حدث في مثل هذا اليوم (30 جمادی الآخرة)

حدث في مثل هذا اليوم (30 جمادی الآخرة)

قال الخضري في كتاب (نور اليقين في سيرة سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله)): وفي جمادى الآخرة من سنة 8 من الهجرة بلغ النبي(صلى الله عليه وآله) أن جمعاً من قضاعة يتجمعون في ديارهم وراء وادي القرى؛ ليغيروا على المدينة، فأرسل إليهم عمرو بن العاص في ثلاثمئة رجل من سراة المهاجرين والأنصار، ثم أمده بأبي عبيدة بن الجراح في مئتين من المهاجرين والأنصار أيضاً فيهم أبو بكر وعمر، فلحقوا عمراً قبل أن يصل إلى القوم، وقد أراد قوم من الجيش إيقاد نار فمنعهم عمرو، فأنكر عليه عمر بن الخطاب ذلك، فقال له أبو بكر: إنما بعثه رسول الله(صلى الله عليه وآله) رئيساً علينا لمعرفته بالحرب أكثر منا؛ فلا تعصِه، فامتثل([1]).

فلما حلوا بساحة القوم، حملوا عليهم، فلم يكن أكثر من ساعة حتى تفرق الأعداء منهزمين، فجمع المسلمون الغنائم التي خلفها القوم وراءهم، وأرادوا اتباع أثرهم، فمنعهم عمرو بن العاص، ورجعوا إلى المدينة ظافرين. وفي طريقهم إلى المدينة أصابت عمرو بن العاص جنابة في ليلة باردة، فتيمم وصلى، ثم أمر بالمسير حتى وصلوا إلى المدينة، فجعل رسول الله(صلى الله عليه وآله) يسأل عن أنباء سفرهم كما هي عادته، فأخبروه بما نقموه على عمرو من نهيهم عن إيقاد النار، ونهيهم عن اتباع العدو، وصلاته بدون غسل، فسأله النبي(صلى الله عليه وآله) عن ذلك فقال: منعتهم عن إيقاد النار لئلّا يرى العدو قلتهم فيطمع فيهم، ونهيتهم عن اتباع العدو خوفاً من أن يكون لهم كمين، وصليت بدون غسل؛ لأني خشيت إن أنا اغتسلت هلكت من البرد، والله جل وعلا يقول: ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ([2]). قال الخضري فتبسم النبي(صلى الله عليه وآله) وأثنى على عمرو([3]).

***

في هذا اليوم أو في الذي بعده من سنة 198هجرية توفي بمكة المكرمة سفيان ابن عيينة بن أبي عمران الهلالي. كان عالماً ثبتاً، زاهداً ورعاً، مجمَعاً على صحة حديثه وروايته، وقد حج سبعين حجة. قالوا: وكان جده أبو عمران ميمون الهلالي من عمال خالد بن عبدالله القسري، فلما عزل خالد عن العراق، وولى مكانه يوسف بن عمروالثقفي وذلك في سنة 120هـ طلب عمال خالد، فهرب أبو عمران منه إلى مكة فنزلها، وكان قبل ذلك بالكوفة، وفيها ولد حفيده سفيان، وكان مولده في منتصف شعبان سنة 107 هجرية؛ وعلى هذا يكون عمره يوم وفاته91 سنة. وكان كثيراً ما ينشد شعر أبي نواس، وهو:

خل جنبيك لرامِ *** وامضِ عنه بسلامِ
مت بداء الصمت خير *** لك من داء الكلامِ
إنما السالم من ألـ *** ـجم فاه بلجامِ([4])

قيل: وكان ممن أخذ عن الإمام الصادق (عليه السلام)، وروى عنه الإمام الشافعي([5]). رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وجاء في موسوعة الفقه الإسلامي أنه توفي في هذا الشهر من سنة 198 هجرية أبوسعيد عبد الرحمن المهدي البصري، وكان من العبّاد، وكان ورده كل ليلة نصف القرآن الكريم، وكان عمره يوم وفاته 53 سنة؛ فقد كان مولده سنة 135 هـ. رحمه الله برحمته.

***

وفيه أو في التاسع من رجب سنة 501 هجرية قتل صدقة بن منصور الأسدي، وهو الذي اختط مدينة الحلة بالعراق بتاريخ11/ 9/ 495هجرية، وكان ذا بأس وسطوة وهيبة؛ حتى سمي «ملك العرب». وقد تنافر مع السلطان محمد بن ملك شاه بن ألب أرسلان السلجوقي المتوفى باصبهان 24/ 12/ 511 هجرية، وأفضت الحال إلى الحرب، فتلاقيا عند النعمانية (بلدة بين الحلة وواسط)، فقتل الأمير صدقة في المعركة يوم الجمعة 30/ 6/ 501 هجرية، وقيل: في 20 /7/ 501. رحم الله الجميع برحمته، وأسكنهم فسيح جنته.

***

وفي هذا اليوم أو الذي قبله سنة 544 هجرية توفي سيف الدين غازي بن زنكي صاحب الموصل والجزيرة من اُمراء الدولة النورية. وكان من أحسن الناس صورة كما كان عاقلاً وقوراً، منطوياً على خير وصلاح، ويحب العلم وأهله، وبنى بالموصل مدرسته المعروفة بـ«العتيقة» على شحّ فيه، ومات وقد قارب الأربعين من عمره. رحمه الله برحمته.

***

وفي العشر الأواخر من هذا الشهر سنة 558 هجرية توفي ملك المغرب عبد المؤمن بن علي القيسي الكومي الذي مهد أمره محمد بن عبد الله بن تومرت المتقدم ذكره بتاريخ 10/ 1. قال ابن خلكان: ورأيت في بعض تواريخ المغرب أن ابن تومرت كان قد ظفر بكتاب يقال له (الجفر) فيه ذكر ما يكون على يده، وقصة عبد المؤمن هذا وحليته واسمه، فبقي يتطلبه حتى وجده وصحبه وأفضى إليه بسره، وسار به إلى مراكش ودخل به على ملكها علي بن يوسف بن تاشفين ملك الملثمين، وجرى له معه كلام، ثم خرج به إلى جبال «تينملل» كما تقدم ذلك في التاريخ المذكور. وكان ينشد كلما نظر إليه:

تكاملت فيك أوصاف خصصت بها *** فكلنا بك مسرور ومغتبطُ
السن ضاحكة والكف مانحة *** والنفس واسعة والوجه منبسطُ([6])

وما مات ابن تومرت إلّا بعد أن جهز الجيوش، ورتب الأمور، وواصل عبد المؤمن المسيرة بعد موت ابن تومرت فملك أول ما ملك وهران ثم تلمسان، ثم فاس، ثم سلا، ثم سبته، وانتقل بعد ذلك إلى مراكش فحاصرها أحد عشر شهراً، ثم ملكها في أوائل سنة 542 هجرية فاستوثق له الأمر، وامتد ملكه إلى المغرب الأقصى والأدنى وبلاد أفريقية وكثير من بلاد الأندلس، وتسمى بأمير المؤمنين، وقصدته الشعراء، ومدحوه بأحسن الشعر. وكان ممن مدحه الفقيه أبوعبد الله محمد بن أبي العباس أحمد التيفاشي المتوفى والده أحمد المذكور سنة 651 هـ، فإنه مدحه بقصيدة كان مطلعها:

ما هز عطفيه بين البيض والأسلِ *** مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي([7])

فلما أنشده هذا البيت أشار إليه أن يقتصر عليه فقط، وأمر له بألف دينار، وكان عمره يوم وفاته 58 على رواية من قال: إن مولده سنة 500، أو 68 على رواية من قال: إن مولده سنة 490 هجرية، كانت مدة إمارته منها 33 سنة وأشهراً. قال ابن خلكان: وإلى هذا الكتاب المسمى بـ(الجَفْر) بفتح الجيم وسكون الفاء وبعدها راء ـ وهو اسم لما بلغ أربعة أشهر من أولاد المعز الذين كانوا في ذلك الزمان يكتبون في جلودهم، وإليه أشار أبو العلاء المعري المتوفى بتاريخ 3/ 3/ 449 هجرية بقوله في جملة أبيات له:

لقد عجبوا لأهل البيت لما *** أتاهم علمهم في مَسْك جَفْرِ
ومرآة المنجم وهي صغرى *** تريه كل عامرة وقفرِ([8])

والمَسْك ـ بفتح الميم وسكون السين المهملة ـ هو الجلد. رحم الله الجميع برحمته.

***

وفي هذا الشهر من سنة 615 هجرية ولد بمكة محب الدين أبوالعباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد الطبري الشافعي، شيخ الحرم المكي، صاحب المؤلفات الكثيرة النافعة، ومنها كتاب (ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى)، و(الرياض النضرة في فضائل العشرة)، وكتاب (السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين)، وغير ذلك من الكتب القيمة النافعة.

وقد توفي أيضاً في هذا الشهر من سنة 694 هجرية وعمره 75 سنة. رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

قال السيد في (الأعيان). وفي أواخر جمادى الآخرة من سنة 1332 هجرية توفي المولى محمد علي بن الحاج محمد حسن الخوانساري النجفي. له كتاب (الفوائد الجفرية)، وله خزانة كتب جليلة([9]). رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

***

وفيه من سنة 1362هجرية توفي العالم الجليل، والخطيب الكبير، والد المؤلف الشيخ منصور ابن المرحوم الحاج علي المرهون المتوفى بتاريخ 9/ 12/ 1322هجرية، وقد وري جثمانه الثرى بمقبرة الحباكة الشرقية ليلة هلال رجب المسماة بليلة النور. وقد قال في ذلك ولده المؤلف لهذا الكتاب (سامحه الله) بعد أكثر من ثلاثين سنة من وفاة والده:

في ليلة النور قد غُيّبتَ منصورُ *** من الدنى وتلقت روحك الحورُ
إيهاً أبي كنت آمالي فخيبها ***  بقبض روح المعالي منك مقدورُ
إيهاً أبي أنت رب للخطابة فلـ ***  ـتبكِ المنابر وليندبك عاشورُ
إيهاً أبي أنت للمحراب بدر دجى ***  فاظلمّ لما توارى ذلك النورُ
أبي قضيت ولكن حبذا خلف ***  خلّفت فامضِ أميناً أنت منصورُ

وقد شاء الله لهذا الشيخ المقدس أن يؤرخ عام وفاته بنفسه، وسبب ذلك أنه في ذلك العام حج حجة لم يصل فيها إلى بيت الحرام، وفي ليلة رجوعه منها وهي ليلة 11/ 2/ 1362 هجرية بشروه بأول حفيد ولد له بتاريخ 24/ 1/ 1362 هجرية من ولده الأكبر الشيخ علي المرهون المولود بتاريخ 5/ 4/ 1334 هجرية والمتوفى بتاريخ 28/ 1/ 1431 هـ، فأسمى المولود (فرجاً)، وقال مؤرخاً لميلاده حفظه الله:

حججنا حج مصدودٍ *** عن الكعبة لا الربِّ
وهذا فرج إذ جا *** ء قد فرّج عن كربي
فقلنا فيه تاريخاً *** (عفا الرحمن عن ذنبي)

وبعد ما يقارب من شهرين من قدومه مرض مرضاً شديداً، فذهب إلى العلاج في البحرين، وفي طريقه راجعاً إلى بلده بعد اليأس من الشفاء توفي في السفينة بالقرب من القطيف في نفس العام؛ فكان هذا التاريخ تاريخاً لقدومه من سفره، وتاريخاً لميلاد حفيده الأول، وتاريخاً لوفاته. وأرخ عام وفاته المقدس الشيخ فرج العمران المتوفى بتاريخ 22/ 3/ 1398 هجرية، فقال:

منصور أهل العلم قد نودي إلى *** دار السلام بروحه لبّى
والعلم من أسف قضى لما وعى *** أرخ (قضى منصوره نحبا)([10])

وقد ترجم له ولده المذكور في كتاب (شعراء القطيف)([11]). رحمه الله برحمته، وأسكنه فسيح جنته.

__________________

([1]) انظر السنن الكبرى (البيهقي) 9: 41، فتح الباري 8: 60، الثقات (ابن حيان) 2: 35.

([2]) البقرة: 195.

([3]) المصدر غير موجود، انظر السيرة الحلبية 3: 200.

([4]) وفيات الأعيان 2: 391.

([5]) وفيات الأعيان 2: 390، ولم يذكر أخذه عن الإمام الصادق (عليه السلام).

([6]) وفيات الأعيان 3: 238.

([7]) وفيات الأعيان 3: 239.

([8]) وفيات الأعيان 3: 239.

([9]) أعيان الشيعة 10: 26.

([10]) الأزهار الأرجية م1، ج1: 143.

([11]) شعراء القطيف 1: 313/ 47.

Leave a Comment

You must be logged in to post a comment.

© 2016 كل الحقوق محفوظة لمؤسسة المصطفى للتحقيق والنشر

Scroll to top