طامورة موسى عليه السلام
يا من خلفَ القضبانِ الصاديةِ السوداءَ
يا من يسجدُ في عمقِ الأرض لربِ العرش
ولا يستوحشُ في الظلماء
يا من أبعدهُ الطغيانُ عن العُشاقِ
وعن آلامِ الضعفاء
ورموهُ بكَفِ السند الأقسى بين الجلادينَ
فاختارَ لهُ الأعمقَ بين الزنزانات
كي ينقطعَ النورُ النبويُ عن الشمسِ العليا
لكنَ شعاعَ الشمسِ رهانٌ أقوىَ:
إنَّ القضبانَ
بَلِ الجدرانُ
لن تحجبَ نوراً يسطعُ من شيبتهِ البيضاء
يا من يسجدُ في الزنزانةِ تحتَ الأرضِ
يُرددُ عرفانَ القافيةِ العصماء
أينَ الصُوفيّ؟
هل ينظرُ أن لا سَجادةَ للعُرسِ الليلي؟
هل يدري أن الثوبَ الخَلِقَ الملقى
يحوي مركزَ دائرةِ الدنيا؟
أينَ العرفاءُ؟
ماذا تمتمَ هذا المُثقلُ بالأغلالِ؟
ماذا ينطقُ بالشفتينِ؟
ماذا تحكي العينُ الدامعةُ الحمراءُ
لا يفهمُ ذلكَ كلُ العرفاء
لكنَ الجلادَ يقولُ:
أنا أعرفُ ما لا يعرفهُ العلماءُ
ما لا يعرفهُ العُشّاقُ ولا السجناءُ
موسى يدعو
موسى يشكُر رَبهُ:
يلقى ذاته
فرّغني للسجدةِ ربي
إن الطامورةَ محرابُ العرفاء
بل مدرجُ روحِ الله
بطول السجدةِ يلقى الله
بكلِّ الأغلالِ
وبالثوبِ البالي…
بالقلب الصادي…
تعرجُ روحُ المولى للعلياء
كي تلقى روحَ محمد
تشكو من سَوطِ اللؤماء
تعرجُ بالثوبِ العاشقِ لونَ الدم
وبالأغلالِ الدافئةِ الصماء
وبالثفناتِ المتناثرةِ السمراء
في وسطِ الزنزانةِ لا تبلى
لا تتلاشى
في وجهِ الطغيانِ
من روحِ العزةِ
في خطِ أئمتنا
في دربِ ولايتنا
تبقى صرخةُ مظلومٍ
آهٍ… أنَّةُ محرومٍ تبقى
طولَ الأزمان، تُخففُ آلامَ السُجناء..
أنبيَّ الرحمةِ فاسمعني
لا تبكِ من فعلةِ هارونَ النكراء
سيبقى حزنٌ
ويهملُ دمعٌ
حين سقاهٌ السمَّ
وحين على نعشِ الحقدِ
ينادي الحمّالون
ويهتفُ ذاكَ الجلادُ:
روافضَ موسى
صَرخاتٌ دوّت في بغدادَ
ترنُ بآذانِ النبلاء
وتخدشُ حلقاتُ الأغلالِ
في جسمٍ أنحلهُ الأعداء
ماذا يا بغدادُ؟
فتجيبُ وتلبسُ ثوباً أبيضَ
ثوبَ العُرسِ
وثوبَ لقاء الربّ
فانهارَ الجسرّ
وقامت مئذنةُ الكرماءُ
لتنشدَ قافيةً عصماءَ
لترسمَ خطَ الثورةِ
خطَ البيتِ النجفيّ
خطَ الكوخِ الكوفيّ
وتهدمَ حُصنَ الزُعماء
أنتَ القدوةُ
أنتَ المثلُ الأعلى للمحرومين
في طامورةِ موسى
في سجدةِ عشقٍ لله
يتألقُ حبٌ
يا عشق الوجدانِ الاهوتي
من عِرفانك فيضُ إمامِ الأمةِ
لا زال يقودُ جحافِلَكُم روحُ الله
لازال النورُ بشعلتهِ
وسارَ على الدرب زعيمٌ
فعليٌ رمزُ قيادتِنا
وعلى النهجِ يسيرُ العظماء
لن يبقى الظلمُ
ولن يبقى الغدرُ
ولا تُجّارُ قضيتنا
من باعَ الدينَ باسمِ الدينِ
ونامَ هنيئاً
نام عميقاً
فدمعُ يتيمٍ في الحدينِ يهزُّ العرشَ
ويُدمي قلبَ عليٍ والزهراءَ
سيطلعُ فجرٌ يا بغدادُ
فالقبةُ لا زالت تستهوي الأفئدةَ الحَرَى
لن تُقفلَ كلُ الأبوابِ
فبابُكَ مفتوحٌ يا موسى
لن يعرفني رجلٌ عاشَ على بَذخٍ
نامَ على سُررٍ
لكن يعرفني
من نامَ بطامورِتَكَ الظلماء
ويبقى موسى حياً
فتدركُ هذا أمٌ
قد ضاقَ الرحبُ بها
في الأرض وفي الأجواء
وتُصلي الليلَ على وجلٍ حتى الفجر
وتحملُ طفلاً يفتحُ فاهُ
يَصرخُ: آهٍ…
وتمضي حاملةً آمالاً
يا بابَ حوائجنا
وتنادي: خُذهُ إليكَ…
نحن عُطاشى، جوعى…
تصرخُ… تندبُ… تلطمُ…
فيبكي موسى والدمعُ بخديهِ
ينادي: هذا سهمٌ من عاشوراء
هذا يومٌ من كربِ بلاء
سيُذبحُ طِفلٌ
وتُثكلُ أمٌ
ويُعدَمُ شَيخٌ
لا مأوى، لا خبزَ ولا ماء…
يا قافلةَ الشهداء…
يا قافلةَ الشهداء…
5/5/1420هـ
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.