ذكرى بيعة ضامن الجنان
قال إمامنا الرضا ع : «من زارني على بعد مداي عارفا بحقي، ضمنت له عند الله الجنة».
كل إنسان له ملامح تميز شخصيته عن غيره، وإمامنا الرضا ع هو العظيم الذي كان منارا لكل من سار في طريق الهدى، والدليل الأعظم لكل من سلك سبيل الرشاد، عرف بالحكمة والتقوى والعبادة، وكان المثل الأعلى للسالكين، لما يتحلى به من الصفات الجميلة، والخصال الحميدة، كيف لا وهو الذي شرب من معين مدرسة الرسول الأعظم الذي وصفه القرآن بأعظم صفة ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾.
قال الرجاء من الضحاك الذي رافق الإمام من المدينة إلى مرو، واصفا الإمام: فو الله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله تعالى منه، ولا أكثر ذكرا لله في جميع أوقاته منه، ولا أشد خوفا لله عز وجل منه، فكان إذا أصبح صلى الغداة فإذا سلم جلس في مصلاه، يسبح الله ويحمده ويكبره ويهلله ويصلي على محمد وآل محمد حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدة يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم اقبل على الناس يحدثهم ويعظهم إلى قرب الزوال.
مفردات الفوائد العملية
من المفردات المهمة لنا التي ذكرت فيما كان يتحلى به الإمام الرضا ع تقوى الله عز وجل لأن التقوى تثمر البركة في حياة المؤمن في كل أحواله وسلوكه. ومن أجمل البركات ان التقوى تجلب الخير والتوفيق للمتقي في حياته كلها، خاصة أن الله تعالى بعنايته يدبر شؤون المتقي ويجعل له مخرجاً في كل ما يتعلق بحياته ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا﴾.
كما إن الله تعالى يرفع درجاته بما تحمل من عناء وصعاب في حياته، ما ظهر منها وما بطن، فيوسف الصديق ع تحمل الكثير في طريق تقوى الله تعالى والخوف منه، ولذلك استطاع ان يكون صامدا قوياً وصلباً لا تهزه الرياح والمغريات؛ وذلك لأن الله تعالى في قلبه ﴿إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾.
ومن المفردات التي تميز بها ع كثرة ذكر الله الذي يولد الراحة والاطمئنان والاستقرار في حياة الذاكر ﴿أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ وكل الخير في ذلك الله سبحانه لأن الذاكر يسيطر عليه وجود الخالق في قلبه فلا مجال لاظلام القلب بالمعصية، ولا مجال لتضييع الوقت، بل هذا القلب تراه عامرا بطاعة الله، وبمذاكرة العلم، ومجالسة العلماء، الذين حثنا أئمتنا على إحيائها وإعمارها؛ لأنها مجالس ذكر تستنزل رحمة الله عز وجل «احيوا امرنا رحم الله من أحيا امرنا».
وقد كان أساتذتنا في النجف الأشرف وفي قم المقدسة، يكثرون من توصيتنا بقرائة القرآن والأدعية والزيارات، حتى نتأملها ونتدبرها ونستفيد من معانيها العلمية والتربوية التي تساعد الطالب على تربية نفسه، وتقوي ارتباطه بالله سبحانه، خاصة في جوار مراقد أهل البيت.
علينا أن نتغلب على انفسنا ولا نضيع اوقاتنا في التوافه، وننسى أن علينا شيئاً اسمه تسبيح الله وذكره سبحانه.
علينا أن نتعلم من سيرة إمامنا الرضا ع أنه كان يكثر من التسبيح والتكبير وكثرة ذكر الله: «قولوا لا إله إلا الله تفلحوا»؛ لأن مفردات الذكر تربي الإنسان على سلوك طريق الله سبحانه، فكم هو جميل أن نتعلم الإكثار من الصلاة على محمد وآل محمد| لكي نتعرف على سيرتهم، ونتخذهم قدوة وأسوة وهوية دائمة لنا. ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
نتعلم من الإمام ع الإكثار من هذا الذكر؛ لأنه يوفر للمؤمن طاقة التواصل مع الله، ويساعد المؤمن على الالتزام بمنهج آل محمد|، خاصة في هذا الشهر الشريف.
ومن المفردات التي نتعلمها من سيرة الإمام ع، كثرة السجود الطويل بين يدي الله جل وعلا؛ لأن العبد المحب يأنس بلقاء محبوبه، وأقرب ما يكون العبد إلى ربه وهو ساجد بين يديه سبحانه، كما هي سيرة ايمتنا وكما تسمع دائماً عن سيرة الإمام زين العابدين ع وعن سيرة الإمام موسى بن جعفر ع، لما في كثرة السجود من فوائد عظيمة ومهمة لها اثرها في سلوك المؤمن.
ومن المفردات التي نتعلمها من سيرة الإمام الرضا ع خدمة المؤمنين وقضاء حوائجهم. فكان يحدث الناس، ويعلمهم أمور دينهم ويحل مشاكلهم، ويجيب على أسألتهم واستفساراتهم في شتى العلوم، وهذا الدور هو دور الدعوة إلى الله من الأنبياء والأئمة والعلماء والمصلحين الذين يهمهم تطوير حياة الناس ورقيهم وتقوية علاقتهم بخالقهم تعالى.
من وصية له ع: «صل رحمك ولو بشربة من ماء، وأفضل ما توصل به الرحم كف الأذى عنها ﴿لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى﴾.
ومن وصية له ع لعلي بن شعيب، قال علي بن شعيب: دخلت على أبي الحسن الرضا ع فقال لي: «يا علي من أحسن الناس معاشاً؟ قلت: يا سيدي أنت أعلم به مني. فقال: يا علي من حسن معاش غيره في معاشه يا علي من أسوأ الناس معاشاً؟ قلت: أنت أعلم. قال: من لم يعش غيره في معاشه. يا علي أحسنوا جوار النعم فإنها وحشية، ما نأت عن قوم فعادت إليهم. يا علي إن شر الناس من منع رفده، وأكل وحده، وجلد عبده.
أحسن الظن بالله فإن من حسن ظنه بالله كان الله عند ظنه، ومن رضي بالقليل من الرزق قبل منه اليسير من العمل، ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤنته، ونعم أهله، وبصره الله داء الدنيا ودواءها، وأخرجه منها سالما إلى دار السلام. ليس لبخيل راحة، ولا لحسود لذة، ولا لملول وفاء، ولا لكذوب مرؤة».
وأخيراً نشكركم جميعاً لجان الولاية بأم الحمام، على كل ماقدمتوه من أعمال خيرة ومفيدة للمجتمع، ونسأل الله سبحانه أن نكون من المقتدين بإمامنا الرضا ع في خدمة مجتمعنا والقيام بواجبنا الديني والتبليغي، ونشد على أيديكم جميعاً ونحن معكم والسلام عليكم.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.