يوم الأربعين ـ ١
الحمد لله الذي أتحف بالبلاء أولياءه وأهل محبته، ورفع لهم الدرجات العالية في جنته، والصلاة والسلام على خيرته من خلقه، وصفوته من بريته، أبي القاسم محمد وعترته، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
وبعد، فإنّ أربح التجارات، وأنفع القربات: إحياء أمر أهل البيت(عليهم السلام)، ونثر مدائحهم ومناقبهم، ونصب مجالس الحزن والبكاء عليهم؛ لما ورد عنهم: أنه «من جلس مجلساً يُحيا فيه أمرنا، لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب».
وورد عن الصادق(عليه السلام) أنه قال: «رحم الله شيعتنا، لقد شاركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة على مصاب جدي الحسين (عليه السلام)».
وورد في الخبر عن سيد البشر أنه قال لابنته فاطمة حين أخبرها بقتل الحسين (عليه السلام) وما يجري عليه من المحن، فبكت فاطمة بكاءً شديداً وقالت: «يا أبتاه، متى يكون ذلك؟» قال: «في زمان خالٍ منّي ومنك ومن أبيه وأخيه» فاشتد بكاؤها فقالت: «فمن يبكي عليه؟ ومن يلتزم بإقامة العزاء عليه؟» فقال: «إن نساء أمتي يبكين على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، يجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كل سنة، فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء، وأنا أشفع للرجال. وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده، وأدخلناه الجنة. يا فاطمة، كل عين باكية يوم القيامة إلا عين بكت على مصاب الحسين، فإنها ضاحكة مستبشرة».
وروي عنه| أنه «من ذُكر الحسين عنده فخرج من عينيه بقدر جناح الذباب كان ثوابه على الله، ولم يرضَ له بغير الجنة جزاء».
وفي المنتخب عن الصادق× أنه قال: «من ذكرنا عنده ففاض من عينه ولو مثل رأس الذباب غفر الله ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر».
وبالجملة فالأخبار الواردة في ذلك كثيرة جداً حتى بلغت التواتر والاشتهار كالشمس في رابعة النهار.
هذا، ويحقّ لكلّ مؤمن موالٍ ـ من دون ملاحظة ذلك الثواب ـ أن يجري الدموع من الأجفان، ويلبس شعائر الأحزان، ويبكي على الغريب العطشان، ويقيم مأتم الحزن جيلاً بعد جيل في كل وقتٍ وآنٍ وفي أي مكان كان. ويتأكّد ذلك بعدد أيام السنة خصوصاً التاسوعاء والعاشوراء ويوم العشرين من شهر صفر، فإنه يوم كآبةٍ وحزنٍ وكدرٍ على زين العابدين علي بن الحسين وبنات حيدر. وفيه وصلوا إلى كربلاء لما رجعوا من الشام، كما ورد في السير، فعَلَا الندب من الهاشميات، وارتفع الصياح والبكاء من العلويات والفاطميات، وأقاموا المآتم، وجدّدوا العزاء في الغاضريات على السبط الأطهر والسادة الغرر من سلالة حيدر والصبية المذبحة من ذرية سيد البشر، فهلّا نشاركهم في هذا اليوم، ونسعدهم بالنوح لهذا الفادح الأكبر، والمصيبة التي أثّرت في الصخر الأصم، وأبكت السماء دماً، وتغيّر لها جميع العالم، وأحزنت رسول الله| سراج العوالم، وألبست ثوب الحزن علياً وفاطمةً، وأجرت من الأئمة الدموع السواجم.
كيف لا وقد فعل الطغاة الكفرة بنو أمية الفجرة بالعترة البررة فعلاً لم تفعله فرقة من الفرق الضالة مهما بلغت في الضلال وقساوة القلب، ولم يجرِ في حرب من حروب الدنيا من الفضاعه ما جرى منهم في حرب ذرية رسول الله| العترة الطاهرة. فلو شهدت وقعتها بغاة الجبابرة لأعانتها ونصرتها، ولو اطّلعت عليها مردة الكفرة لبكتها وندبتها، ولو حضرت مصارعها عتاة الجاهلية لناحت عليها.
فياوَيل أولئك الكفرة الفجرة بني أمية لاجترائها واعتكافها واعتدائها على الذرية النبوية بسفح دمائها وسفكها وسبيها مصونات نسائها وهتكها، حتى تركوا في العرى رجالها بالدماء مخضوبة، وأشلاء جثثها على الثرى مسحوبة، ومخدرات حرائرها سبايا منهوبة. فكم من جريمة كبيرة ارتكبوها، وكم من نفسٍ معصومةٍ أزهقوها واجترموها، وكم من كبد حرى منعوها ورد ماء الفرات المباح وأحرموها، ثم احتزوا رأس سبط رسول الله وحبيبه بشبا الحداد، ورفعوه على رؤوس الصعاد، وحرقوا خيامه، وروّعوا أيتامه، وسلبوا عياله، وساقوا حريمه وأطفالهم أذلاء من الاضطهاد، وأركبوهم على الأقتاب بلا وطاء ولا مهاد. فإنا لله وإنا اليه راجعون، ولعن الله بني أمية وآل سفيان وآل زياد.
فعليك خزي يا أمية دائماً |
|
يبقى كما في النار دام بقاك |
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.