّد أرخ (كما *** على التقى تأسيس بُنيانِهِ)
1361 هـ
رحم الله الجميع برحمته وأسكنهم فسيح جنّته.
وسيأتي إن شاء الله شيء من سيرته (قدس سره) عند الكلام عن ميلاده 18/ 12.
***
وفي هذا اليوم 18/ 6 /1350 هـ ولد العلّامة الكبير والكاتب الشهير الشيخ محمد حسن آل يس، وقد أرّخه والده المتوفّى بتاريخ يوم السبت 28 /6/ 1370 هجرية بقوله: (قل لهنّ الرضا بمولده)، وقد تُوفّي هذا العلّامة الجليل بتاريخ ….
***
وفي يوم الثلاثاء الموافق: 18/ 6 من سنة 1391 هجرية تُوفّي العلّامة الجليل آية الله الشيخ محمد علي سيبويه. رحمه الله برحمته وأسكنه فسيح جنّته.
وقد نعته هيئة القرآن الحكيم بكربلاء المقدسة، بمنشور ذكره الشيخ فرج العمران في كتابه (الأزهار الأرجية)([2])، وذكر أنّه التقى بولده الفاضل الشيخ حسين بكربلاء المقدسة وعزّاه بأبيه، رحم الله الجميع برحمته وأسكنهم فسيح جنته.
________________
([1]) انظر: عبد الله بن سبأ 1: 153، الاستيعاب 2: 422، باختلاف.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.