خطبة الجمعة 27/3/1434هـ – مقومات عالم الدين المتفوق
الحمد لله رب العالمين، ديان يوم الدين، خالق الخلائق أجمعين، به نتوكل ونستعين، فهو خير ناصر ومعين، ونصلي ونسلم على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وآله الطاهرين.
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإن خير الزاد التقوى، وخير الأديان الإسلام، وخير العقيدة الإيمان.
قال تعالى في كتابه الكريم: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون إنما يتذكر أولو الألباب} الزمر: 9.
وفي الحديث عن أمير المؤمنين (ع) قال: (سمعت رسول الله (ص) يقول: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، فاطلبوا العلم من مظانه، واقتبسوه من أهله، فإن تعليمه لله حسنة، وطلبه عبادة، والمذاكرة فيه تسبيح، والعمل به جهاد، وتعليمه من لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة إلى الله تعالى، لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبيل الجنة، والمؤنس في الوحشة، والصاحب في الغربة والوحدة، والمحدث في الخلوة، والدليل في السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة، تقتبس آثارهم، ويهتدى بفعالهم، وينتهى إلى آرائهم، ترغب الملائكة في خلتهم، وبأجنحتها تمسهم، وفي صلاتها تبارك عليهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس حتى حيتان البحر وهوامه، وسباع البر وأنعامه.
إن العلم حياة القلوب من الجهل، وضياء الأبصار من الظلمة، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ بالعبد منازل الأخيار، ومجالس الأبرار، والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، الذكر فيه يعدل بالصيام، ومدارسته بالقيام، به يطاع الرب ويعبد، وبه توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، العلم إمام العمل، والعمل تابعه، يلهم به السعداء، ويحرمه الأشقياء، فطوبى لمن لم يحرمه الله منه حظه)
وقد تضمن الحديث الشريف جزءا وافرا من فضائل العلم وحامليه، وذكر جملة من الأوصاف الحميدة، والمزايا الرشيدة، والخصال السديدة.
وقد روي عنه (ص): (العلماء ورثة الأنبياء) وأنه (إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد ووضعت الموازين، فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء).
وقال أمير الؤمنين (ع):
لا فخر إلا لأهل العلم إنهم * على الهدى لمن استهدى أدلاء
فخذ بعلم ولا تبغ به بدلا * فالناس موتى وأهل العلم أحياء
وعنه (ع) أنه قال: (من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا، فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به، جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيء لأهل جميع العرصات…..).
مقومات عالم الدين
المقوم الأول: قصد القربة إلى الله تعالى. وتجنب حب الدنيا والحياة وانتشار الصيت. يقول الإمام الباقر (ع): (من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء، أو يصرف به وجوه الناس إليه، فليتبوأ مقعده من النار. إن الرآسة لا تصلح إلا لأهلها).
ثانيا: التحلي بتقوى الله تعالى، التي هي وصية الله تعالى لعباده، يقول تعالى: { ولقد وصينا الذين أوتو الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) وقال تعالى فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون} وقال تعالى: {واتقوا الله الذي إليه تحشرون} وقال تعالى:{وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} يقول الشاعر:
لو كان في العلم من غير التقى شرف * لكان أشرف أهل الأرض أبليس
ثالثا: العمل بالعلم. فالعلم يهتف بالعمل ؛ فإن أجابه وإلا ارتحل. ولا فائدة من شجرة بلا ثمر، وثمر العلم أن يدعو صاحبه إلى خشية الله، يقول تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء} يقول الشاعر:
يا أيه الرجل المعلم غيره * هلا لنفسك كان ذا التعليم
رابعا: التحلي بالصبر. الذي هو من أعظم مقدماته. فالعلم غالبا ما يحف بالمكاره والشدائد، فلا بد من تحمل الأذى والفقر والشدائد، كما أن القرآن الكريم أثنى على الصبر والصابرين في أكثر من سبعين آية. يقول تعالى: {وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا} ويقول تعالى: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}.
خامسا: التحلي بالحلم وترك الغضب إلا في الله تعالى، يقول سبحانه: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} وقال سبحانه: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} وعن الرسول (ص) (من كف غضبه كف الله عنه عذابه).
سادسا: حسن الخلق. يقول سبحانه: {وقولوا للناس حسنا} وقال تعالى: {ولو كنت فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك} وقال تعالى: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى}.
وعن الرسول (ص): (أمرت أن أداري الناس كما أمرت بالصلاة) وعن أمير المؤمنين (ع): (خالطوا الناس مخالطة إن متم بكو عليكم، وإن عشتم حنو عليكم) وروى الصدوق قدس سره في العيون من كلام الرضا (ع):
وإن كان دوني من بليت بجهله * أبيت لنفسي أن أقابل بالجهل
وإن كان مثلي في محلي من النهى * أخذت بحلمي كي أجل عن المثل
وإن كنت أدنى منه في الفضل والحجا * عرفت له حق التقدم والفضل
سابعا: اغتنام الفرص والابتعاد عن التسويف والكسل. فعن أمير المؤمنين (ع): (وإن امرأ ضيع من عمره ساعه في غير ما خلق له لجدير أن تطول عليها حسرته يوم القيامه) وعنه (ع): ( إضاعة الفرصة غصة) وعنه (ع): (انتبهوا من رقدة الغفلة، وبادروا بالعمل قبل حلول الأجل…إلى أن قال: سارعو إلى الطاعات قبل فوت الأوقات، فكأن قد جائكم هادم اللذات فلا مناص ولا نجاة) وعن الصادق (ع): (من استوى يوماه فهو مغبون، ومن كان آخر يوميه خيرهما فهو مغبوط، ومن كان آخر يوميه شرهما فهو ملعون).
ومن هنا نلاحظ الناس على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: غافل مضيع للوقت.
القسم الثاني: الذي يعيش حياته العادية الطبيعية.
القسم الثالث: الذي يعيش حياة أكثر من حجم الزمن، كالعلماء الأعلام الذين ضحو بكل غال ونفيس، وتحملوا العناء، وتغلبوا على الصعاب، وخططوا لأمتهم وشعبهم كيف يعيش عزيزا ومستقلاا، مرفوع الرأس، يفخر بإنجازاته العلمية، التي فاقت ما كان يتصوره الكثيرون، وما كان ذالك إلا بالصبر والصمود والحكمة، وفطنة القيادة الربانية.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وهلك الكفار والمنافقين.
(اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا صلواتك عليه وآله، وغيبة ولينا، وكثرة عدونا، وقلة عددنا، وشدة الفتن بنا، وتظاهر الزمان علينا، فصل على محمد وآله، وأعنا على ذالك بفتح منك تعجله، وبضر تكشفه، ونصر تعزه، وسلطان حق تظهره، ورحمة منك تجللناها، وعافية منك تلبسناها، برحمتك يا أرحم الراحمين). والحمد لله رب العالمين.
Related posts
Leave a Comment
You must be logged in to post a comment.