النزوح من الرفيعة
ولا يشك أحد من أهل هذه البلدة أن آبائهم إنما أوجدوها بعد نزوحهم من البلدة الغربية المسماة بـ (الرفيعة)، التي سفت عليها الرمال فطردت أهلها، حيث لم تكن لديهم في ذلك الزمان وسائل يكافحون بها الرمال، إلا أنهم يختلفون في تاريخ ذلك النزوح، فبعضهم يعيده إلى ما قبل زمان القراطمة، الذين انتهت دولتهم في بداية القرن الرابع هجري، ويقولون إنهم لما نزحوا من الرفيعة سكنوا بالقرب من عين السلاحف التي تقع غربي أم الحمام، وكوّنوا لهم قرية هناك.
ولأمر من الأمور جاءت القرامطة فأوقعوا بهم الوقيعة، ودمّروا قريتهم التي هي بالقرب من عين السلاحف، فلم يبقَ من تلك القرية إلّا مسجدها، وهو مسجد السلاحف الموجود اليوم. وفي ذلك يقول شاعرهم:
خرجنا من رفيعة جنح ليل |
|
هروباً من رياح عاتياتِ |
|
نزلنا بالسلاحف فالتقينا |
|
بقرمطها فأفنى الباقياتِ |
|
ولم ينجو سوى مَنْ فرّ منّا |
|
فرار الطير من أيدي الرماتِ |
وبعد أن انتهت دولة القرامطة في أوائل القرن الرابع أو أواخر القرن الثالث هجري، تراجع النازحون من هنا وهناك وكوّنوا لهم قرية أم الحمام.
بينما قال آخرون: إن نزوحهم من الرفيعة بسبب سوافي الرمال إلى أم الحمام، يرجع إلى زمان أقرب من ذلك العهد.
قال المؤلف: ونحن إلى عهد قريب، حتى إلى سنة 1375 هـ وما بعدها نرى من ينقل الحجارة من جدران منازل الرفيعة، الواقعة تحت رمال التلال التي بين نخيل أم الحمام الغربية وبين الشارع الممتد من الظهران إلى رحيمه، وربما عثروا في أثناء حفرهم إلى الكشف عن الجدران التي يأخذون منها الحجارة على بعض الأواني الخزفية والمعدنية.
ويوجد من شيبتنا اليوم ـ ونحن في سنة 1433 هـ ـ من يذكر عن الجدران أنه عمل في ذلك العمل ورأى شيئاً من تلك الأواني.
وهذا مما يدل على قرب العهد، فلعلّ هذه البلدة التي تستخرج الحجارة من جدرانها المطمورة تحت الرمال في هذا العهد القريب، هي غير تلك القرية المذكورة قبل عهد القرامطة، وأنها بُنيت بعدها وسُميت باسمها، وقد أصابتها ما أصاب تلك القرية السابقة المذكورة، فنزحوا عنها وكوّنوا قرية أم الحمام الحالية. فأم الحمام الحالية بعد النزوح الثاني، لا بعد النزوح الأول؛ لأنه من المستبعد أن تبقى تلك الأواني والأحجار صالحة للاستعمال إلى نحو تسعمائة سنة.
ومما يقوّي هذا الظن أني سمعت من المرحوم المقدس الحاج إبراهيم الشبيب (المتوفى بتاريخ 11/ 6/ 1377 هجرية) عن عمرٍ قارب المائة سنة، يقول&: إنه رأى مسوّرة أم الحمام وكل بيوتها عشش من سعف النخل، وليس فيها غير السور إلا داراً واحدة بُنيت بالطين والحجارة.
والظاهر أنه من المستبعد أن تمرّ عدّة من القرون على قرية لا يُبنى فيها بالطين والحجارة إلا بيتاً واحداً.
فمهما أردنا أن نتسامح، فإننا بعد هذه الدلالات والبيّنات لا نستطيع أن نرد تاريخ تكوين بلدة أم الحمام الحالية إلى أكثر مما بعد الألف هجري.
ويشجعنا على ذلك أن أقدم رواية وقعت في أيدينا عن أهلها، ما سمعناه من المرحوم الحاج علي بن محسن المسبح أبو نزار (المتوفى بتاريخ 19/6/ 1427هـ) فإنه قال&: إن أسرة المسبح الموجودة بأم الحمام قد نزحوا من الأحساء سنة 1114هــ وإن الشيخ محمد علي التاجر البحراني (رحمه الله) ذكر في كتابه (منتظم الدرين في أعيان القطيف والأحساء والبحرين) أن من العلماء الماضين عالم فاضل اسمه الشيخ أحمد بن محمد علي من سكنة أم الحمام القطيف، وأنه رأى توقيعه على بعض الوثائق المؤرخة سنة 1166هـ.
ثم رأينا وثيقة مبيع مؤرخة بتاريخ شهر جمادي الأول من سنة 1257 هـ، واسم البايع الحاج طفيف بن محمد بن حاج خباب، واسم المشتري الحاج حسن بن علي بن محمد ابن فتيل، على البيت الكائن بمسورة أم الحمام القطيف، يحدّه غرباً الطريق النافدة مع بيت أولاد حاج علي بن عبدالله، ويحدّه شرقاً بيت علي بن مرهون بن خضر، وشمالاً الطريق النافدة مع بيت أولاد علي بن ناصر بن جمعة، وجنوباً بيت غنام بن علي بن غنام، وكاتب الورقة الحاج حسين بن علي بن محمد بن علي البحراني. والشاهد الأول حسين بن إبراهيم بن أحمد العقاقة، والثاني الحاج أحمد بن طفيف، والثالث حسين بن محمد حسين العوامي، والرابع علي بن براك، والخامس الحاج طفيف، وكلهم من أم الحمام. وكل هذه الوثائق لا تدل على أكثر من ثلاثة قرون. والله سبحانه وتعالى أعلم.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.