حدث في مثل هذا اليوم (10ربيع الأوّل)
قال صاحب كتاب (وقايع الأيام والشهور): فيه توفي نبي الله لوط وعمره ثمانون سنة، ومدة دعوته لأهل سدوم ـ وهي البلدة التي هاجر إليها في دائرة الأردن ـ ثلاثون سنة، ولكنها لم تجدِ فيهم شيئاً، فكانت العاقبة أن أنجى الله لوطاً وأهل بيته إلّا أمرأته؛ فإنها كانت منافقة، فأصابها ما أصاب أمثالها من قوم لوط الذين أمطر الله عليهم حجارة من سجيل، ثم قلب ديارهم، وجعل عاليها سافلها، وصار مكان البلد أخفض من سطح البحر بنحو أربعمئة متر.
وقد اكتشف علماء الآثار في هذه السنين آثار مدائن قوم لوط على حافة البحر الميت؛ ولذلك فإنهم يعتقدون أن البحر الميت المعروف ببحيرة لوط هو مكان تلك المدينة أو تلك المدائن التي خسف الله بها، والله على كل شيء قدير.
***
قال صاحب الكتاب المذكور: وفي هذا اليوم كانت وفاة كسرى أنوشيروان، وكان يدعى كسرى الخير؛ لعدله وفضله، وقد ذكرته الشعراء في أشعارها، ففي ذلك يقول عدي بن زيد العبادي في قصيدة له:
أين كسرى خير الملوك أنوشر *** وان أمّ أين قبله سابورُ
لم يهبه ريب المنون فولَّى الـ *** ـملك عنه فبابه مهجورُ
حين ولَّوا كأنهم ورق جـ *** ـفّ فألوت به الصبا والدبورُ([1])
وقد روي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولد في زمانه، وأنه (صلى الله عليه وآله) قال: «ولدت في زمن الملك العادل كسرى أنوشيروان»([2]). وإليه أشار أبوالأسود الدؤلي (رحمه الله) بقوله في مدح الإمام زين العابدين (عليه السلام):
وإن وليداً بين كسـرى وهاشم *** لأكرم من نيطت عليه التمائم([3])
لأن اُمه× شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى أنوشيروان.
***
وفي اليوم العاشر من سنة 8 من مولد الرسول (صلى الله عليه وآله) توفي جده سيد البطحاء، ومطعم طير السماء، وساقي الحجيج، وأبو السادة وأبو السنن، وقاضي العرب عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف (رحمهم الله). وقيل بوفاته في 12/ 5 كما سيأتي إن شاء الله. ومن شعره رحمه الله:
لنا نفوس لنيل المجد عاشقة *** ولو تسلَّت أسلناها على الأسلِ
لا ينزل المجد إلاّ في منازلنا *** كالنوم ليس له مأوى سوى المقلِ([4])
ولما توفي (رحمه الله) رثاه الكثير من الناس، ومنهم حذيفة بن غانم أخو بني عدي بن كعب، فقال:
أعينيَّ جودا بالدموع على الصدرِ *** ولا تسأما أُسقيتما سبل القطرِ
على الماجد البهلول ذي الباع والندى *** ربيع لؤي في القحوط وفي العسرِ
وخيرهم أصلاً وفرعاً ومعدناً *** وأحظاهُمُ بالمكرمات وبالذكرِ
على شيبه الحمد الذي كان وجهه *** يضيء ظلام الليل كالقمر البدرِ
طوى زمزماً عند المقام فأصبحت *** سقايته فخراً على كل ذي فخرِ
ليبكِ عليه كل عانٍ بكربة *** وآل قصي من مقلٍّ وذي وفرِ([5])
رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفيه من سنة 25 من مولده (صلى الله عليه وآله) تزوج بأم المؤمنين خديجة بنت خويلد، ولها من العمر أربعون سنة. وفي رواية عن ابن عباس أن لها من العمر ثمانياً وعشرين سنة، وكان سبب اتّصالها به (صلى الله عليه وآله) أنها كانت تستأجر الرجال الأمناء للتجارة في مالها، وكان أبو طالب يعلم ذلك، فقال لابن أخيه (صلى الله عليه وآله): أنا رجل لا مال لي، وهذه خديجة تستأجر الرجال في أموالها، فهل لك أن أُكلّمها في أمرك؟ فقال له: «شأنك». فلما مضى إليها وكلمها في أمره قالت: لو سألت ذلك لبعيد بغيض لأجبناك، فكيف وقد سألته لحبيب قريب؟
فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) تاجراً في مالها إلى الشام، وأخدمته غلامها ميسرة لأمر في نفسها، وقد استطاع (صلى الله عليه وآله) أن يتجر في أموال خديجة تجارة أوفر ربحاً مما فعل غيره من قبل، واستطاع بحلو شمائله، وجمال عواطفه ومكارم أخلاقه، وحسن معاشرته أن يكسب محبة ميسرة وإجلاله. ولما آن لهم أن يعودوا ابتاع (صلى الله عليه وآله) لخديجة من تجارة الشام كل مارغبت إليه أن يأتيها به، ولما وصل إليها قص عليها بعبارته البليغة خبر رحلته وربح تجارته، وما جاء به إليها من صناعة الشام، وهي تنصت مغتبطة، وروى لها ميسرة بعد ذلك ما رأى من رقة شمائله، وجمال نفسه، وحسن تصرفه، وبعض ما أكرمه الله به ما زادها علماً به فوق ما كانت تعرف من فضله.
ولم يكُ إلّا ردّ الطرف حتى انقلبت غبطتها حباً جعلها ـ وهي التي ردت عظماء قريش عن زواجها ـ تودّ أن تتزوّج بهذا الشاب الذي نفذت كلماته ونظراته إلى أعماق قلبها، فكلمته في ذلك بما هو إلى التلميح أقرب منه إلى التصريح. ثم لم تتمالك دون أن دفعت صديقتها نفيسة بنت منية دسيساً إليه لتكلمه في أمرها، فلما قالت له نفيسة ذلك سارع إلى إعلان قبوله، ولم تتأخّر خديجة عن تحديد الساعة التي يحضر فيها هو وأعمامه لخطبتها، وعندما حضروا تم زواجها به بواسطة عمها عمرو بن أسد([6])، أو بواسطة ابن عمها ورقة بن نوفل؛ لأن أباها خويلداً كان قد مات أيام حرب الفجّار، وذلك قبل زواجها بالنبي (صلى الله عليه وآله) بنحو عشر سنين. ورحم الله البوصيري المتوفى بتاريخ 694 هجرية حيث يقول في همزيته المشهورة:
ورأته خديجة والتقى والـ *** ـزهد فيه سجية والحياءُ
وأتاها أن الغمامة والسر *** ح أظلّته منهما أفياءُ
وأحاديث أن وعد رسول الـ *** ـلّه بالبعث حان منه الوفاءُ
فدعته إلى الزواج وما أكـ *** ـثر ما يبلغ المنى الأذكياءُ([7])
والسرح يعني الشجر([8]).
***
وفي اليوم العاشر من شهر ربيع الأول سنة 179 هجرية توفي إمام دار الهجرة صاحب المذهب مالك بن أنس الأصبحي بالمدينة المنورة، ودفن بالبقيع. قيل: وكان مولده سنة 93 من الهجرة، فيكون عمره 86 سنة: وقيل في مولده غير ذلك والله أعلم. قال ابن خلكان: وحمل به ـ يعني في بطن أمه ـ ثلاث سنين([9]). رحمه الله برحمته.
***
وفي اليوم العاشر من شهر ربيع الأول على ما قاله المسعودي في (مروج الذهب)([10]) أو في الخامس عشر على ما قال بعضهم سنة 329 هجرية توفي الخليفة العشرون من خلفاء بني العباس الراضي بالله أبو العباس محمد بن المقتدر بالله، وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة وستة أشهر، وكانت مدة ملكه ست سنين، وأحد عشر شهراً، وثمانية أيام. وتولى بعده أخوه المقتفي بالله، وفي أيامه اختل أمر الخلافة، وتفرقت الدولة، فكل من حصل بيده بلد ملكه:
فالبصرة وواسط والأهواز في يد عبد الله البريدي وإخوته.
وفارس في يد عماد الدولة بن بويه.
والموصل وديار بكر وديار ربيعة وديار مضر في أيدي بني حمدان.
ومصر والشام في يد الأخشيد بن طغج.
والمغرب وأفريقية في يد المهدي الفاطمي.
والأندلس في يد بني أمية.
وخراسان وما والاها في يد نصر بن أحمد الساماني.
واليمامة وهجر والبحرين في يد أبي طاهر القرمطي.
وطبرستان وجرجان في يد الديلم.
ولم يبق بيد الراضي غير بغداد والسواد.
رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي هذا اليوم العاشر ربيع الأول سنة 661 هجرية ولد بحرّان أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني الخنسائي، المسمى بشيخ الإسلام ابن تيمية. وتحول به أبوه إلى دمشق سنة 667 هـ، فقرأ فيها على جمع كثير من العلماء، وقرأ بنفسه حتى صار من علماء النقد والتحقيق، وصنف في فنون من العلم. ولعل تأليفاته تبلغ 300 مؤلفٍ منها كتاب في فضل معاوية، وأن ابنه يزيد لا يسب، ومنها كتاب في جواز قتل الرافضة، ومنها كتاب (منهاج السنة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية)، وغير ذلك من الكتب.
وقد انبرى للرد عليه جماعة من علماء المسلمين، ونسبوه إلى الكفر والضلال، فحبسه عامل مصر، وكانت عاقبة أمره أن توفي في سجن مراكش سنة 728 هجرية، فكان يوم وفاته يوماً مشهوداً؛ فقد أقبل الناس لتشييعه من كل فج عميق، حتى ضاقت بهم الطرق، واشتدّ الزحام، وألقى الناس على نعشه مناديلهم وعمائمهم للتبرك، وكسرت أعواد السرير لكثرة تعلق الناس به، وشربوا ماء غسله للتيمن به؛ لما اُشرب في قلوبهم من حبّه، واشتروا ما زاد من سدره فقسموه بينهم([11])، رحم الله الجميع برحمته.
***
وفي هذا اليوم من شهر ربيع الأول سنة 1333 هجرية توفي الخطيب الكبير، والشاعر الشهير العالم الفاضل السيد جواد ابن السيد محمد الحسيني الأصفهاني الحائري الهندي المولود سنة 1270 هجرية؛ وبموجب ذلك يكون عمره الشريف نحو 63 سنة. وكان من الخطباء الذين لهم القدرة على جلب القلوب وإثارة العواطف وانتباه السامعين، سيما إذا تحدث عن فاجعة كربلاء؛ فإنه يصور الفاجعة أمام السامع حتى كأنه يراها، وساعده صوته الجهوري. يقول إيليا أبوماضي المتوفى في 1377هـ، الموافق 1957م:
الصوت من نعم الإله ولم تكن *** ترضى السما إلاّ عن الصُّدّاحِ
كما ساعدته معلوماته التاريخية وجودة الإلقاء، فدعته بيوت العلماء للخطابة فيها، واعتزت به وأكرمته. قال الشيخ السماوي في أُرجوزته:
وكالخطيب السيد الجواد *** والصارم الهنديِّ في النجادِ
فكم له شعر رثى الحسينا *** أورى الحشا فيه وأبكى العينا
بكى وأبكى وحوى الصفاتِ *** فأرخوه (أكمل الخيراتِ)
يعني أن تاريخ وفاته بحسب الحروف الأبجدية (أكمل الخيرات)، يعني سنة 1333 هجرية. وله في مراثي الإمام الحسين (عليه السلام) مراثٍ كثيرة، وقصائد شهيرة. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.
***
وفي هذا اليوم 10/ 3 من سنة 1349 هجرية توفي السيد النجيب السيد سليم ابن السيد مرتضى الذي كان قيماً على قبر رؤوس الشهداء التي دفنت في الشام، وهم ستة عشر رأساً لستة عشر شهيداً من شهداء الطف دفنوا في مشهد واحد، وقد كتبوا على طرة باب المشهد هذين البيتين:
وفتية من بني عدنان ما نظرت *** عين الغزالة أعلى منهُمُ حسبا
من كل جسم بوجه الأرض مضرّج *** وكل رأس برأس الرمح قد نصبا
وقبر السيد المترجم في مشهد هذه الرؤس الشريفة، وقد كتب عليه هذه الأبيات:
طيّب الغفران والعفو العميمْ *** حيِّ لحداً حلّه الشهم الفخيمْ
نخبة الأشراف نجل المرتضى *** بضعة الهادي إلى الدين القويمْ
بدر فضل قد توارى بالثرى *** لم يزل حزني عليه مستديمْ
ولعل هذه الأبيات لولده السيد رضا المتوفى بتاريخ 5/ 9/ 1371 هجرية، والمدفون مع والده في هذا المشهد الشريف. وقد قام بعده بخدمة هذا المشهد الشريف أخوه السيد حسين ابن السيد سليم. وقد نقل عن السيد عبد الحسين شرف الدين المتوفى بتاريخ 8/ 6/ 1377 هجرية أنه زار هذا المشهد الشريف سنة 1307 هـ وهو حينئذٍ ابن 17 سنة، فرآه قد حف بمزبلة عظيمة، يلقي فيها الأمويون من أهل الشام فضلاتهم وقذاراتهم إهانّة لأهل البيت (عليهم السلام) حتى إن هذه المزبلة قد ارتفعت على هذا المشهد بعدة أمتار؛ لأنه كان حينئذٍ قبة صغيرة.
ثم قيَّض الله لتعميره هذا الشهم الغيور السيد سليم، فسافر إلى اسطنبول، ودخل على السلطان عبد الحميد، وشكا إليه ما يلقى أهل البيت (عليهم السلام) ومحبّوهم من الإهانة بسبب وجود هذه المزبلة، فأصدر السلطان عبد الحميد امره الرسمي بإزالة تلك المزبلة من جوار المشهد، وتعميره بأحسن تعمير، وتصدى للإشراف على البنّائين وعمال التعمير السيد سليم المذكور (جزاه الله عن أهل البيت وعن محبيهم خير الجزاء) حتى كمل البناء، وصار المشهد إلى ما هو عليه اليوم.
وقد ذكر تفصيل ذلك في (الأزهار)([12]) للشيخ فرج العمران (رحمه الله).
***
قال صاحب كتاب (أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين): وفي اليوم العاشر من ربيع الأول سنة 1354 هجرية توفي العالم الفاضل الشيخ عبد النبي ابن الشيخ أبي تراب البحراني المتوطّن في شيراز، وكان في بيت علم وجلال وشرف وتقى، فأبوه العالم الفقيه إمام الجمعة في شيراز، والمتصدّر لدست الفتيا فيها إلى حين وفاته سنة 1276 هجرية. وأخوه الشيخ يحيى خليفة والده في الوظائف الشرعية المتوفى سنة 1337 هجرية، وأخوه الثاني الشيخ عبد الله مجد العلماء، رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.
***
وفي كتاب (أعلام الثقافة الإسلامية في البحرين) أن في هذا اليوم من سنة 1375 هجرية توفي في رأس رمان من بلدان البحرين العلّامة السيد علي ابن السيد يوسف الوداعي. وإذا كان مولده على ما قاله صاحب كتاب (أعلام الثقافة الإسلامية بالبحرين) سنة 1284 هجرية؛ فعمره (رحمه الله) 89 سنة. وكانت له شهرة واسعة بصفته عالماً دينياً اشتهر بالنزاهة والبعد عن تقلّد المناصب. وقد قضى حياته الطيبة في حل المشاكل الاجتماعية. وقد رثاه الخطيب الكبير السيد محمد صالح العدناني المتوفى بتاريخ 30 /12/ 1427 هجرية، وأرخ وفاته، فقال في قصيدة له:
حق أن تبكيَ البلادُ عليه *** كل حين بمدمع هّماعِ
حيث لم يفقدوا فيه شخصاً *** واحداً بل روابط الاجتماعِ
وقال في آخرها:
ويك يا قبر ضمه إن تؤرّخ *** (فاشبه الخلد من علي الوداعي)
ومن أسباط هذا الفقيد الكريم السيد علي الوداعي الموجود حالياً، وقد أشبهه في النزاهة والبعد عن تقلّد المناصب، رحم الله الماضين، وأيد الباقين.
____________________
([1]) كتاب التوابين: 41، باختلاف عنه.
([2]) مناقب آل أبي طالب 1: 149.
([4]) خزانة الأدب 1: 108، نفحة الريحانة 4: 21.
([6]) الطبقات الكبرى 1: 130 ـ 132.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.