حدث في مثل هذا اليوم (12 ذي الحجة)
في اليوم الثاني عشر من الشهر الثاني عشر نزلت سورة النصر: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾. صدق الله العلي العظيم.
قال بعض المفسرين: إن هذه السورة الكريمة جاءت بشارة من الله العظيم لنبيه الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) بفتح مكة المكرمة، والنصر على أعداء الإسلام، فنزولها قبل فتح مكة؛ لأن (إذا) للمستقبل، ومن أجل بشارتها للنبي (صلى الله عليه وآله) والمسلمين بالنصر والفتح سميت سورة النصر. وقال آخرون: إنها نزلت بعد فتح مكة، وإن (إذا) التي للمستقبل إنما جاءت تشعر الرسول بقرب أجله؛ ولذا سميت سورة التوديع.
وقد روي في التفسير (الأمثل) وغيره أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما قرأها، وسمعها العباس بن عبدالمطلب بكى، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله): «ما يبكيك يا عم؟». فقال: أظن أنه قد نعيت إليك نفسك. فقال: «إنه كما تقول يا عم».
وفي (الدر المنثور)([1]) عن ابن عباس ـ رض ـ أنه قال: إن هذه السورة علم وحد وحده الله سبحانه وتعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله) ونعى إليه فيه نفسه. وعلى كلا القولين فإن السورة الكريمة قد تضمنت علماً غيبياً حققة الزمن في ما بعد؛ سواء كان ذلك العلم، هو فتح مكة، أو قرب أجل الرسول (صلى الله عليه وآله)، أو هما معاً.
***
وفيه من سنة […] هجرية آخا النبي (صلى الله عليه وآله) بين أصحابه وقد تقدم في 12/ 9 أن النبي (صلى الله عليه وآله) آخى بين أصحابه. ولعل هذه المؤاخاة هي الثانية؛ فقد روي أنه (صلى الله عليه وآله) آخى بين أصحابه مرتين: مرة بعد الهجرة بستة أشهر ـ وقد مر ذكرها بتاريخ 12/ 9/ 1 ـ والثانية بعد خيبر؛ لأن فيها جعفراً الطيار، وأن النبي (صلى الله عليه وآله) آخى بينه وبين معاذ بن جبل. وفي كلتا المرتين يترك علياً لنفسه، ويجعله أخا له دون غيره. ومن شعر الصاحب بن عباد (رحمه الله):
لو رأى مثلك النبي لآخا *** ه وإلا فأخطا الانتقادُ
وقال عبدالباقي أفندي العمري المتوفى (30 /5/ 1278) هجرية:
أخوك من عزّ قدراً أن يكون له *** أخ سواك إذا داعي الإخاء دعا
***
في ليلة اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة الحرام سنة 11 من البعثة صارت بيعة العقبة الأولى بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين نفر ممن أسلم من أهل المدينة المنورة لا يزيدون عن اثني عشر رجلاً. وفي نفس الليلة من سنة 12 من البعثة ـ أي في العام القابل من تلك البيعة المذكورة ـ صارت بيعة العقبة الثانية بين النبي (صلى الله عليه وآله) وبين واحد وسبعين ـ أو ثلاثة وسبعين ـ رجلاً من المسلمين من أهل المدينة منهم أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور، وأبو الهيثم بن التيهان، وسعد بن الربيع، وعبد الله بن رواحة، وعبد الله بن حرام والد جابر الأنصاري، وغيرهم، وحضرت معهم امرأتان، فبايعوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأهليهم. وكفلهم على ذلك اثنا عشر نقيباً منهم. وبعد أن تمت مراسم البيعة، وعدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه سيهاجر إليهم في الوقت المناسب، ثم تفرق الجمع، وعادوا إلى رحالهم.
***
وفيه من سنة 136 هجرية مات بالأنبار الخليفة الأول من خلفاء بني العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الملقب بالسفاح ـ وهو ابن 33 سنة ـ وكانت مدة خلافته أربع سنين، وتسعة أشهر وعشرين يوماً. وتولى الأمر بعده أخوه المنصور الدوانيقي الذي كان أول من أوجد الفرقة بين العباسيين والعلويين، وفعل بالعلويين من القتل والتشريد والسم والتنكيل ما أسخط به الله، وأدمى به قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله).
***
وفي هذا اليوم من سنة 390 هجرية توفي أبوالفرج المعافى بن زكريا بن يحيى النهرواني القاضي الذي كان من أعلم الناس في وقته بالفقه واللغة وأصناف الأدب. وكان أبومحمد الباقي النحوي الفقيه الشاعر ـ المتوفى سنة 398 هجرية ـ يقول إذا حضر أبو الفرج، فقد حضرت العلوم كلها. وكان يقول أيضاً: لو وصى رجل بثلث ماله أن يدفع إلى أعلم الناس لوجب أن يدفع إلى المعافى بن زكريا النهرواني. رحمه الله برحمته. وسيأتي أنه توفي بتاريخ 18/ 12 والله أعلم.
***
وفيه من سنة 540 هجرية قتل أبو عبد الله محمد بن أبي الخصال الشقوري ـ المولود سنة 465 هـ ـ فعمره يوم وفاته (85) سنة. وكان كاتباً شاعراً أديباً، أدرك مكانة عالية على عهد المرابطين، وهم سلالة من البربر تنتمي إلى قبيلة لمتونة الحميريين: إحدى قبائل صنهاجة التي حكمت المغرب وأفريقيا الشمالية حتى الجزائر، أسسها يحيى بن ابراهيم الجدالي، واشتهر من بين ملوكها يوسف بن تاشفين اللمتوني الحميري ـ المتوفى سنة 500 هـ ـ ولما قتل ابن أبي الخصال كان العلماء يقصدون قبره، ويزورونه بعبارة: السلام عليك يا زين الإسلام. وكانت له عدة قصائد نبوية وحسينية، ومنها قوله:
عرج على الطف إن فاتتك مكرمة *** وإذرِ الدموع بها سحّاً وهتانا
وابكِ الحسين ومن وافى منيته *** في كربلاء مضوا مثنى ووحدانا
يا ليت أني جريح الطف دونُهُم *** أهين نفساً تفيد العز من هانا
إني لأجعل حزني فيهُمُ ترفاً *** يكون للذنب تكفيراً وغفرانا
لله عين بكت أبناء فاطمة *** ترى البكاء لهم وتقوى وإيمانا
ما سرني ببكائي ملك قاتلهم *** ومثله معه لو صح أو كانا
آليت بالله لا أنسى مصائبهم *** حتى أضمن أطباقاً وأكفانا
رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه ـ أو في الذي قبله ـ من سنة 1236 هجرية توفي بالحلة السيد حسين ابن السيد سليمان ابن السيد داود الحلي، عم والد السيد حيدر الحلي، الملقب بالحكيم؛ لأنه كان حكيماً أي طبيباً ـ ومنجماً، وشاعراً، وأديباً، وعالماً، فرثاه ابن أخيه السيد سليمان والد السيد حيدر الحلي ـ المتوفى بتاريخ 1247 هـ ـ رثاه بقصيدة قال فيها:
أي القلوب عليك لا تتصدّعُ *** أي النفوس عليك لا تتقطّعُ
الله أكبر يا له من فادحٍ *** قلل الجبال لهوله تتزعزعُ
يا حادثاً لما دهانا كادت الـ *** ـأرواح من أجسادها تستنزعُ
والأرض كادت أن تمور بأهلها *** لو لم يكن فيها لقبرك موضعُ
ياليتها الأعياد بعدك لم تعد *** أبداً ولا لطلوعها نتوقّعُ
فالناس إن شرعت بآلة عيدها *** طرباً ففيه بالمآتم نشرعُ
إن النجوم قضى مبيَّن حكمها *** يا ليتها من بعده لا تطلعُ
والطب أمسى لا يرى لسقامه *** طبّاً به عنه يزاح ويدفعُ
والشعر لم يشعر بعظم مصابه *** ينعى عليه وبالرثاء يرجعُ
ما كنت أحسب أن آساد الشرى *** بعد العرينة في المقابر تضجعُ
يا بدرنا ما كنت أحسب أن أرى *** يغشاك من ترب الصفائح برقعُ
ما خلت أن الحادثات تروع مَن *** من رعب سطوته الحوادث تفزعُ
رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي ليلة هذا اليوم ـ 12/12 ـ من سنة 1352 هجرية توفيت بالقطيف فجأة السيدة الجليلة هاشمية بنت السيد حسين ابن السيد مرزوق الموسوي، والدة المقدس الشيخ فرج العمران. وهي من النساء الفاضلات، ولها ديوان شعر في مراثي أجدادها الطاهرين، جمعه وطبعه بعد وفاتها ولدها المقدس، وسماه (التحفة الهاشمية)، وكلّه باللسان النبطي الدارج إلّا قصيدة واحدة في رثاء الحسين (عليه السلام) تبلغ خمسين بيتاً، وأوّلها:
يا لائمي عن ملامي كف واقتصرِ *** دعني أنوح على أحبابيَ الزهرِ
وقد قال ولدها المقدس مؤرخاً وفاتها، وحاكياً ما أصابه من الهم عشية موتها، ولم يدرِ ما سبب ذلك الهم، حتى أخبروه عن موتها. ولم يكن حينئذٍ حاضرا في المنزل، فقال (رحمه الله):
عراني هم لست أسطيع حمله *** ولكنني لم أدرِ ما سبب الهمِّ
وما لي أب حيّ فأحدس موته *** وأحكم أن الهم من سبب اليتمِ
نعم لي أم شرّف الله قدرها *** إذ انتسبت في الناس للمصطفى الأُمي
فألهمت علماً أن أُمي قد قضت *** فقلت إلى تاريخها (أ قضت أمي؟)([2])
1352
رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم ـ وهو اليوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة الحرام ـ سنة 1361 هجرية توفي بالنبطية من لبنان حجة الإسلام الشيخ عبد الحسين ابن الشيخ إبراهيم ابن الشيخ صادق العاملي صاحب كتاب (سيماء الصالحين)، وغيره من الكتب النافعة. وأما نظمه الشعر فهو أسهل عليه من النثر، ولذلك فقد أكثر منه. ومن شعره أنه لما أسس الحسينية بالنبطية سنة 1329 هجرية، وأراد إجراء صيغة الوقف لها، قال:
أنا عبدالحسين والصادق الو *** دّ لآل النبي ثبت الولاءِ
أمروا بالعزا لهم فبذلت الـ *** ـجهد حتى أقمت بيت العزاءِ
فهو وقف مؤبد أنا واليـ *** ـه وبعدي ذو الفضل من أبنائي
ولدى الانقراض منا يناط الأمر *** فيه لأورع العلماءِ
وله في مراثي الإمام الحسين (عليه السلام) قصائد كثيرة، ومنها قصيدته المشهورة، وهي:
سل كربلا والوغى والبيض والأسلا *** مستحفيا عن أبيّ الضيم ما فعلا
أحلّقت نفسه الكبرى بقادمتي *** إبائه أم على حكم العدا نزلا
غفرانك الله هل يرضى الدنية من *** لقاب قوسين أو أدنى رقى نزلا
يأبى له الشرف المعقود غاربه *** بذروة العرش عن كرسيه حولا
ساموه إما هوانا أو ورود ردىً *** فساغ في فمه صاب الردى وحلا
إلى آخر القصيدة المذكورة في كتاب (أدب الطف) للسيد جواد شبر. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
([2]) الأزهار الأرجية م1، المقدمة: 19.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.